23 ديسمبر، 2024 6:25 ص

الوعي العربي بالغرب فهم الذات ومعرفة الاخر

الوعي العربي بالغرب فهم الذات ومعرفة الاخر

ما هو الغرب؟ كيف نفهم هذا الغرب؟ما هي تصوراتنا عنه؟على أيةأسس نقيم علاقتنا به؟ او كيف يجب ان تكون العلاقة بيننا؟ ما هيالقضايا والمشكلات التي تثيرها هذه العلاقة فكرياً واقتصادياًوسياسياً؟ ماذا يعني حوار الحضارات؟كيف نعرف ذاتنا لنتمكن منمعرفة الآخر معرفة عميقة؟

هذه الاسئلة وغيرها كثير التي تسكن وعي العربي منذ بداية عصرالنهضة، واجاباتها كذلك انما هي جهد واجتهاد ومجاهدة في نفسالوقت. انها قضية العلاقة بيننا كعرب ينتمون جميعاً مهما كان التفاوتفي ثرواتهم او تقدمهم الاقتصادي والاجتماعي الى العالم الناميوبين الغرب.

لقد صارت مسألة الموقف من الغرب محكاً اساسياً من محكاتالمناظرات والمداخلات والجدل الساخن الذي يجري كل يوم هنا وهناكفي وطننا العربي. وهذه حال تنطوي بحد ذاتها على اختلالايديولوجي مرتكن الى عقدة نفسية تضرب بجذورها في اعماق مرحلةالانعتاق من نير الهيمنة التركية العثمانية باتجاه التشرذم القطريالذي فرضته الامبراطوريات المنتصرة في الحرب العالمية الاولى. فأذاما حاولنا قلب المنظور وعكسنا الأمر، سنلاحظ التيارات الفكريةالاوروبية ومن ثم الامريكية وغيرها.. لا تتخذ من قضية الموقف منالشرقالشرق العربي والاسلامي على نحو خاصمحكاً ومفترقاًللطرق.

فأمر الشرق بالنسبة اليهم غير حاسم ومن لا يتجاوز الاتفاق الكاسحبين جميع التيارات الفكرية الغربية على انه فريسة او خواء قوة، يتفقالجميع على ضرورات استغلاله والاستفادة منه في سبيل تعزيز ودعممسيرة التفوق الاوروبيةالامريكية، تلك المسيرة التي تتمحور حولاسطورة التفوق الاري تحت ظل كنيسة او كنائس غربية مرنة لا يمكنان تكون قط حجر عثرة في مسيرة التقدم التقني هناك.

ولكن المسألة بالنسبة الى الفكر العربي المعاصر في اغلب اتجاهاتهالفاعلة تختلف كثيراً. فقضية الموقف من الغرب كما تتخيله اصبحتجزءاً من هوية بعض الاتجاهات الفكرية المعاصرة، دعك من انافرازات الحضارات الارية غدت اوثاناً يتعبدها الكثير من الناطقينبلسان الضاد ممن لا تفارق الكوفيات رؤوسهم حتى يخلدون الىالنوم.

كيف نفهم الغرب؟

ان الاجابة عن هذا السؤال تعتمد اساساً على فهم الذات لذاتها،هويتها، تاريخها، واقعها، مستقبلها.. وهذا الفهم يحدده محتوى وعينابما فيه من حدس ومعرفة، اذ ان فهم الآخر الغربي هو نتيجة خبرةتاريخية محددة نعانيها في وجودنا الاجتماعي المباشر، تقضي الىالتسليم بوجود صراع ثقافي بين كيانين شرقي/ عربي و غربي/ اوروبيامريكي.

وبقدر تعلق الأمر بمحاولة الثقافة العربية، تحصين مجتمعاتها ازاءالهجمة الهائلة التي تشكلها وتقودها الثقافات المتطورة تقنياً علىسبيل التشكيك بالأرث الحضاري العربي، ومن ثم الغائه لغرض البديلالاستهلاكي الذي يخدم المخططات الاقتصادية الامبراطورية قدتمرر ضدنا عدداً من الاتهامات الخطيرة التي ترنو الى نسف الاسسوالمبادئ التي تعتمد عليها عناصر الثقة بالنفس والزهو اللذين يلونانالاعتزاز القومي والروحي المحلي بالذات.

هذا الطرح او الوعي الذي يحدد فهمنا لذاتنا وللآخرين من خلال ماتعرف بالنماذج المعرفية وهي ثلاثة:

1- النموذج التقليدي او البطركي.

2- النموذج البطركي الحديث.

3- النموذج النقدي.

في النموذج الاوليرتكز الوعي على مفاهيم ثابتة ومطلقة ويقينية لاتؤدي الى الحوار والجدل واكتساب معرفة جديدة وانما الى رفضالجدل ورفض الآخر وترسيخ القيم التراثية.

في هذا النموذج تستمد الذات كل مقوماتها من الدين والتراث، وترىفي الآخر نقيضاً لها. هكذا يصبح الغرب شراً مطلقاً، فكل محاولةلمحاورته او الاستفادة من علمانيته ونظمه تعد في وعي هذا النموذجالبطركي كفراً ومروقاً عن الاسلام او عمالة للاستعمار. هذا ما حدثلعلي عبد الرازق عندما نادى في كتابه (الاسلام واصول الحكم) بفصل الدين عن الدولة.

اما النموذج الثانيفهو يتميز بمحاولة التوفيق بين التراث والحداثةوبين العلم والايمان وبين الماضي والحاضر. الا ان هذه المحاولة تستندفي نظر بعض مفكرينا العرب، الى رؤية ميتافيزيقية شبيهة برؤيةالنموذج الاول، اذ ان الوعي البطركي الحديث يرى في الحقيقة العلميةاثباتاً للحقيقة الدينية ودعماً لها، وبالاضافة الى ذلك بقي هذا الوعيسجين نظرة لا ترى الآخر الغربي والامريكي الا من زاوية المقارنةبالذات، ولا يعرف اوروبا في العصر الحديث باختلافاتها عنه وعنالتراث الذي ينبثق منه، اي ان الآخر الغربي لا يعرف ولا يفهم الا منحيث هو انعكاس او اختلاف لما هو عربي لما هو سلبي او ايجابيبالنسبة للذات العارفة والمعرفة.

ان الوعي البطركي الحديث، يفتقر الى المفاهيم التي تمكنه من معرفةالغرب ومعرفة الذات في آن واحد، لذلك يظل الخطاب الذي يصدر عنهخطاباً وهمياً.

وفي النموذج الثالثالنموذج النقدي الذي ظهر في السبعينياتوالثمانينيات في المغرب العربي وفي اوساط المثقفين العرب فيالخارج، ينزع الوعي نحو العلمانية والاستقلال والانفتاح على الآخر/ الغرب، في المجال الفكري، ويحاول ان يحاور بعمق المعرفة الغربية،ويستوعب مفاهيمها وآلياتها، وبعد تحليل الاتجاهات التي تحكم هذاالوعي النقدي اتجاه منبثق عن العلوم الاجتماعية الانكلواامريكيةتجاه قائم على الفكر الماركسي، كما تطور في الغرب اتجاه مستمدمن النظرية البنيوية والتفكيكية الفرنسية.

ان محدودية هذا الوعي/ النموذج، لم يتمكن الى حد الآن بالرغم مناستقلاليته من ان يتجاوز اتكاليته الفكرية، ومن ان يؤسس خطابهالنقدي، والدليل على ذلك، هو انه يتعامل مع المفاهيم الفكرية الغربيةكمفاهيم مطلقة متعالية وليس كمفاهيم نسبية اكتسبت دلالتها ضمنسياقات تاريخية محددة.

لكنني اؤمن، ان هذا النموذج هو القادر على تأسيس حوار حقيقيومتكافيء مع الغرب، ومهمته لم تعد تتمثل في نقد الوعي البطركيالتقليدي والوعي البطركي الحديث، وانما في تغيير عملية التفكيرذاتها.

وبناءاً على هذه النماذج التي تمحورت حول الطريقة التي تمكننا منفهم الغرب لفهم ذاتنا، فأنها تقودنا بالتأكيد الى تناول مدلولاتالصراع والتعدد ضمن الهوية الثقافية التي تعتبر أسس المواجهة فيعلاقتنا نحن العرب بالغرب، وهذا يتطلب منا بداية تحديد المفاهيمالمتعلقة بالهوية الثقافية في سياقها الاجتماعي والتاريخي: مكوناتالهوية الثقافية، استمراريتها، صيرورتها، تنوعها، تعددها.. وبالتاليتصنيف الثقافة العربية الى ثلاثة انواع محددة:

الثقافة السائدةوهي تتصف بالسلفية والتقليدية، وتستعمل الدينكأداة سيطرة وهيمنة او كأداة تحريض او كأداة مصالحة مع واقعمرير، وتتصف هذه الثقافة في بعض الاقطار العربية بالتوفيق بينالسلفية والليبرالية الغربية.

الثقافة الفرعيةتتميز بتنوعها وتعدديتها حسب الطبقات الاجتماعيةوالطوائف والجماعات الاثنية والدينية والقبلية.

الثقافة المضادةوهي الثقافة التي ترفض تقليد النموذج السلفيوالنموذج الغربي، وهي تتجلى خصوصاً في اتجاهات التحديث فياوساط المبدعين والتيارات التقدمية على صعيد ايديولوجي.

ان توصيف العلاقة التي يجب ان تكون بين الثقافة العربية والثقافةالغربية، يقودنا الى تناول مفهوم الاصالة وماهية دلالاته لتنتهي الى انهذا المفهوم لا يزال بالرغم من رواجه غامضاً وغموضه يتجلىخصوصاً في مجال التطبيق العملي.

ان المجتمع العربي متصل بالعالم ويشترك مع المجتمعات الاخرىبجملة من الاوضاع والسمات والتوجيهات، وقد تكون بعض المبادئالجديدة اكثر اصالة من مبادئ تقليدية لم تعد تخدم الوظائف التيكانت تخدمها في الامس فتحولت الى ممارسات طقوسية.

لذلك، وبناءاً على ما تقدم.. فأننا لا نبارح الحقيقة بالاتفاق مع المفكرالعربي الدكتور احمد صدقي الدجاني، عندما نذهب الى الفصل بيناتجاهين رئيسيين في خارطة الفكر العربي المعاصر، استناداً كمااسلفنا الى قضية الموقف من الغرب، وهما: الاتجاه الانغماسيوالاتجاه الانكماشي. ولكنبرأيناالاستاذ الدجاني يخفق فيالتمييز بين هذين الاتجاهين واتجاه ثالث تتمثله بعض الحركاتالسياسية القومية، وهو الاتجاه الانتقائي المتحرر من عقدة الغربالوسواسية.

* التيار الانغماسي

هناك من الافراد واحياناً الجماعات الفاعلة ممن يعتقدون بتفوق مذهلللحضارة الغربية المادية، بسبب ما قدمته من مبتكرات مادية ساهمتفي جعل الحياة اسهل واكثر رفاهاً متناسين الاثمان الباهضة التييتوجب على الامة دفعها من كرامتها ومستقبلها في سبيل اقتناء هذهالمنتجات الغربية.

لقد ارتمى هؤلاء ممن اكتفوا بعروبة اللسان واللباس في احضان (الهالغرب) وثن الدولار الكامن في معابد نيويورك وواشنطن، ذلك الوثنالذي مكنهم من اقتناء افخر الماديات الحياتية.

لقد تخلى هؤلاء وبسرعة مذهلة عن مدرسة التاريخ العربي الاسلامي،ليحضروا في صفوف مدرسة الغرب الرأسمالي المادي التي أسسهارجال من نمط مالثوس وآدم سمت.. فكان ان غمر هؤلاء انفسهم فيمستنقع الذيلية السلبية المستكينة، كما انهم حاولوا تحويل هذه الذيليةالسلبية الى برنامج عمل الساحة العربية، يتلخص بالاستيراد المتعافيمن الغرب بالجملة افكار وماديات

لقد كان لارتماء هؤلاء بالمستنقع الغربي نتائج وخيمة على الساحةالفكرية والسياسية العربية، فكانت عبوديتهم للفردوس الغربي وراءاذعانهم لكل ما تمليه عليهم الادارات الغربية من خرائط تخطيط المدنالى ارسال مرتزقتهم وجيوشهم في مهمات لا قومية ضد القوى القوميةوالوطنية الشريفة.

لقد ادى اذعان هذاالتيار لمعطيات المصالح الغربية الى استلابالارادة وكره وبغض كل اتجاه قومي محلي يرنو الى استثمار واحياءالتراث العربي الاسلامي الذي يرنو الى بناء شخصية قومية عربيةمتميزة في عصر تعصف به الارادات المتناقضة والمتصارعة.

*التيار الانكماشي

كانت من اخطر واسوأ نتائج التمادي بعبادة الغرب والانغماس بملذاتافرازاته ان برز على سطح الثقافة والسياسة العربية المعاصرة،تيار آخر، هو التيار الانكماشي، الذي كانت استجابته للحضارةوللفكر الغربي، استجابة معقدة ترتكن الى كره كل ما هو غربي غيرمحلي وعلى نحو متعامي. وبرغم ايجابيات هذا التيار في مقاومةالغزو التجاري والثقافي الغربي، فأنه ما لبث ان سقط ضحية التمجيدالمتعامي للمحلية وللمتوارث وللأصولي بغض النظر عن السلبياتوبدون انتقاء واستدلال للايجابي من هذا الارث المحلي الغائر فيالقدم.

ولا تخفى سلبيات هذا التيار شديد الحساسية على المتتبع الفطنللاحداث ومساراتها.. فعملية اغلاق الابواب تجاه كل ما هو غربي مهماكانت طبيعته وصفته لا تخدم غرضاً مستقبلياً متفائلاً. فنحن، برغمحساسيتنا تجاه الغرب وتجاه تطلعات امبراطورياته التي ترنو الىاستلابنا ونهب ثرواتنا، لا يمكن ان نحيا في جزيرة منفصلة عن العالمالذي غدا بفعل وسائل الاتصال، قرية كونية، وكان الادهى فيسلوكيات التيار الانكماشي هو ارتمائه في احضان الماضي وتقديسهلكل شيء فيه دون استلال. ونتج عن ذلك عبودية عمياء لهذا الماضيبكل ما جرف معه من سلبيات مثل التشرذم الطائفي والاسري، اضافةالى حبس هذا التيار نفسه في صومعة لاتطال على عالم اليوم، ولاتستشرف المستقبل في عالم تعصف به المنافسات والسباقات بينالامم

التي تريد ان تجد لنفسها موطئ قدم في بناء عالم جديد وهوية ثقافيةفي الحياة الحديثة.. هكذا ظهرت دعوات ساذجة برغم تقديسهاللمحلية، تستدعي التندر والاسف احياناً، وهي دعوات الى احياء كلشيء قديم حتى وان كان من افرازات نكوص الامة أبان العصورالمظلمة، عصور التردي والتراجع. وقد ذهب هؤلاء في تقديس المتوارثحد تمجيد السالب منه واحياء العادات السيئة والتقاليد البالية التي لاتخدمنا في عصر يتفجر بالجديد الشجاع.

* التيار العقلاني

يرتكن هذا التيار الى المبدأ الذي لا يرنو الى اغلاق الابواب ازاء التقدمالحضاري التقني في ذات الوقت الذي يحاول فيه اعتصار الارثالثقافي القوي والروحي على سبيل استحصال الايجابي المفيد منهلأضاءة المستقبل من خبرة التاريخ. وهو بذلك اكثر عقلانية من كلاالتيارين الآنف ذكرهما، وهو من الناحية الثانية التيار الذي تتوجسمنه الامبراطوريات الغربية لسببين: اولهماعدم سكينته ورضوخهالذيلي لمعطيات الامبراطوريات الغربية. وثانيهمارفضه لزنزانة التقليدالمتعامي غير المجدي وغير الموَّلد لافاق مستقبلية.

التجربة وليس التعامي هي الانموذج الفكري الذي يحدد مسارات هذاالتيار الفكري القومي الذي يرنو لأن لا تتخلى الامة عن ارثهاالتاريخي المفيد في ذات الوقت الذي يحاول فيه ايجاد موطئ قدم لهافي عالم اليوم كأمة تستحق الوجود والحياة.

وعلاقة هذا التيار بالماضي علاقة لا سكونية لانها تحاول تحويلالماضي الى درس، درس فلسفي ودرس تربوي ودرس مستقبلي. كماان علاقة التيار العقلاني بالمستقبل هي علاقة ذكية متوهجة تحاول كنهسر التقدم المادي والتقني الغربي على سبيل الافادة منه وتجنبسلبياته ومنزلقاته المميتة.

ان محاولة استيراد ادوات الانتاج من الغرب هي فكرة ذكية، لانها لاترنوا الى مجتمع استهلاكي يكتفي بالتمتع قصير النظر بالثرواتالقومية. كما ان محاولة استيراد ادوات وسائل الانتاج ذاتها، هيعملية صعبة محفوفة بالمخاطر، لأن الامبراطوريات الغربية ترقبها بدقةولا تسمح بها، فهي سر التقدم والتحول من عالم التخلف الى مصافعالم التقدم.

وهنا، يحاول هذا التيار الفكري الفطن ان يضع أسساً من الواقعيةواحترام انجاز الآخر على نحو قادر على رصد الايجابي وعزل السالبمن التجربة الحضارية والثقافية الغربية.

وهذا هو التيار الفكري القومي الذي تخشاه الامبراطوريات الغربية،لانها ترى من خلال اجهزتها الحواسية ومراقب الرصد فيها، بأنه هوالتيار الذي اذا ما ساد في الامة يمكن ان يحقق للامة نقلة نوعيةوثورية تحيل الامة من الواقع الذيلية والهزيمة الى حافة المبادرةواستشراق المستقبل الحق.

ولا تتردد الامبراطوريات الغربية قط بضرب هذا التيار الفكري، فكراًوجهازاً ادارياً، اذا ما حقق هذا التيار تسنماً للقيادة في احد الاقطارالعربية.

ان التيار الفكري العقلاني في علاقته بالغرب هو تيار قومي ينطلق منصفحات الماضي المشرق للامة ليتسلح بسجايا الثقة بالنفس والايمانبقدرات الامة، على سبيل الافادة والاستفادة من معطيات الثورةالصناعية والمعلوماتية والتقنية التي حدث ان تفجرت في غرب اوروباوانتقلت بعدها الى بقاع اخرى من العالم. كما ان مفكري هذا التيار لايعانون من عقد نفسية نحو الغرب لانهم لا يعبدون آلهته العمياء فيذات الوقت الذي لا يغلقون فيه انفسهم منه في قوقعة كلسية يصعبكسرها.

* تثوير الماضي

واحدة من اخطر التهم التي يمكن ان يوجهها مخططوا الثقافاتالغربية المتفوقة تقنياً، هي تهمة ارتكان الثقافة العربية الى الماضي. الماضي الطللي الذي تنقصه الحيوية والتوليدية. واذ تجري من حينلآخر الدعوات المغرضة الى اعادة دراسة التاريخ العربي على النحوالذي يُبرز عناصر التجزئة والتشرذم والدموية فيه. فأن التخطيطالثقافي المعاكس المقابل غالباً ما يحاول نسف افكار الارتجاعالتربوي والتعليمي الى التراث، بوصفه ارتجاعاً رجعياً لا مجدياً وغيرقابل لمواكبة معطيات العصر التقني الجديد. والعملية بهذه الطريقةالسهلة تغدو واضحة المعالم.

لقد غدت فكرة التمسك بالارث القومي والروحي للامة وسيلة يستخدمهامصممو الثقافات المقابلة لغرض الاقلال من شأن ثقافتنا وحتى التندربعملية التمسك بها. فماذا اعددنا لمواجهة ذلك؟ وماذا هيأنا لنكسبعقول الى تلك الكتب التي تجمع غبار السنين على رفوف مكتباتنا ازاءثقافات وفنون الغرب؟

هذه الاسئلة غاية في البساطة، ولكن الاجابة الذكية عليها لحلاشكالياتها تتطلب جهداً هائلاً وفرقياً.. قد يستغرق منا عقوداً منالزمن.

* اخيراً

من كل ما تقدم يمكن ان نلاحظ بأن تمسك مصممو الثقافاتالمضادة لثقافتنا بافكار الحوار والتلاقح الثقافي انما يحاولون فيحقيقة الأمر تمرير خدعة يقصد منها استغفال المجتمع العربيومثقفيه. وهنا، تظهر لنا معطيات كلمات المستشرق برنارد لويس الذيقال: اننا نحن الذين وهبنا الشرقيين شعوراً بالاعتزاز القومي، وانناالذين وهبناهم احساساً، ولاول مرة في التاريخ بالهوية القومية.

المقصود من هذه الادعاءات، هو ان التفوق الثقافي الغربي الماديالمعاصر المرتكن الى آلة عسكرية/ اقتصادية متجبرة يكفي ذريعة ليسفقط لتمرير النموذج الثقافي الغربي مثلاً على ثقافتنا بل كذلك لغرضتقديم ثقافتنا القومية والروحية على النحو الذي يخطئ بالقبولالغربي.

وهذا هو ذات الهدف الذي يرنو الى احالة الارث الثقافي القوميوالروحي الى المتحف التاريخي، باعتباره صفحة مطوية لا تقدم ولاتؤخر، صفحة تستحق عناء المراجعة من قبل المؤرخين والاثاريينوالهواة فقط.

[email protected]