إذا شئنا الحقيقة والقول الجريئ , فأن معطياتنا القلمية بأنواعها تترجم سلوك “الوقوف على التل أسلم” , وهذا منهج مضت عليه الأجيال وفقا لرسوخ مبدأ ” السمع والطاعة” , وقد شذ عنه عدد من أبناء الأمة عبر العصور , ولدينا أمثلة عنهم في القرن العشرين خصوصا في مصر.
ومضينا نذكرهم وكأنهم حالات شاذة وما إستطعنا أن نصنع بهم تيارا معرفيا يأخذ الأمة إلى مسارات حضارية معاصرة , فنستحضرهم وكأننا نسوّغ بهم ضرورات الوقوف على التل , بدلا من الإقتداء بهم والسير على خطاهم التثويرية المتحدية الجريئة.
ومعظم ما يتم تنواله في المنابر الثقافية بأنواعها يتصل بالدين , وعبارة “التجديد” المتصلة بالدين الأكثر ترددا وتفاعلا مع الأجيال , وما أوجدت ما ينفع الناس , بل أسهمت في تعميق الفرقة وتشتيت شمل الأمة وتدمير الدين بالدين.
وقد يُقال أن الهجمة العدوانية الخارجية لها دور , وهذا لا يجوز إنكاره , غير أن العيب الحقيقي يكمن فينا جميعا , فالآخر لا يستطيع تدمير الهدف دون منافذ ومؤهلات فيه تساعده على تحقيق مأربه.
والتأريخ يزدحم بالأمثلة الناطقة بوضوح وصراحة عن أهداف أطيح بها , بسبب ما فيها من ثغرات ومؤهلات للإفتراس من قبل الطامعين بها أو الساعين إليها.
وحتى سور الصين العظيم لم يمنع الإختراقات التي يوفرها الهدف للعازمين على الإستحواذ عليه , وهي من أشد العوامل وقعا وتأثيرا في تأمين الهزائم والإندحارات , والحقيقة التي نغمض عيوننا عنها , أننا من أكثر الأمم الراعية لها , والقادرة على إنتاجها بالجملة.
وتجدنا نقف على التل وأحوالنا تتدهور , ومآسينا تتراكم , وكلما رفعتَ راية إحتجاج ومطالبة بحق إنساني طبيعي , تجابهك صيحات الواقفين على التل ” ليس الآن” , وكأن الدنيا محكومة بمواقيت علينا أن نرضخ لها , ونلغي إرادتنا , ونئد تطلعاتنا في رمال الإنتظار.
” ربك يحلها” , ” الصبر مفتاح الفرج” , وقس على ذلك من القوالب السلوكية المتحكمة بوجودنا , ويبرز من بيننا من يجيد التسويغ والتبرير والإمعان بأدبيات “هو” , ليجرد الأجيال من مسؤوليتها , ويدعوها لتوطن التلال , والإبتعاد عن تيار الحياة , وغاب الدنيا المحتدم الصراع.
فإلى متى يبقى البعير على التل؟!!