كان ياما كان في قديم الزمان .. كان هناك وطن وبات هذا الوطن بعد تفشي الطائفية يعيش في كفن .. كان هناك شعب طيب شهم متكاتف فاصبح هذا الشعب بوجود الطائفية شعب بلا عنوان .. كان هناك حلم فاصبح هذا الحلم كابوس .. كان هناك صديق ننحني قربانا له فاصبح هذا الصديق جرح عميق يبحث عن زلاتنا يتربص بحركاتنا و بسكناتنا .. كنا نملك دمعة محبوسة فاصبحت دمعتنا منحوسة .. لنكن منصفين بحق شعبنا الطيب فان الغالبية منه ضد الطائفية .. فالطائفية لعنة تلاحق اجيالنا في العراق منها يتفرع داء اشد خطورة هو المذهبية وكل هذه الافات تهدد حاضر ومستقبل العراق فالطائفية شر ووبال على المجتمع وشر يهدد ليس فقط السلم الاهلي والاستقرار الداخلي وانما تهدد وجود كيان امة لانها تغلق كل افاق التقدم والتطور وترهن حركة الناس والاجيال في قوالب جامدة وتزرع الانقسام والتجزئة والصراعات التي لاحدود لها والحروب الداخلية التي لا افاق لنهايتها وهي الى ذلك تضيع كل الجهود والطاقات والامكانات التي يزخر بها المجتمع وتعطل فاعليتها لانها تبعثرها في زوايا الانتماءات الضيقة .. والمشكلة ان التحريض الطائفي لم يأت من اناس اميين او قطاعات الشعب الواسعة من الفقراء والمحرومين من نعمة الثقافة بل يأتي من اولئك الذين يدعون العلم والمعرفة وامتلاك الحقيقة من مستغلي الدين لاغراضهم الشخصية فيما ان سلوكهم التخريبي يثبت انهم جهلة ومغرضون يغلفون جهلهم بغشاء خفيف من ثقافتهم الدينية السطحية .. واكاد اجزم ان هؤلاء الادعياء هم ابعد الناس عن روح الدين وفهمه ..
فالاديان هي شأن خاص بين الفرد والخالق فالله سبحانه وتعالى يقول ” لا اكراه في الدين ” والاسلام هو اقرب الى العلمانية مما يتصوره الجهلة ..ان العقلية والممارسات الطائفية كلما زاد منسوبها قل منسوب العقل فلا يمكن ان تجتمع مع العقل والدين في مكان واحد ولنفس السبب فان المجتمعات التي تصاب بداء الطائفية تكون ساحات غير محصنة أمام الحروب الاهلية وغيرها لان نظام المناعة يصبح ضعيفا..ان العقلية والممارسات الطائفية هي الخطر القادم لقد اصبحت الطائفية البعبع الذي يرفع في وجه كل تحرك شعبي..
فالدين افيون الشعوب حين يفرغ من مضمونه الروحي هي مقولة حين اطلقها كارل ماركس كان يشير فيها لما وراء قناع الحياة وصراعاتها المادية الى هذا الانسان اللاهث وراء المادة. . في مقالي هذا ساتحدث لكم بصفتي مواطن عراقي يهمه ويعنية ما يجري في العراق حاليا من تأجيج للنزعة الطائفية وتغليب لغة العنف والكراهية بين مكونات الشعب العراقي .. فالعراق اليوم يمر باخطر ازمة وانا مؤمن بان الوقت قد حان لكي نتصدى لخطر الطائفية السياسية التي تهدد النسيج الاجتماعي والبناء السياسي والثقافي .. وانا على يقين بان فعل الساسة والسياسيين في العراق ممن تعاقبوا على الحكم بعد عام 2003 كان سبب رئيس في زيادة حدة وسعة الخطاب الطائفي وتوجهاته .. فساسة العراق انطلقوا في تعميم مقولاتهم عن الوطنية والقومية من ذلك التاريخ العربي المثقل بالفئوية والاستبداد واحتكار الحق ومصادرة الحريات والذي اسس بدوره لاسس ثقافة الاستسلام والرضا والقبول بالامر الواقع تحت عناوين الحق الالهي دون الاستفادة من تجارب الحكام من الذين سبقوهم في الحكم خلال عقود فترة الخمسينيات من القرن الماضي الذين كانوا بعيدين عن هذه النزعة الطاذفية ولنأخذ رئيس الوزراء في عهد النظام الملكي نوري سعيد انموذجا على ذلك فقد كان هذا الحاكم الذي لم ينصفه شعبنا يتحلى بالحكمة في معالجة القضايا التي تتطلب مواقف سريعة ففي عام 1957 تم رفع الجسر العائم الذي يربط الاعظمية بالكاظمية وتم بناء جسر جديد بدلا عنه وبعد الانتهاء من بناء الجسر اراد اهالي الاعظمية تسميته باسم ” ابو حنيفة النعمان ” فيما اراد اهالي الكاظمية تسميته باسم ” الامام الكاظم ” وصل الامر الى اسماع رئيس الوزراء نوري سعيد فقالوا له ” كيف الحل ياباشا ” .. سكت قليلا ثم قال ” بسيطة نسميه جسر الائمة او تنحل المشكلة ” وكان اقتراح الباشا مرضي للجميع واصبح الجسر بهذا الاسم رغم ان هذه الحادثة مؤسفة لانها تمثل صراع على ابسط الاشياء الا ان ذكاء وحنكة نوري سعيد تبين دور القائد السياسي في حل مثل هكذا امور .
ولم يكن نوري سعيد هو الوحيد الذي يبغض الطائفية فقد كان الزعيم عبد الكريم قاسم الذي اسقط النظام الملكي في العراق عام 1958 قد تربى في بيئة غير طائفية فبيئته كانت بيئة محايدة لاتميز بين المذاهب الاسلامية فوالده عربي سني من عشيرة الزبيد ووالدته شيعية من بني تميم وقيل كردية شيعية لذا نشأ الزعيم محايدا يمقت التمييز بين العراقيين على اساس العرق او الدين او المذهب ويقال ان الزعيم عبد الكريم قاسم عندما كان يصلي وهو في مقره في وزارة الدفاع خلال فترة توليه السلطة كان يصر على اغلاق باب غرفته قائل ” انه كرئيس حكومة لكل العراقيين لايريد ان يعرف احد مذهبه الديني ” وخلال فترة حكمه للعراق بذل جهدا استثنائيا وتدريجيا وبهدوء للتخلص من جميع اشكال التمييز العرقي والديني والطائفي بحيث كادت الطائفية ان تختفي تدريجيا حيث اكد على عدم الاخذ بالعرف السائد الذي كان معمولا به في العهد الملكي في رفض قبول الطلبة الشيعة في الكلية العسكرية والضباط على قلتهم في كلية الاركان وفي المناصب المهمة في الدولة .. وكان سلوك قاسم في نظر المنصفين هو عدم التمييز بين ابناء الشعب العراقي على اساس مذهبي واعتبر التمييز انقطاعا مع الموروث وخروجا على احد أهم اركان السياسة العراقية التي بدأت منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 .. ايها الاخوة والاصدقاء قد لانبالغ اذا ماقلنا بان احتلال القوات الامريكية للعراق قد ساهم مع دول الجوار في ترسيخ مفهوم الطائفية السياسية وسلطتها الحاكمة عبر الخلط بين الديمقراطية والفئوية او بين العشائرية والديمقراطية التي تبناها الحاكم المدني للعراق ” بول برايمر)
وجعلها فزعة عشائرية ومذهبية في انتخابات مجلس النواب وقد نمى برايمر لعنه الله هذه الثقافة الغير منطقية لتمزيق النسيج الاجتماعي للشعب العراقي كما كان لدول الجوار الدور المؤثر والفاعل في تدعيم وتنمية الخطاب الطائفي الديني والسياسي .. ايها الاخوة الاعزاء ان هذه الطائفية ستسهم في تقسيم العراق الى دويلات وممالك قومية وفئوية ومذهبية متناحرة وان بعض التيارات الارهابية والمتصيدين بالماء العسكر سيستغلون هذه الارهاصات الطائفية والمذهبية للتحرك لاضعاف النفوس عبر الضرب على وتر الاحقاد معتمدة في ذلك على ردات الفعل وعلى القلق النفسي وعلى الشعور بالحيف من هيمنة بعض التيارات وسطوتها .. فاحذروا فان الخطلر قادم وان تغليب لغة العقل بدل لغة العاطفة هي الحل الامثل لتجاوز هذا التناحر غير المجدي .