18 ديسمبر، 2024 7:21 م

الوعي التأريخي بين المعقول واللامعقول

الوعي التأريخي بين المعقول واللامعقول

لو تفكرت لمره، أيها القارئ الحبيب، بعنوان المقال مُتَأَمْلَا، وخاصةٌ تأريخنا العربي قبل الإسلام، فأنك تقرأ وتشاهد بدَهشة، المعقول واللامعقول! ضمن تأريخ العرب بمُجرياتُه، من عربٍ عاربة قحطانية وعدنانية، وصحراء قاحلة، أهم سكانها الافاعي والضباع! ولو تمعنت بشعراء تلك الحقبة، تارةٌ تجدهم يشيدون بمواصفات الذئب، ويعتبرونها رمزاً، وأخرى يعدون الكلب الصديق الوفي!
ولو غصنا قليلا بالتأريخ الغابر؛ لنفتش بين أمهات الكتب ومصادرنا في هذا الامر قليلة وشَحيحه، لوجت أن القاتل والمقتول (رضى الله عنهم) وكما قال الرسول (ص) «والذي نفسي بيده ليأتينَّ على الناس زمانٌ لا يدري القاتلُ في أيِّ شيء قَتَل، ولا يدري المقتولُ على أيِّ شيء قُتِل» ولا حول ولا قوة الا بالله، وفي سيرتنا الاسلامية حوادث كثيرة تبرهن على هذا الكلام، والكل في دوامه يدافع عن أصحابه، ولا يبرح أن يسلم هذه الامانة والرسالة من الآباء الى الأبناء ، والعملية مستمرة الا باستثناءات قليلة بين هذا الفريق وذلك.
ودعني أن أتجرأ بالصراحة أكثر أيها اللبيب، وأخذ من التأريخ مقوله قالها الرسول الف الصلاة والسلام عليه وهو يشير الى حاثة مثنى بن حارث الشيباني و يقول [ الْيَوْمُ أَوَّلُ يَوْمٍ انْتَصَفَتْ فِيهِ الْعَرَبُ مِنَ الْعَجَمِ … ] والحقيقة نحن امة إبراهيم واسماعيل، ومَوطننا أم القرى، وحادثة الفيل خير دليل على ذلك، وعندما أوحى الله الى محمداً برسالة السماء وهي القران الكريم، فلاحظ أيها القارئ الفطن أحداث من المرويات التأريخية حيث اجتمعوا جميعاً وفي مقدمتهم أقربائه، وتفننوا في إضلاله أشد إضلالاً، لم تعهده الانسانية، والوقوف ضده وتكفيره، ونعتوه بالكذاب ويا لها من فرية ومفارقة!! أمس يصفونه الصادق الأمين، واليوم قد تلبسه جن! وهو عاش فيهم عمراً مديد، يعرفون حسبه ونسبه أكثر من أنفسهم ؛ ولكن عندما تتقاطع المصالح الدنيوية تكشف الذئاب عن مِخالبها؛ لكونها متبعةً اي رائحة دَّم تسيلُ هنا وهناك.
أيها القارئ الفطن، عندما أتحدث عن التأريخ بهذه الكلمات البسيطة، والمعلومات المِروية، لا أتجنى على أحد، بل هذه جزءاً من الحقيقة؛ لكونها واقع حال، ولو عدنا لتشريع الله حرم الكثير من أعمال الجاهلية، بل نسفها، وابقى العرف سائداً بينهم ، ونحن خير أمة اخرجت للناس، ورسونا خاتمهم، فتصور قرآننا يصف بكلام الله ما وراء الغيبيات التي لم تكن معقولة في ذلك الزمان ضمن آية كريمة، قال تعالى: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} ومكنا في القرآن من علم الأوليّن والاخرين، وذكر تعالى عن علم الأجنة، وانشقاق القمر، وآية قرآنية تبقى خالده، والتي قهرة العلماء وحيرتهم الى يومنا هذا، قال تعالى: { فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } سبحان الله على قدرته، وقالها تعالى: { وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلً}.
تصور أيها البيب الفطن، وصديقي الدائم هذه الأمة أعُطِت كل شيء من لَّدُنۡ الواحد الأحد؛ ولكن اذ تمعنت بتأريخنا، وسيرة ما بعد الجاهلية، فسوف تجدها مصائب في مصائب! أُذُواْ رسول الله في زوجه، وفي عمه، وفرقوا أصحابه في شتى البلدان؛ ولكن عندما عادَ لهم منتصراً فرأهم بؤساء، وقال لهم: ( اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ ) وعندما نتكلم عن التأريخ ونصنفه بتصنيف اليوم، وسأرد لك مثالا: واقع تعليمنا اليوم، وتشتت بلداننا وتقهقرها وتشرذِمها مالياً، والطابع العام لبلداننا (البلدان المتخلفة اقتصادياً) وكما يقولون “ليس الفتى من يقول كان أبى ؛ولكن الفتى من قال ها أنا ذا”.
ولا يفوتني أن أذكر بفخر صفحات من نور ضمن تأريخ أمتنا فمن بعد الرسول جاءوا بني امية بحكمهم الملكي، ومن بعدهم العباسيين بكل خلفاءهم، قسماً أسموهم السفاحيّن وقسماً اسموهم المنتفعيّن، وحاصل محصلة تقهقرت الأمة رغم في بعض الاحيان تلتقط انفاسها، وكان المثل العراقي العامي أنا وابن عمي على الغريب لا يفارقنا! والنعرات الطائفية هي هويتنا، فتباً كل التب لكل معتدي أثيم ضمن تأريخنا، وأَرَاهُم كُثر، وحتى الذين يدرسون التأريخ، ويتخصصون فيه في الأمور الإنسانية تجدهم أقل حظاً وحُظْوَة !! اسوة بالاختصاصات الأخرى، اليس التاريخ هو هويتنا؟ اليس التاريخ هو وجودنا؟ وكما يقولون “الي ماله اول ماله تالي “وكأنهم باعوا الياقوت بالحصى! يا لها من مفارقة مؤلمة على الأمة.
أيها القارئ دعنا نكسر اغلال الجهل، ونتحدث بصوت العُقال، ونَبكي على حالنا كثيراً؛ لأن الرجوع الى الماضي لا يسعف أحداً ولا يفيد؛ ولأن الاموات هم الاموات، والقلم خط وكتب، ويا ليته لم يكتب، ومن كان متعصب وله رأي اْخر بهذا الموضوع، فهل من مبارز ؟
هذه الحقيقة جمعية، لا أريد أن الوج بتفاصيلها، وبصفتي أكاديمية عندي قياسات بحثية ، وتقويم تربوي، وبيان معرفي، أستطيع أن أحكم على الاشياء قبل نهايتها، الناجح ناجح، والراسب هو الغاوي، فَالَّذِي نجحَ همَ بنفسه، والذي رسبَ شغل نفسه بأشياء لا تخدمهُ، مع تمجيدي وعرفاني لكل الكواكب الموجودة ضمن تأريخنا العربي الإسلامي؛ ولكن أنا وغيري وحتى أنتَ أيها القارئ اللبيب نتمنى أن نرى أمتنا، وهي تمتلك هذا الإرث الحضاري؛ لتفعيله ولتقود بفخر كل ما موجود بالكوكب، وأعتذر للقراء الاعزاء عن إسهابي في هذا الموضوع بهذا الشكل؛ لأنها حسره تضيق بها أنفاسي، كقوله تعالى{ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }، فعندما أقارن وضع أمتنا بالأمم الاخرى اليوم ، فالنتيجة معروفة للملأ، واذ لجت بهذا الموضوع كثيرا، فلن انتهي الا بعشرات المجلدات، ولكن وكما يقولون “خير الكلام ما قل ودل” وعَذراً، هذا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بان الأسدي
[email protected]