18 ديسمبر، 2024 8:50 م

الوعي القضائي 

الوعي القضائي 

الحلقة الثالثة  
 تشكل المعرفة جوهر الوعي ؛ و لذا عندما نتحدث عن أهمية الوعي و نحن نناقش علاقة المواطنين بالقضاء فنحن نتكلم عن مستوى متقدم من المعرفة بالمؤسسات القضائية ، و بطريقة مباشرة : ينبغي أن يعرف الناس كل ما ينبغي معرفته عن حقوقهم و واجباتهم القانونية ، هذه المعرفة لا ترتبط بحاجة الناس و حقوقهم بل تتجاوز ذلك إلى السياق الذي تحدثنا عنه في الحلقات السابقة ، و هو ما يرتبط بتعزيز وجود الدولة و إنشاء المدنية ، و لا يخفى أن هنالك حالة من الفوضى ناشئة بسبب استعمال وسائل الإعلام المختلفة في الخلافات و الصراعات السياسية ، و من هذه الفوضى هي الانطباعات الجماعية عن السلطة القضائية 
 دعونا قبل كل شيء نسأل عن فلسفة إثارة موضوع ( الوعي القضائي ) في سياقنا العراقي ، فلا يمكن إخفاء أنه كالكثير من الأفكار التي تنتج كردة فعل و رغم أنه يشكل كما قلنا جزء من عملية التنمية المجتمعية ، إلا أنه بلون آخر عن أي نموذج في بلدان العالم ، فالتثقيف القضائي في البلدان المتقدمة لا يحتاج ما نضطر له عراقيا ، بل أن الحديث عن إعلام للقضاء بالمساحة و العمق المفترض لدينا قد يعد تطرفا في الكثير من بلدان العالم ، فالمحكمة الدستورية في الولايات المتحدة الأمريكية لن تجد نفسها مضطرة لتبرير أن أعضائها يبقون مدى الحياة ، لأنها بكل بساطة محكمة و ليست حكومة و لا مجلس نواب أو شيوخ ، فالمواطن الأمريكي يدرك جيدا ماذا تعني المحكمة و ماذا تعني الحكومة ، فيما يغيب أو بالأحرى عُمِل كثيرا على تغييب هذا المعنى عن المواطن العراقي ، فصار ينظر إلى المحكمة كما ينظر إلى الحكومة ، بل أنه يقبل أن يخرج بتظاهرة معترضا على قرار أصدرته المحكمة الدستورية العليا ، و يقبل كذلك أن يطالب رئيس مجلس الوزراء أو رئيس مجلس النواب أن يقيلا رئيس مجلس القضاء الأعلى أو أن يجريا إصلاحات في القضاء … هذه المفردات و غيرها هي من فرضت طبيعة الوعي القضائي الذي ينبغي أن يعمل عليه ، و معنى بهذا العمق بطبيعة الحال يحتاج إلى أدوات تتجاوز أدوات الوضع الطبيعي في الإخبار ، و لذا وجدنا أن السلطة القضائية العراقية و في أكثر من مرة تضطر إلى توضيح بعض قراراتها أو أجراءتها أو إجابة ما يطرح عنها .
 إلا أن هذا السياق العراقي رغم تأثيره ، لا ينبغي أن يصبغ الخطاب القضائي بالكامل ، فهذا الخطاب لا ينبغي له أن يشكل آخر للجمهور ليدخل معه في جدل ، و رغم ضرورة التعاطي مع ما يثار جماهيريا ؛ لا بد من وضع فلسفة خطاب يتكفل بتحقيق ما يمكن تحقيقه من الوعي القضائي .