لا قيمة ولا معنى لأي مسمى بمعزل عن الوطن.
فلا تأثير أو ثقل إنساني وحضاري لأي نشاط وتوجه وتفكير وتصور وإعتقاد , إذا تجرد من حلته الوطنية , وداس على صدر الوطن الذي ترعرع فيه على مدى العصور.
هذه حقائق حضارية وبديهيات بقاء وتواصل وتفاعل إنساني , تشير إليها بوضوح ساطع شواهد التأريخ وأحداثه وصراعاته , وما يتحقق في مسيرة الدوران والإمتداد في أعماق الزمن السرمد.
فكل مسمى لا إسم له من غير الوطن الذي يتحقق فيه.
فكل ما في الوطن , عبارة عن أغصان وبراعم وصيرورات مولودة من رحم طينه وروحه وفكره.
وأي إدعاء بعزل الوطن عن المسمى , إنما يُعد إنتحارا حتميا , وإنقراضا أكيدا لامناص منه.
فالوطن كائن حي , يتألم ويتوجع , ويفرح , ويعبّر عن سعادته بموجوداته , ويغضب منها وينتقم إذا تمادت في إغاضته وقهره.
وقد شهد القرن العشرون الكثير من الحركات والأحزاب التي إنسحقت وتداعت وغابت , لأنها تناست الوطن وتعبّدت في محراب رؤاها , وراحت تطارد سراب عقائدها وأفكارها , التي تخاصمت بها مع الوطن.
والأمثلة عديدة ومتنوعة , ويمكن لأي شخص أن يستحضرها ويتأملها.
وما يحصل في بعض الأوطان , أن الأحزاب والفئات والجماعات قد طلقت وطنها بالثلاث , وتوهمت بأنها ستكون بمعزل عنه , وبعيدا عن ترابه وأخلاقه وسلوكه , وقيمه وعاداته وتقاليده , وصفاته التي تستدعي التفاعل الصادق الأمين معه.
وتجاهلت أن الوطن قوة خفية مؤثرة في السلوك الفردي والجماعي , وإن لم يتحقق التناسق والتلازم في التفاعل ما بين الموجود ووطنه , فأن الوطن سيسحق الموجودات التي لا تتفق ونبضات فؤاده , وإرادة روحه ومنهج فكره الحضاري والكوني.
وتلك جرائم حضارية , وتفاعلات تدميرية وسذاجات تاريخية , وتعبير أكبر عن الإنتقام من الذات الحية , والمحيط الفاعل المتطلع للنماء.
فما قيمة كل “أنا” , بمعزل عن “أنا” الوطن , وما قيمة أي تصور وإعتقاد , إذا تم تجريده من هوية الوطن.
إنّ الأشياء مهما كانت , يستحيل تخلقها من غير وعاء رؤوم يسمى رحما , قلبا, وطنا , أو بودقة.
وما يجري , ضرب إنتهاء, وإمعان في الضراء , وقتل للسراء , وتنمية للبلاء.
وتلك مصيبة مجتمع وآفة أجيال , وإستثمار في كل عسير.
ولْنشارك في إيقاد شعلة الوطن المنير!