23 نوفمبر، 2024 12:51 ص
Search
Close this search box.

الوعي العربي بالغرب فهم الذات ومعرفة الاخر

الوعي العربي بالغرب فهم الذات ومعرفة الاخر

ما هو الغرب؟ كيف نفهم هذا الغرب؟ما هي تصوراتنا عنه؟على أية أسس نقيم علاقتنا به؟ او كيف يجب ان تكون العلاقة بيننا؟ ما هي القضايا والمشكلات التي تثيرها هذه العلاقة فكرياً واقتصادياً وسياسياً؟ ماذا يعني حوار الحضارات؟كيف نعرف ذاتنا لنتمكن من معرفة الآخر معرفة عميقة؟

هذه الاسئلة وغيرها كثير التي تسكن وعي العربي منذ بداية عصر النهضة، واجاباتها كذلك… انما هي جهد واجتهاد ومجاهدة في نفس الوقت. انها قضية العلاقة بيننا كعرب ينتمون جميعاً مهما كان التفاوت في ثرواتهم او تقدمهم الاقتصادي والاجتماعي الى العالم النامي وبين الغرب.

لقد صارت مسألة الموقف من الغرب محكاً اساسياً من محكات المناظرات والمداخلات والجدل الساخن الذي يجري كل يوم هنا وهناك في وطننا العربي. وهذه حال تنطوي بحد ذاتها على اختلال ايديولوجي مرتكن الى عقدة نفسية تضرب بجذورها في اعماق مرحلة الانعتاق من نير الهيمنة التركية العثمانية باتجاه التشرذم القطري الذي فرضته الامبراطوريات المنتصرة في الحرب العالمية الاولى. فأذا ما حاولنا قلب المنظور وعكسنا الأمر، سنلاحظ التيارات الفكرية الاوروبية ومن ثم الامريكية وغيرها.. لا تتخذ من قضية الموقف من الشرق- الشرق العربي والاسلامي على نحو خاص- محكاً ومفترقاً للطرق.

فأمر الشرق بالنسبة اليهم غير حاسم ومن لا يتجاوز الاتفاق الكاسح بين جميع التيارات الفكرية الغربية على انه فريسة او خواء قوة، يتفق الجميع على ضرورات استغلاله والاستفادة منه في سبيل تعزيز ودعم مسيرة التفوق الاوروبية – الامريكية، تلك المسيرة التي تتمحور حول اسطورة التفوق الاري تحت ظل كنيسة او كنائس غربية مرنة لا يمكن ان تكون قط حجر عثرة في مسيرة التقدم التقني هناك.

ولكن المسألة بالنسبة الى الفكر العربي المعاصر في اغلب اتجاهاته الفاعلة تختلف كثيراً. فقضية الموقف من الغرب كما تتخيله اصبحت جزءاً من هوية بعض الاتجاهات الفكرية المعاصرة، دعك من ان افرازات الحضارات الارية غدت اوثاناً يتعبدها الكثير من الناطقين بلسان الضاد ممن لا تفارق الكوفيات رؤوسهم حتى يخلدون الى النوم.

كيف نفهم الغرب؟

ان الاجابة عن هذا السؤال تعتمد اساساً على فهم الذات لذاتها، هويتها، تاريخها، واقعها، مستقبلها.. وهذا الفهم يحدده محتوى وعينا بما فيه من حدس ومعرفة، اذ ان فهم الآخر الغربي هو نتيجة خبرة تاريخية محددة نعانيها في وجودنا الاجتماعي المباشر، تقضي الى التسليم بوجود صراع ثقافي بين كيانين شرقي/ عربي و غربي/ اوروبي- امريكي.

وبقدر تعلق الأمر بمحاولة الثقافة العربية، تحصين مجتمعاتها ازاء الهجمة الهائلة التي تشكلها وتقودها الثقافات المتطورة تقنياً على سبيل التشكيك بالأرث الحضاري العربي، ومن ثم الغائه لغرض البديل الاستهلاكي الذي يخدم المخططات الاقتصادية الامبراطورية… قد تمرر ضدنا عدداً من الاتهامات الخطيرة التي ترنو الى نسف الاسس والمبادئ التي تعتمد عليها عناصر الثقة بالنفس والزهو اللذين يلونان الاعتزاز القومي والروحي المحلي بالذات.

هذا الطرح او الوعي الذي يحدد فهمنا لذاتنا وللآخرين من خلال ما تعرف بالنماذج المعرفية وهي ثلاثة:

1- النموذج التقليدي او البطركي.

2- النموذج البطركي الحديث.

3- النموذج النقدي.

في النموذج الاول- يرتكز الوعي على مفاهيم ثابتة ومطلقة ويقينية لا تؤدي الى الحوار والجدل واكتساب معرفة جديدة وانما الى رفض الجدل ورفض الآخر وترسيخ القيم التراثية.

في هذا النموذج تستمد الذات كل مقوماتها من الدين والتراث، وترى في الآخر نقيضاً لها. هكذا يصبح الغرب شراً مطلقاً، فكل محاولة لمحاورته او الاستفادة من علمانيته ونظمه تعد في وعي هذا النموذج البطركي كفراً ومروقاً عن الاسلام او عمالة للاستعمار. هذا ما حدث لعلي عبد الرازق عندما نادى في كتابه (الاسلام واصول الحكم) بفصل الدين عن الدولة.

اما النموذج الثاني- فهو يتميز بمحاولة التوفيق بين التراث والحداثة وبين العلم والايمان وبين الماضي والحاضر. الا ان هذه المحاولة تستند في نظر بعض مفكرينا العرب، الى رؤية ميتافيزيقية شبيهة برؤية النموذج الاول، اذ ان الوعي البطركي الحديث يرى في الحقيقة العلمية اثباتاً للحقيقة الدينية ودعماً لها، وبالاضافة الى ذلك بقي هذا الوعي سجين نظرة لا ترى الآخر الغربي والامريكي الا من زاوية المقارنة بالذات، ولا يعرف اوروبا في العصر الحديث باختلافاتها عنه وعن التراث الذي ينبثق منه، اي ان الآخر الغربي لا يعرف ولا يفهم الا من حيث هو انعكاس او اختلاف لما هو عربي لما هو سلبي او ايجابي بالنسبة للذات العارفة والمعرفة.

ان الوعي البطركي الحديث، يفتقر الى المفاهيم التي تمكنه من معرفة الغرب ومعرفة الذات في آن واحد، لذلك يظل الخطاب الذي يصدر عنه خطاباً وهمياً.

وفي النموذج الثالث- النموذج النقدي الذي ظهر في السبعينيات والثمانينيات في المغرب العربي وفي اوساط المثقفين العرب في الخارج، ينزع الوعي نحو العلمانية والاستقلال والانفتاح على الآخر/ الغرب، في المجال الفكري، ويحاول ان يحاور بعمق المعرفة الغربية، ويستوعب مفاهيمها وآلياتها، وبعد تحليل الاتجاهات التي تحكم هذا الوعي النقدي اتجاه منبثق عن العلوم الاجتماعية الانكلوا- امريكية تجاه قائم على الفكر الماركسي، كما تطور في الغرب اتجاه مستمد من النظرية البنيوية والتفكيكية الفرنسية.

ان محدودية هذا الوعي/ النموذج، لم يتمكن الى حد الآن بالرغم من استقلاليته من ان يتجاوز اتكاليته الفكرية، ومن ان يؤسس خطابه النقدي، والدليل على ذلك، هو انه يتعامل مع المفاهيم الفكرية الغربية كمفاهيم مطلقة متعالية وليس كمفاهيم نسبية اكتسبت دلالتها ضمن سياقات تاريخية محددة.

لكنني اؤمن، ان هذا النموذج هو القادر على تأسيس حوار حقيقي ومتكافيء مع الغرب، ومهمته لم تعد تتمثل في نقد الوعي البطركي التقليدي والوعي البطركي الحديث، وانما في تغيير عملية التفكير ذاتها.

وبناءاً على هذه النماذج التي تمحورت حول الطريقة التي تمكننا من فهم الغرب لفهم ذاتنا، فأنها تقودنا بالتأكيد الى تناول مدلولات الصراع والتعدد ضمن الهوية الثقافية التي تعتبر أسس المواجهة في علاقتنا نحن العرب بالغرب، وهذا يتطلب منا بداية تحديد المفاهيم المتعلقة بالهوية الثقافية في سياقها الاجتماعي والتاريخي: مكونات الهوية الثقافية، استمراريتها، صيرورتها، تنوعها، تعددها.. وبالتالي تصنيف الثقافة العربية الى ثلاثة انواع محددة:

الثقافة السائدة- وهي تتصف بالسلفية والتقليدية، وتستعمل الدين كأداة سيطرة وهيمنة او كأداة تحريض او كأداة مصالحة مع واقع مرير، وتتصف هذه الثقافة في بعض الاقطار العربية بالتوفيق بين السلفية والليبرالية الغربية.

الثقافة الفرعية- تتميز بتنوعها وتعدديتها حسب الطبقات الاجتماعية والطوائف والجماعات الاثنية والدينية والقبلية.

الثقافة المضادة- وهي الثقافة التي ترفض تقليد النموذج السلفي والنموذج الغربي، وهي تتجلى خصوصاً في اتجاهات التحديث في اوساط المبدعين والتيارات التقدمية على صعيد ايديولوجي.

ان توصيف العلاقة التي يجب ان تكون بين الثقافة العربية والثقافة الغربية، يقودنا الى تناول مفهوم الاصالة وماهية دلالاته لتنتهي الى ان هذا المفهوم لا يزال بالرغم من رواجه غامضاً وغموضه يتجلى خصوصاً في مجال التطبيق العملي.

ان المجتمع العربي متصل بالعالم ويشترك مع المجتمعات الاخرى بجملة من الاوضاع والسمات والتوجيهات، وقد تكون بعض المبادئ الجديدة اكثر اصالة من مبادئ تقليدية لم تعد تخدم الوظائف التي كانت تخدمها في الامس فتحولت الى ممارسات طقوسية.

لذلك، وبناءاً على ما تقدم.. فأننا لا نبارح الحقيقة بالاتفاق مع المفكر العربي الدكتور احمد صدقي الدجاني، عندما نذهب الى الفصل بين اتجاهين رئيسيين في خارطة الفكر العربي المعاصر، استناداً كما اسلفنا الى قضية الموقف من الغرب، وهما: الاتجاه الانغماسي والاتجاه الانكماشي. ولكن – برأينا- الاستاذ الدجاني يخفق في التمييز بين هذين الاتجاهين واتجاه ثالث تتمثله بعض الحركات السياسية القومية، وهو الاتجاه الانتقائي المتحرر من عقدة الغرب الوسواسية.

* التيار الانغماسي

هناك من الافراد واحياناً الجماعات الفاعلة ممن يعتقدون بتفوق مذهل للحضارة الغربية المادية، بسبب ما قدمته من مبتكرات مادية ساهمت في جعل الحياة اسهل واكثر رفاهاً متناسين الاثمان الباهضة التي يتوجب على الامة دفعها من كرامتها ومستقبلها في سبيل اقتناء هذه المنتجات الغربية.

لقد ارتمى هؤلاء ممن اكتفوا بعروبة اللسان واللباس في احضان (اله الغرب) وثن الدولار الكامن في معابد نيويورك وواشنطن، ذلك الوثن الذي مكنهم من اقتناء افخر الماديات الحياتية.

لقد تخلى هؤلاء وبسرعة مذهلة عن مدرسة التاريخ العربي الاسلامي، ليحضروا في صفوف مدرسة الغرب الرأسمالي المادي التي أسسها رجال من نمط مالثوس وآدم سمت.. فكان ان غمر هؤلاء انفسهم في مستنقع الذيلية السلبية المستكينة، كما انهم حاولوا تحويل هذه الذيلية السلبية الى برنامج عمل الساحة العربية، يتلخص بالاستيراد المتعافي من الغرب بالجملة… افكار وماديات…

لقد كان لارتماء هؤلاء بالمستنقع الغربي نتائج وخيمة على الساحة الفكرية والسياسية العربية، فكانت عبوديتهم للفردوس الغربي وراء اذعانهم لكل ما تمليه عليهم الادارات الغربية من خرائط تخطيط المدن الى ارسال مرتزقتهم وجيوشهم في مهمات لا قومية ضد القوى القومية والوطنية الشريفة.

لقد ادى اذعان هذاالتيار لمعطيات المصالح الغربية الى استلاب الارادة وكره وبغض كل اتجاه قومي محلي يرنو الى استثمار واحياء التراث العربي الاسلامي الذي يرنو الى بناء شخصية قومية عربية متميزة في عصر تعصف به الارادات المتناقضة والمتصارعة.

*التيار الانكماشي

كانت من اخطر واسوأ نتائج التمادي بعبادة الغرب والانغماس بملذات افرازاته… ان برز على سطح الثقافة والسياسة العربية المعاصرة، تيار آخر، هو التيار الانكماشي، الذي كانت استجابته للحضارة وللفكر الغربي، استجابة معقدة ترتكن الى كره كل ما هو غربي غير محلي وعلى نحو متعامي. وبرغم ايجابيات هذا التيار في مقاومة الغزو التجاري والثقافي الغربي، فأنه ما لبث ان سقط ضحية التمجيد المتعامي للمحلية وللمتوارث وللأصولي بغض النظر عن السلبيات وبدون انتقاء واستدلال للايجابي من هذا الارث المحلي الغائر في القدم.

ولا تخفى سلبيات هذا التيار شديد الحساسية على المتتبع الفطن للاحداث ومساراتها.. فعملية اغلاق الابواب تجاه كل ما هو غربي مهما كانت طبيعته وصفته لا تخدم غرضاً مستقبلياً متفائلاً. فنحن، برغم حساسيتنا تجاه الغرب وتجاه تطلعات امبراطورياته التي ترنو الى استلابنا ونهب ثرواتنا، لا يمكن ان نحيا في جزيرة منفصلة عن العالم الذي غدا بفعل وسائل الاتصال، قرية كونية، وكان الادهى في سلوكيات التيار الانكماشي هو ارتمائه في احضان الماضي وتقديسه لكل شيء فيه دون استلال. ونتج عن ذلك عبودية عمياء لهذا الماضي بكل ما جرف معه من سلبيات مثل التشرذم الطائفي والاسري، اضافة الى حبس هذا التيار نفسه في صومعة لاتطال على عالم اليوم، ولا تستشرف المستقبل في عالم تعصف به المنافسات والسباقات بين الامم

التي تريد ان تجد لنفسها موطئ قدم في بناء عالم جديد وهوية ثقافية في الحياة الحديثة.. هكذا ظهرت دعوات ساذجة برغم تقديسها للمحلية، تستدعي التندر والاسف احياناً، وهي دعوات الى احياء كل شيء قديم حتى وان كان من افرازات نكوص الامة أبان العصور المظلمة، عصور التردي والتراجع. وقد ذهب هؤلاء في تقديس المتوارث حد تمجيد السالب منه واحياء العادات السيئة والتقاليد البالية التي لا تخدمنا في عصر يتفجر بالجديد الشجاع.

* التيار العقلاني

يرتكن هذا التيار الى المبدأ الذي لا يرنو الى اغلاق الابواب ازاء التقدم الحضاري التقني في ذات الوقت الذي يحاول فيه اعتصار الارث الثقافي القوي والروحي على سبيل استحصال الايجابي المفيد منه لأضاءة المستقبل من خبرة التاريخ. وهو بذلك اكثر عقلانية من كلا التيارين الآنف ذكرهما، وهو من الناحية الثانية التيار الذي تتوجس منه الامبراطوريات الغربية لسببين: اولهما- عدم سكينته ورضوخه الذيلي لمعطيات الامبراطوريات الغربية. وثانيهما- رفضه لزنزانة التقليد المتعامي غير المجدي وغير الموَّلد لافاق مستقبلية.

التجربة وليس التعامي هي الانموذج الفكري الذي يحدد مسارات هذا التيار الفكري القومي الذي يرنو لأن لا تتخلى الامة عن ارثها التاريخي المفيد في ذات الوقت الذي يحاول فيه ايجاد موطئ قدم لها في عالم اليوم كأمة تستحق الوجود والحياة.

وعلاقة هذا التيار بالماضي علاقة لا سكونية لانها تحاول تحويل الماضي الى درس، درس فلسفي ودرس تربوي ودرس مستقبلي. كما ان علاقة التيار العقلاني بالمستقبل هي علاقة ذكية متوهجة تحاول كنه سر التقدم المادي والتقني الغربي على سبيل الافادة منه وتجنب سلبياته ومنزلقاته المميتة.

ان محاولة استيراد ادوات الانتاج من الغرب هي فكرة ذكية، لانها لا ترنوا الى مجتمع استهلاكي يكتفي بالتمتع قصير النظر بالثروات القومية. كما ان محاولة استيراد ادوات وسائل الانتاج ذاتها، هي عملية صعبة محفوفة بالمخاطر، لأن الامبراطوريات الغربية ترقبها بدقة ولا تسمح بها، فهي سر التقدم والتحول من عالم التخلف الى مصاف عالم التقدم.

وهنا، يحاول هذا التيار الفكري الفطن ان يضع أسساً من الواقعية واحترام انجاز الآخر على نحو قادر على رصد الايجابي وعزل السالب من التجربة الحضارية والثقافية الغربية.

وهذا هو التيار الفكري القومي الذي تخشاه الامبراطوريات الغربية، لانها ترى من خلال اجهزتها الحواسية ومراقب الرصد فيها، بأنه هو التيار الذي اذا ما ساد في الامة يمكن ان يحقق للامة نقلة نوعية وثورية تحيل الامة من الواقع الذيلية والهزيمة الى حافة المبادرة واستشراق المستقبل الحق.

ولا تتردد الامبراطوريات الغربية قط بضرب هذا التيار الفكري، فكراً وجهازاً ادارياً، اذا ما حقق هذا التيار تسنماً للقيادة في احد الاقطار العربية.

ان التيار الفكري العقلاني في علاقته بالغرب هو تيار قومي ينطلق من صفحات الماضي المشرق للامة ليتسلح بسجايا الثقة بالنفس والايمان بقدرات الامة، على سبيل الافادة والاستفادة من معطيات الثورة الصناعية والمعلوماتية والتقنية التي حدث ان تفجرت في غرب اوروبا وانتقلت بعدها الى بقاع اخرى من العالم. كما ان مفكري هذا التيار لا يعانون من عقد نفسية نحو الغرب لانهم لا يعبدون آلهته العمياء في ذات الوقت الذي لا يغلقون فيه انفسهم منه في قوقعة كلسية يصعب كسرها.

* تثوير الماضي

واحدة من اخطر التهم التي يمكن ان يوجهها مخططوا الثقافات الغربية المتفوقة تقنياً، هي تهمة ارتكان الثقافة العربية الى الماضي. الماضي الطللي الذي تنقصه الحيوية والتوليدية. واذ تجري من حين لآخر الدعوات المغرضة الى اعادة دراسة التاريخ العربي على النحو الذي يُبرز عناصر التجزئة والتشرذم والدموية فيه. فأن التخطيط الثقافي المعاكس المقابل غالباً ما يحاول نسف افكار الارتجاع التربوي والتعليمي الى التراث، بوصفه ارتجاعاً رجعياً لا مجدياً وغير قابل لمواكبة معطيات العصر التقني الجديد. والعملية بهذه الطريقة السهلة تغدو واضحة المعالم.

لقد غدت فكرة التمسك بالارث القومي والروحي للامة وسيلة يستخدمها مصممو الثقافات المقابلة لغرض الاقلال من شأن ثقافتنا وحتى التندر بعملية التمسك بها. فماذا اعددنا لمواجهة ذلك؟ وماذا هيأنا لنكسب عقول الى تلك الكتب التي تجمع غبار السنين على رفوف مكتباتنا ازاء ثقافات وفنون الغرب؟

هذه الاسئلة غاية في البساطة، ولكن الاجابة الذكية عليها لحل اشكالياتها تتطلب جهداً هائلاً وفرقياً.. قد يستغرق منا عقوداً من الزمن.

* اخيراً

من كل ما تقدم… يمكن ان نلاحظ بأن تمسك مصممو الثقافات المضادة لثقافتنا بافكار الحوار والتلاقح الثقافي انما يحاولون في حقيقة الأمر تمرير خدعة يقصد منها استغفال المجتمع العربي ومثقفيه. وهنا، تظهر لنا معطيات كلمات المستشرق برنارد لويس الذي قال: اننا نحن الذين وهبنا الشرقيين شعوراً بالاعتزاز القومي، واننا الذين وهبناهم احساساً، ولاول مرة في التاريخ بالهوية القومية.

المقصود من هذه الادعاءات، هو ان التفوق الثقافي الغربي المادي المعاصر المرتكن الى آلة عسكرية/ اقتصادية متجبرة يكفي ذريعة ليس فقط لتمرير النموذج الثقافي الغربي مثلاً على ثقافتنا بل كذلك لغرض تقديم ثقافتنا القومية والروحية على النحو الذي يخطئ بالقبول الغربي.

وهذا هو ذات الهدف الذي يرنو الى احالة الارث الثقافي القومي والروحي الى المتحف التاريخي، باعتباره صفحة مطوية لا تقدم ولا تؤخر، صفحة تستحق عناء المراجعة من قبل المؤرخين والاثاريين والهواة فقط.

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات