18 ديسمبر، 2024 7:58 م

التوقي يعني الإبتعاد عما هو مؤذي أو خطير أو شرير , ولكي تتوقى لا بد لك أن تخاف , فالوقاية فيها نسبة معينة من الخوف تدفعنا للحذر والإحتياط والإحتراز للفوز بالأمان والتواصل والبقاء.
والذين يريدون إقناع الناس بقتل الخوف فيهم فأنهم على وهم أو يريدون الإضرار بهم.
وعندما يبلغ الخوف درجات عالية من القوة والفعل فأنه يصيب البشر بإضطرابات سلوكية مروعة , ويأتي في مقدمتها الإنجماد والتيبس والإستسلام , أو يدفعهم إلى الهرب السريع المدوي إلى حالات وتزيح الخوف عنهم.
وحين الإنجماد السلوكي لا يستطيع البشر فعل شيئ سوى أن ينتظر الخطر ويستقبل ما سيحصل له , وفي هذا تعطيل للقدرات الدفاعية بأنواعها وأشكالها.
وفي الهروب يتحقق التفاعل مع الغيبيات , خصوصا عندما يتم تغذيتها من قبل الرموز المؤثرة في الناس , ولهذا تجد هذه السلوكيات ذات إنطلاقات واسعة , وتتميز بالنكران والأوهام التي تخدع النفس , وتشيع فيها بعض الطمأنينة والشعور بالسيطرة , وما هي إلا أحبولة أو وقيعة ستصيب صاحبها بالذي يخشاه ويتوهم الإنتصار عليه.
وقد رأينا ذلك واضحا في بعض المجتمعات التي إندفعت وبقوة نحو التفاعلات التي تنسبها إلى معتقداتها الوهمية , وتعبر عنها بهذيانات سلوكية لا تخطر على بال.
فالظاهر أن في معظم المعتقدات ما يوفر لأصحابها مساحات سلوكية مشبعة بالخيالات والتصورات اللاواقعية اللامنطقية المتعارضة مع أبسط البديهيات , لكنها تتحول إلى تفاعلات جماعية هستيرية تجتذب إليها أعداد هائلة من الذين أصابتهم سكرتها التي تملكت عواطفهم وعطلت عقولهم.
ولا يعني هذا جهلا أو خرَقا وإنما آلية سلوكية تتحقق في المجتمعات البشرية عندما تواجه أخطارا لا قبل لها على صدّها , أو لهولها ترعبها وتخرجها عن واقع الحياة , وترمي بها إلى حيث الأوهام والمدارات التي تزعزع معاني الوجود.
والمجتمعات المحظوظة هي التي يبرز فيها المفكرون والقادة والرموز المتعقلون , الذين يقودونها ويهذبون سلوكها ويمدونها بطاقات التفاعل السليم , الذي يهدف إلى التهدأة والطمأنينة والصبر والإيمان بالتفاؤل , وأن المجنة مهما تعاظمت وإشتدت فأنها ستزول كما زالت الشدائد التي سبقتها.
فهل لدينا من الحلماء والعقلاء ما يكفينا شر الوقوع في مهاوي الخوف والهلع , والتحول إلى ضحايا للضلال والبهتان والدجل؟!!