17 نوفمبر، 2024 12:23 م
Search
Close this search box.

الوعي كما أراهُ

جميع الأديان الإبراهيمية التي جاء ذكرها في القرآن الكريم تتضمن جملة عربية واحدة (أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له) اليهودية تقر بذلك ولها مفاهيمها، والمسيحية تؤمن بالثالوث، والقرآن الكريم ذكر اليهود والنصارى في الكثير من آياته، وهو الكتاب المهيمن على كل الكتب السماوية، وجاءَ في آية كريمة تأكيد على هذا الكلام، قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ هذه الآية صراحة فيها القول الفصل.
عزيزي القارئ المتبصر حفظك الله ورعاك، عندما نعود إلى عنوان المقال فإنني لا أتحدث بصفة شخصية عن مضمون عنوان المقال؛ ولكني أتحدث بصفة عامة، وكما قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ وإني في لقاءاتي الكثيرة والمستمرة مع فئة طلبة الجامعات، بصفتي أكاديمية المس والتمس من هؤلاء، أشواق وحنين يحثه الإبداع لهذه العقول القيادية المهيأة للمستقبل، وهم ينهلون من العلم.
الوعي كما أراه وتراه أنت أيها الواعي، عندما تدخل إلى أي مستشفى لأول وهلة، وتشاهد ملائكة الرحمة، وهم يرتدون اللباس الأبيض، فأنت تتصور وتصورك صحيحاً، أن هؤلاء منتسبو الدائرة الصحية، ويعملون في مجال الطب، ولكن عندما تدقق في باجاتهم تعرف أن هذا ممرض، والآخر طبيب مقيم، وكذلك الاستشاري، فتذهب إلى من تلتمس منه علماً واختصاصاً في حالتك المرضية، كل هؤلاء يعملون في مؤسسة صحية؛ لكن عناوينهم شتى، والكل ذو أهمية، ولا تستقيم أي مؤسسة صحية من دونهم، وقياسي في ذلك، أن الله رفع الناس درجات، وفضل بعضهم على بعض في الرزق، وأمور أخرى، إذاً الوعي هو بوصلة العالم، فالبحار لا يستطيع أن يبحر في المحيطات إن لم يصطحب بوصلة معه، وكذلك الطيار… إلخ.
إذا عندما أتحدث عن الوعي كما أراه بإسهاب، وأتكلم مع أصحاب العقول الفذة، فإن هذه السطور التي يتغنى القلم بكتابتها ليست وليدة اللحظة؛ بل أن هناك جهوداً جبارة قد بذلت وعمراً مديدا ًفي التعلم والتعليم والمثابرة، وسهر الليالي، حتى أقدمها بين يديك عزيزي القارئ هدية بهذا الشكل، وكما قال الإمام الشافعي (رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب) ولا أنأى بنفسي من الجهل؛ لأن وفوق كل ذي علم عليم.
فلنتصور ذلك العبقري أينشتاين الذي بدأ حياته يتلكأ في الكلام، وقسم من معلميه لم يتفاءلوا به، واعتبروه حالة مرضية، وربما لا أتجنى على هذا الشخص عندما وصفوه إنه يشكو توحداً في التصرفات، وكان يعيش وحيدا، حتى الأطفال في عمره لم يتقبلوه كطفل، وهذا الرجل معروف بما قدم للإنسانية من اكتشافات هائلة، وساهمة في تقدم العلم بشكل مذهل، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فالوعي أيها الحبيب حفظك الله، يبدأ من عينيك التي تبصر، وأذنيك التي تستقبل، وشفاهك التي تتحدث، وأنامك التي تكتب، كلما اجتهدت وتعبت وزرعت تحصد وعياً، فلسفِيا، علمياً، أكاديمياً، تقر له العُيون.
فتلك اليابان أمة تتقن صنعتها على الرغم مما شاهدته من كوارث من إلقاء قنبلتين نوويتين على شعبها لأنها أمة حية، وهي اليوم عملاق الاقتصاد العالمي، وكذلك الصين، هي اليوم متربعة على الاقتصاد العالمي، وفي الخمسينيات من القرن الماضي كانت الصين تشهد مجاعة إنسانية لم يشهدها التأريخ طول الأزمنة من قبل، وأنت تعرف الدول العشرون المتقدمة اقتصاديا، وما رأيك بها؟ وأين نحن من هذا وذاك وهؤلاء؟ هل نحن نحتفظ بالصفر؟!
الصفر ليس له قيمة عددية، ولكن بأيادي المبدعين ضيف على الصفر أي رقم تشاء تستطيع أن تضيفه فأنه يصبح رقماً تشيبُ له الولدان إحصاء عدده وكميته، فأين نقف أيها القارئ اليوم؟ هل نحن من جماعة الصفر أم لنا الصدارة عالمياً؟ وأنا أشك بذلك، وربما عزيزي القارئ أنت تتفق معي.
إذا عندما علم الله آدم الأسماء كلها، من هنا بدأ الوعي الإنساني، وعندما قال محمداً (ص) ما أنا بقارئ، فكان صادقاً، وعندما إشارة إبراهيم لربه ليطمئن قلبه؛ لأن الأنبياء بشر مثلنا، وأبونا آدم أبو البشرية، فبالوعي تبنى الأمم ومثالنا على الأنبياء حسب ما ذكر القرآن أنهم كانوا لا يستطيعون إيضاحا عن ماهية الرسالة، وعندما وعوها كانوا خير مبشرين للإنسانية؛ لأن رسولنا الكريم، لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
فبالوعي وبكل حواسنا المرئية والمسموعة والمنطوقة نستطيع أن نصل بحالة الوعي المجتمعي إلى تقدم ونرتقي أعلى السلم، فنحن مشتركون مع الأنعام في غريزة النوم والأكل والتناسل؛ ولكننا كبشر خلفاء الله في أرضه، وقال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ﴾
لاحظ أيها اللبيب أيدك الله، مثالا قياسياً على قدرة الله وعظمته، وهو سخر كل شيء للإنسان، السموات بأفلاكها ومجراتها، والأرض بما تحتويه من كنزوها، وأرضها وشجرها والساكنين فيها، فمهما بلغ الإنسان درجات في العلم فأنه يبقى ذو محدودية فيه، كقوله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾.
ولاحظ أيها الواعي المتبصر أن الوعي يخط بالقلم، ويكتب أجمل العبارات في كافة التخصصات حتى تستفاد منها الإنسانية برمتها، ونحن أولى الأمم بذلك، لكوننا أمة اقرأ فالوعي من وجهة نظري هو المثابرة والقراءة، والمناقشة، وتفنيد بعض النظريات؛ لغرض أن يصل الإنسان بوعيه إلى الحقيه حتى تنبت البساتين والضياع زهورا وأورادا وفواكه جنات متعة للآكلين والناظرين، أيدك الله بروح منه، هذا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[email protected]

أحدث المقالات