17 نوفمبر، 2024 6:32 م
Search
Close this search box.

الوظيفة العامة بين المطرقة والسندان 

الوظيفة العامة بين المطرقة والسندان 

سيطر المشهد السياسي في العراق بعد عام 2003 على العراقيين جميعاً، سواءاً مكونات وأطياف أم أفراداً. فدخلت الانتماءات والتوجهات السياسية إلى كل بيت من بيوت العراق تقريباً. 
بحيث أصبح الإخوة في البيت الواحد كلٌّ له توجهه السياسي وانتمائه الفكري. 
وفي خضم هذه التطورات لم تكن الوظيفة العامة بمنأى عن تلك التجاذبات، فاشتدت وتيرة السباق بين الكتل والأحزاب وبات الجميع يسعى للحصول على أكبر قدر ممكن من المرافق العامة للدولة وضمِّها تحت لواء الحزبية والفئوية. وبطبيعة الحال كل حزب ٍ بما لديهم فرحون وبذلك أخذوا يصولون ويجولون في تعيين المسؤولين وحصر أغلب الوظائف القيادية لأفراد ذلك الحزب أو تلك الكتلة. 
وتمت الإختيارات على أساس الإنتماء والولاء للحزب والطائفة أكثر منه على أساس الخبرة والنزاهة والكفاءة والسيرة الحسنة. 
ومن تم اختياره باهمال الجوانب المهنية والسياقات الإدارية أغفلَ هو بدوره ضوابط الاختيار الصحيحة والرصينة في إيكال المهام إلى مرؤوسيه ومن هو أدنى منه، فكانت أغلب الإختيارات على الأسس الحزبية والمذهبية والنفعية، وبذلك عم الظلام أجواء الوظيفة العامة وإن الكثير ممن اعتلوا كراسي المسؤوليات جاؤوا وفي أفواههم ملاعق من الذهب فلم يتدرجوا في السلم الوظيفي ولم يقطع جُلَّهُمْ المراحل الوظيفية وتدرجها، ولم يتحلى باللياقة المُرتجاة لشغل المنصب، 
وكان الكثير من هؤلاء عديم الخبرة والكفاءة وفي أغلب الأحيان عديم النزاهة، فهو لايسمع ولايرى إلا من جاء به إلى هكذا منزلة وهنا دخل في طور العبادة  أكثر من دخوله طور الريادة. 
فكان الموظف البسيط والمواطن وقبلهم الوطن هم الضحايا لسياسات متخبطة تنعدم فيها الستراتيجية والرؤية المستقبلية، وتحمل في ثناياها أهداف التسلق والتملق والتشبث وبذل التنازلات من أجل الحفاظ على المكاسب المتحققة للمنتفعين والوصوليين. 
ووُضِعت القوانين على رفوف الهجر يكسوها غبار الزمن، وحلت محلها الاجتهادات الهدامة والشخصنة والتفرد، وتسيد التخلف على التطور وسمت المصالح الخاصة على المصلحة العامة. 
واندثر الرُّقِيّ وتألَّق التراجُع. 
وبدلا ً من أن تدخل الوظيفة العامة في أُُطر  التقدم والتنمية دخلت في أطر التدهور والانحدار. 
بحيث أصبح أصحاب الخبرة والكفاءة في الدرك الأسفل وطفى على السطح من يجب أن يَندثر .
لم تكن من أولويات التنصيب الخدمة والشهادة وتراكم الخبرات ، نجد من هو أقل مؤهل علمي متصدراً على من هم أعلى .
ونرى من هو أقل خدمة وخبرة مترأساً لمن أكسبه طول الزمن الدراية والتدبير في الوظيفة إن تساوت المؤهلات الأكاديمية. 
حيث انعدمت المفاضلات الحقيقية في الترشح للمسؤوليات، فكان التخبط أبرز السمات في أوضاع الإدارات. 
امتلأ القعر بالنُّخَبْ وطفى على السطح  العَكِرْ  فلم يكن سائغاً للشاربين، وأصبحت المناهل لاتروي الظامئين. 
هاهي اليوم  الوظيفة العامة تنادي ألا هل من ناصر ينصرني. 
وهنا لابُدَّ لنا من ثورة ادارية فكرية تصحح المسار ، وتوقف الإنهيار، وتزيل الكدورات وتنمي الأفكار، وتمحو سيء الآثار، وتُنقذ مايمكن إنقاذه من لظى النار.

أحدث المقالات