22 ديسمبر، 2024 8:54 م

الوعي المفارق …. ملاذ آمن للكتّاب !  

الوعي المفارق …. ملاذ آمن للكتّاب !  

اعلن عدد من الكتاب والاعلاميين العراقيين بر اءتهم من الطائفتين : السّنية ،والشيعية ، ودعوا ، في بيان ، او اعلان ، بهذا المضمون ، الى تحقيق جملة مطالب تترتب على اعلانهم هذا وحملة التواقيع التي بنيت عليه . وياتي ذلك ، بحسب ظاهر الحال ، كما يقال ، وكما يفترض ، في سياق النشاط المناهض للطائفية ولغرض درء او الحّد من مخاطرها الجسيمة التي تهدد وحدة ووجود العراق والعراقيين ، فهل وفّقوا في الرمية ، ام ان قراءة متأنية لهذا الاعلان يمكن ان تتكشف عن مرمى مغاير ونتيجة مناهضة ، شاء ذلك من دبّج هذه الدعوة ام ابى ؟!
ابتداءا ، يتوّجه ، اعلان البراءة، هذا ،بخطابه الى:
السيد رئيس الوزراء نوري كامل المالكي المحترم.
السيد رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي المحترم .
السيد نائب رئيس الجمهورية خضير الخزاعي المحترم .
السادة اعضاء مجلس النواب المحترمين
ولا ينسى …
السادة قادة الكتل ورؤساء الاحزاب والتيارات المحترمين
السادة شيوخ العشائر المحترمين
اصحاب الفضيلة رجال الدين من الطائفتين
…نحن مجموعة من العراقيين … الخ
اي ان المخاطب بالدعوة والطلب هم كل ” آباء ” المجتمع ، بحسب التراتبية التي تقدمها العملية السياسية القائمة ، ومن الواضح هنا ، ان القيّمين على الحملة او دعاتها ، اما انهم يعتبرون السادة والجهات اعلاه هم المعنيين او المسؤولين او الممثلين، الشرعيين ، للطائفتين، فبحسب منطق الاشياء ، نحن نعنون الطلب او العريضة للجهات المعنية به ، وبالاقتران مع الجملة التي يختتم بها هذا النداء وهي ” السادة الاكارم نحن لا ننتسب لأي من طائفتيكم الكريمتين … الخ ” ، وهذا امر لم يحلم هؤلاء الاشخاص او هذه الجهات به ، ولا يجرؤون على ادعاءه ، لكن المحاصصة الطائفية والنظام المسخ الذي انبثقت عنه هو من يعطي لهذه الجهات مثل هذه التسميات او المواقع ، وهو امر لايقتنع بصحته او مشروعيته حتى المواطن الامّي البسيط فكيف برجال ” فكر ” و” ثقافة ” ؟ او يعتبرونهم ، في احسن الفروض ، مسؤولين عن تلبية مطاليبهم المدرجة في نص الدعوة . فاذا كان الذوات الثلاثة الاول يتمتعون بالسلطة التشريعية والتنفيذية فما هو شأن “شيوخ العشائر المحترمين ، واصحاب الفضيلة رجال الدين الاجلاء من الطائفتين” ، هل تتطلب البراءة اذنا من العادات والتقاليد ومباركة من الكهنوت ؟! ثم انهم خصوم ، بحكم كونهم “زعامات ” للطائفتين “الكريمتين” المتقاتلتين ، فكيف يتم التوجه اليهم بطلب الحل والحماية ؟! من الواضح اننا امام ارتباك وتناقض لاسبيل الى تسويته .
بعد ان يصف الاعلان الطائفتين ، السنية والشيعية ، بالكريمتين ، يعلن برائته منهما باعتبار العقيدة التي تصدران عنها ، او تمثلانها ، “كانت ، ولم تزل ،آلة للاحتراب والقتل وتمزيق الاوطان ” !! ثم يكرر، الاعلان ، القول “ولأننا نريد أن نحيا بسلام بعيداً عن حروب طائفتيكم الأزلية التي تخبو لتندلع من جديد، ولأننا نرى ان طائفتيكم الكريمتين تقودان العراق إلى جهنم لا تبقي ولا تذر،”…. اذن فهاتين الطائفتين جبلتا على الحروب ، لانها عبثية وازلية ، اي خلو من الدافع والغاية ، فكيف تكونان ” كريمتين ” وهما عابثتان ، مجرمتان ، تريدان ان تقودا البلد الى حرب لا تبقي ولا تذر ؟!! ثم ان وصفهما بالكريمتين ، يعني ان نقيضهما ، لئيم ، فهذا ما يستدعيه الذهن ، فهل ان ذلك ، قد حصل ، جّراء زلة لسان ام سوء تعبير ام اضطراب ذهن ، ام اننا يجب ان نحمله على محمل السخرية والتهكم ؟ طبعا يمكن القول بذلك لو ترافق الامر، باشارات معروفة ، في النص ، لكننا لانجد شيئا من ذلك ، واذا نظمنا ذلك مع الشخصيات والعناوين التي توجه اليها الاعلان بالطلب وصياغتها التراتبية البالغة الرسمية والامتثال ، فسنجد انفسنا ، لا مراء ، امام عقليات لايمكن ان تكون خارج اطار هذا التكوين اوتحمل ثقافة مناهضة لثقافته ، فاي اضطراب اذن ؟
ان الملفت للنظر والداعي الى كتابة هذه السطور ليس كل ما ورد انفا ، على اضطرابه وتخبطه ، انما الدعوات ، ان لم نقل المرامي ،الخطيرة ، بالفعل ، التي تضمنها الاعلان والتي وردت في نقاط ثلاثة بطلب: “أن يتم التعامل معنا قانونياً بوصفنا أقلية بما يضمن حقوقنا وعلى النحو التالي
أولاً: أن يكون لنا تعريف قانوني بوصفنا “غير ذوي طائفة “
ثانياً: السماح لنا بالتعريف بأنفسنا وبحركتنا علناً دون تضييق أو ترهيب.
ثالثاً: حمايتنا من استهداف أبناء الطائفتين لنا في حربهم التي يخوضونها، وذلك لا يتم إلا بإيجاد ملجأ آمن لنا نكون آمنين فيه من شرور أهل الطوائف”
ثم الجملة التي تقول “ان حربكم التي تخوضونها أيها السادة لا تعنينا من قريب أو بعيد”
كيف تكون حرب طائفية تهدد شعبا ووطنا ، وتوصف بانها لاتبقي ولا تذر ، مما لايعني مثقفيه واعلامييه ، من قريب او بعيد ؟! الجواب بسيط : ان هؤلاء لايريدون سوى تركهم يعيشون بسلام في ملاذ آمن وتوفير الحماية لهم “!! من سيوفر لهم هذا الملاذ واين وباي قوات سيحميه وهل ستكون له خطوط حضر طيران او قوات قبعات زرقاء للعزل ، والاهّم ،من كل هذا، اين سيكون مكانه؟! وماهي حدوده وكيف سيتم التواصل معه والاشراف عليه وحمايته وادارته ، انني اذهب بعيدا ليس عن شطط ، كما ارجو ، وانما هو الذهاب بالامور الى نهاياتها المنطقية … المطلوبة في ضوء ما يحصل في العراق والمنطقة !!
الشيء الحسن ، ولكن الذي يدعو الى التنبيه والعتب ، في نفس الوقت ، ان معظم من وقّع على الحملة ، قد ابدى ، في تعليقه ، على هامش المشاركة ، بما يفيد بموقف مضاد للطائفية ودعوه لنبذ التعصب المذهبي وللتسامح … الخ ، وهو تصحيح ، املته النوايا الحقيقية لمعظم الموقّعين ، من المثقفين والناشطين في سبيل الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي ونبذ ثقافة الكراهية ، لكنهم ، كما احسب ، لم يتمعّنوا في نص الدعوة جيدا ، فهي ضد الطائفة وليست ضد الطائفية ! مثلما نقول اننا ضد الدين وليس التعصب الديني ، وضد القومية وليس ضد الشوفينية والتعصب القومي ،وضد العنصر وليس العنصرية !! ان النص لا يخاطب الطائفيين ولا المتعصبين وانما يخاطب الطائفة على اساس ان وجودها ، بحد ذاته ، هو المشكلة ، لكن الطائفة تكوين تاريخي ، املته ظروف خارج ارادتنا وليس بمقدورنا الغائه ، انه شيء ينبع ،بالضرورة ، من علاقة البشر بالدين وتفاعله كمنظومة افكار وقيم مع بيئتهم الجغرافية والتاريخية والثقافية ، ولذلك فانك تجد الطائفه في كل الاديان على الاطلاق ، وفي كل مكان من العالم، انها الحلقة الوسيطة بين الدين كرؤيا عامة والمجموعة البشرية المحددة في زمن معين ومكان معين ، انها مقاربة خاصة ضمن اطار عام ، وهو امر لا اعتقد انه كان غائبا عن ذهن هؤلاء الدعاة او بعضهم على الاقل ! فالشر ليس في الدين ولا الطائفة وانما في استغلالهما لتحقيق مآرب معادية للبشر وهذا ما يفعله المتعصب ، فالقومية الالمانية ، حقيقة تاريخية ، لا سبيل الى الغائها او انكارها ، لكن النازية توظيف سياسي ، استخدم التعصب للعنصر كوسيلة لتحقيق تطلعاته الاجرامية ، وقد الحق بالغ الضرر بالشعوب الاخرى وبالشعب الالماني كذلك ، ولكن النازية ذهبت وجرّمت وبقيت المانيا والالمان ، ان تركيزنا على المذهب نفسه كشر ، يعني ان نحمل العداء للعقيدة الدينية لمجموعة من البشر ، وهذا اساس المواقف العنصرية والحروب الدينية كالصليبية وغيرها، اولا ، ويعني هروبنا وتهربنا من مقتضيات المعركة الحقيقية الى معركة اخرى موهومة، ثانيا . وهذا الامر ، بلغة اخرى، يسمى تضليلا وذرا للرماد في العيون !!
ثم اية طائفة او دين لم يشهد تاريخهما الحروب والمعارك والنزاعات الكبرى والادّعاءات ذاتها من اصوليين يعتبرون انفسهم القلب من الدين ، والتلاميذ النجباء للمعلم ، والفرقة الوحيدة الناجية ، وهراطقة ومجدفين وشيعا تبتعد قليلا او كثيرا عن تعاليم ذلك الدين واسس تلك الطائفة !! ثم ان الدعوة الى ان ” نكون اقلية معترف بها قانونا .. تعرف بانها غير ذوي طائفة ” هي الوجه الاخر والتتمة الضرورية للدعوة التي اطلقها بعض الطائفيين من تحديد الانتماء الطائفي للعراقيين وادراجه في وثائقهم الرسمية ! ويبقى اخطر ما تتضمنه هذه الدعوة هي مسألة توفير الملاذ الامن ، فهل ان مشكلات البشر ، عراقيين او غيرهم ، تحل ، باستمرار ، بالعزل والفصل والملاذات الامنه ؟ هل هذا هو الموقف الجاد والمسؤول للمثقفين والاعلاميين والناشطين الساسيين ؟ ام انها ” لغة العصر ” التي يراد لنا جميعا ان نتكلمها ، و “ادوات العصر” التي يراد بنا جميعا ان لانعرف ولا نتعامل بسواها ، كادوات وحيدة ممكنة ؟! لنفرض ان هؤلاء الاخوة حصلوا على اعتراف رسمي وملجأ آمن بالفعل ، فهل ان حصول بضعة عشرات او مئات على ملاذ آمن هو الحل الذي يسهم فيه مثقفون يخدمون مجتمعهم وثقافتهم ، اليس من الافضل والاجدر ان يعمل هؤلاء على نشر فكر التسامح وثقافة قبول الاخر ، اليس الجدير بهم ان يحضّوا ويعبئوا الناس من اجل قوانين وتشريعات اكثر انسانية وهيئات رقابية جادة وفعّالة ، الن يكون الافضل ، مثلا ، السعي والجهد في سبيل تحقيق قراءة اخرى للمشكلة الطائفية وتحديد ماهيتها وحقيقتها الفعلية ، ولماذا تعاود الظهور بين عصر وآخر ، ومن المستفيد حاليا من بعثها والترويج لها واستخدامها وسيلة لتحقيق غايات شريرة تستهدف امن واستقرار ووحدة وثروات شعوبنا ؟!، اين هؤلاء “المثقفين” من مثال طه حسين او علي عبد الرازق او نجيب محفوظ الذي بقي لصيقا بمصر وازّقة القاهرة رغم ما يتهدده من افاع وشرور صار دبيبها مسموعا ومميزا بالنسبة الى حسّه المرهف دون ان يثنيه عن مسؤوليته حتى واجه الموت على يد وحش متعصب ، اين هم من نصر حامد ابو زيد وفرج فودة ومحمود طه بل ومثقف، شاب ، مسؤول ومجالد مثل سيد القمني الذي تعرض ويتعرض لتهديدات واعتداءات يومية ، وهو يواصل نتاجه الهادف ،دون ان يطلب حماية او ” ملجأ آمن ” !! لكننا ، هناك، امام قامات حقيقية ، ومثقفين جادين ذوي غاية ورسالة وهنا امام نزق وزعل وولع باعجاب ، وثناء، السّيد الاجنبي ، والمايسترو العالمي ، الذي يخامرني اعتقاد من ان الرسائل كتبت وتكتب لنيل اطراءه الثمين !