يستند النظام السياسي الحديث على مجموعة من المقدمات في إدارة السلطات ، ففي الوقت الذي تنحى المجتمعات الحديثة إلى نظام المؤسسات تستند هذه المؤسسات إلى نظام عام يستند إلى فكرة الدولة بالمعنى الحداثي للدولة ، و سواء كان الحكم جمهورية أو نيابي أو ملكي أو حتى إمبراطوري كما في اليابان إلا أن نظرية الديمقراطية بمعنى حكم الشعب هي فلسفة و آليات الحكم في النظام السياسي الحديث . بيد أن هذه التنظيرات تعد نخبوية ليس لدى الشعوب النامية أو شعوب العالم الثالث بل في كل المجتمعات ، و لذا أستوجب طرح مفهوم التنشئة السياسية ، و التنشئة مفهوم مستعار من علم النفس و هو أعمق من مفهوم التثقيف أو التعليم ، لذا سنستعير مفهوم ( صناعة الوعي ) أو الوعي في ربط ضرورة إجرائية في علاقة المواطن بالمؤسسات القضائية .
و لنبدأ من مقولة المجتمع المدني ؛ القائم على رابطة المواطنة بين الأفراد ، و هو غاية ما تريد بلوغه الدولة و الديمقراطية الحديثة ، و لكن كيف ؟ كيف يرتفع المجتمع إلى مقام المدنية و درجة المواطنة ؟ و هل تكفي المادة (14) من الدستور ( العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي) ، و هل تكفي تشريع قوانين و بناء مؤسسات مدنية لتحقيق ذلك ؟
لسؤال من هذا النوع لا توجد إجابة نعم أو لا ، فتشريع القوانين و بناء المؤسسات المدنية أمر لا بد منه ، إلا أنه سيبقى عاجز عن أن يقوم بشيء من غير أن يتحقق على الواقع ، و لكن لماذا لا يتحقق و قد أعتمد في بلدان تصنف ألان على أنها الأكثر تقدما و سعادة في الكون ؟ لأنه ببساطة لا مكان و لا قدرة له أن يتحقق في مجتمعات كثيرة لأسباب أن تحدثنا عنها سنذهب كثيرا عن موضوعنا ، و دعونا نضيق كثيرا من أسئلتنا و مصاديقنا و نسأل : كيف ندفع بالناس إلى الاحتكام إلى الدولة التي تقول أنهم متساوون ؟ لتحقيق العدالة فيما بينهم في شئون حياتهم كافة ؟
هنالك أعمال كبيرة ينبغي على الدولة أن تقوم بها لنفسها لتكون بحجم هذه المهمة ، إلا أن هنالك ما هو أهم من ذلك ينبغي أن يدرك الناس مدنيتهم و مواطنتهم ، فالدولة الحديثة هي ليست تشريعات و مؤسسات حديثة ، و إنما و مجتمع حديث ؛ و صناعة المجتمع الحديث يتطلب تنشئة و صناعة وعي ، و صناعة الوعي ليست مفهوم مرادف للإعلام ، نعم قد يرتبط به في بعض الأليات و التقنيات و ببعض لأهداف إلا أنه أعمق بكثير منه … و لذا سنخصص مجموعة حلقات للحديث عن الوعي القضائي كمثال على هذه التنشئة .
يتبع