18 ديسمبر، 2024 8:53 م

الوفد السعودي… زيارة متأخرة

الوفد السعودي… زيارة متأخرة

ان تاتي متاخراً غير من ان لا تاتي، حكمة هذه المقولة لا تنطبق على زيارة الوفد السعودي الذي تاخر 15 عاما، قبل ان ياتي بمئة شخصية سياسية ودبلوماسية واقتصادية تحمل في حقائبها ملايين الدولارات كاعتذار للشعب العراقي عن سنوات “الجفاء والعداء غير المبرر” في وقت كنّا ننتظر موقفا واحدا بقرار ملكي يوقف “فتاوى التكفير” ودعوات التحريض التي انطلقت بعد العام 2003، برعاية حكومية معلنة.
لم يكن الافضل للرياض ان تدرك بان المليارات التي صرفتها خلال السنوات الماضية “لتأجيج” الفتنة الطائفية في العراق كفيلة بإعادة بغداد للحضن العربي اذا ما قُدمت كدعم لاعادة المنظومة العسكرية والاقتصادية التي دمرتها حرب التغيير، لكن وبعد هذه السنوات وضحايا بالآلاف بين شهيد ويتيم وأرملة خلفها 5000 انتحاري ارسلوا لتغيير المعادلة السياسية لصالح جهات معينة كانت تُمارس “الحيلة” لاقناع حكام السعودية بانها ستيعد الحكم الى مكان عليه قبل العام 2003، وتستبعد “الشيعة الكفرة” من مركز القرار، كما اخبرنا المفكر حسن العلوي في حديث يعود للعام 2012، بان ملك السعودية السابق عبد الله بن عبد العزيز خاطب طارق الهاشمي في لقاء حضره العلوي بعد سنوات العنف الطائفي، قائلا “أعطيتك ملياري دولار ومازال الشيعة يحكمون، ليبتسم بعدها الهاشمي قبل ان يرد معنا شيعة جالسون وقد يزعجهم هذا الحديث”، في إشارة الى وجود حسن العلوي.
قد يتهمني البعض بالتمسك بعقدة الماضي ويشتمني اخرون بسبب الإصرار على التذكير بالمواقف “السلبية” للرياض، لكن هل علينا ان نفرح بتصريح إمام الحرم المكي الشيخ عدنان الكلباني الذي اعلن فيه “ندمه” على تكفير الشيعة بعد قراءة كتبهم، ليكتشف بعد جميع فتاوى التكفير التي “أهلكت العباد والبلاد” بان الشيعة ينطقون الشهادتين ويصلون ويصومون،، اين كان الشيخ الكلباني حينما كانت منابر السعودية تشتم اهل العراق مرة تسميهم رافضة مشركين ومرة مرتدين لا يصح اسلامهم؟، سنجد الإجابة عن تلك التساؤلات في تبريرات رُوج لها عبر وسائل الاعلام السعودي بان مشكلة الرياض كانت مع الشخوص الذين سيطروا على دفة الحكم خلال السنوات الماضية، لكن هل يمنحكم عدائكم لرئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي او حزب الدعوة حق ممارسة “إبادة جماعية” ضد “عُبَّاد الله”.
ياسادة.. هذا التقارب الذي تقوده السعودية وأسلوبها في دفع الاموال لشراء الشعوب الذي تكرر في اكثر من مناسبة هدفه واضح ولا يقبل “القسمة على اثنين”، فالرياض تسعى من خلال مليار دولار وملعب لكرة القدم “لكسب” بغداد الى جانبها في حربها ضد ايران فهي تدرك بان العراق سيكون “طوق” النجاة لطهران لمواجهة الحصار الاميركي وهو ما سجلته خلال الزيارة الاخيرة للرئيس حسن روحاني، لكن هذا لا يعني بإننا عملاء لإيران أبدا، انما نحفظ حق الجار لطهران كما نحفظه للرياض وأنقرة ودمشق ولن نكون بمحور يهدد الاخرين على طريقة فتاوى التكفير.
الخلاصة… ان التوجه السعودي الجديد في حال كانت نواياه “سليمة” قد يساعد في ازالة الكثير من العقبات التي تواجه العراق من خلال ايجاد دولة عربية مؤثرة في القرار الخليجي وتمتلك القدرة على فتح العديد من الأبواب المغلقة امام تحقيق الاستقرار الداخلي، لكنه للاسف جاء متاخراً،، اخيرًا.. السؤال الذي لابد منه،، هل اتعضت الرياض من درس بغداد؟.