18 أكتوبر، 2024 6:01 ص
Search
Close this search box.

الوطن مذهبنا!!

الوطن مذهبنا!!

الأوطان مذاهب أهلها , وبودقات كينوناتهم الحضارية المتألقة , فعندما يكون الوطن مذهبا ترتقي جميع المذاهب وتعبّر عن قدراتها الإيجابية والتفاعلية المتلاحمة اللازمة لصناعة المجد العزيز المشترك.
وعندما ينتفي مذهب الوطن تفقد المذاهب بأنواعها مسوغات وجودها ودورها في صناعة الحياة , وتمضي في مسارات التداعي والإهلاك الذاتي والموضوعي , فتقتل الوطن وتلغي وجودها.
وهذه حقيقة قائمة في الدنيا منذ إبتداء التكوينات المجتمعية وتأسيس الدول والأوطان , ذلك أن الوطن هو الوعاء الذي تنضج فيه المكونات القائمة وتختمر , فتبني سبيكتها التفاعلية القادرة على التماسك والإعتصام بإرادة الوطن.
ومن الملاحظ في تأريخ الإسلام أن الهجرة النبوية إلى المدينة , إبتدأت بشعار “التآخي” , وتحقيق المذهب الوطني المرتبط بالمدينة التي تحوّلت إلى وعاء جامع ضام ومانع , ولولا هذا الإعتصام الوطني (المدينة وطن الإسلام الأول) , لما تمكن المسلمون من إمتلاك القوة والقدرة على الإمتداد الساطع المنير المترجم لجوهر المعاني الإسلامية.
أي أن المدينة أصبحت الرحم الحاوي الذي أنضج المعايير والضوابط والقيم , والتطلعات الكفيلة بولادات مؤثرة ومتواصلة في الحياة.
ومن هنا فأن المبتدأ الإسلامي كان جامعا , ومتكافلا ومتآخيا ومتراحما ومجسدا لجادلهم بالتي هي أحسن , وعندما تأسس الوطن القوي المعافى , تآلفت القلوب وتساندت الأذرع وتفاعلت العقول , وتطهّرت النفوس من البغضاء والسوء , فتحررت الطاقات وتنامت لذروة قدراتها الإيمانية الصادقة النقية السامية , فبدأت الحضارة المطعمة بروح الدين القويم.
وعليه فأن عزل المذاهب عن الوعاء الوطني أو تقاطعها معه يتسبب بتداعيات تدميرية وإستنزافات طاقوية هائلة , ذات صيرورات خياب وإنحطاط وإنهزام وهوان وخذلان , وهذا ما يحصل في واقعنا العربي والإسلامي , الذي تتعادى فيه المذاهب مع الوطن , وتتجاهل أن مذهبها الأساسي هو الوطن , وكل مذهب آخر يكون بعده , فإذا إهتز المذهب الوطني وتميّع , فكل المذاهب في خطر.
وهكذا فأن على جميع المذاهب أن تثوب إلى رشدها وترعوي , وتعتصم براية الوطن وتقدّس الألفة والأخوة الوطنية , والتواصل الإنساني الرحيم المتكاتف المحقق لمصالح الجميع , وتبتعد عن آليات التشظي والتفرّق والتناحر , والإندحار في زوايا ضيقة تؤهلها لتدمير ذاتها وموضوعها , والسقوط في أحضان التبعية والإمتلاك من قبل القوى الطامعة بها وبوطنها , وهي لا تدري وكأنها مخدرة بأفيون الضلال والبهتان والخسران المبيد , الذي أدمنت عليه فصارت مطية للآخرين.
فهل سيكون الوطن مذهبنا لكي نتفاخر بمذاهبنا؟!!

أحدث المقالات