19 ديسمبر، 2024 7:20 م

الوطن.. كيف يراه ساستنا؟

الوطن.. كيف يراه ساستنا؟

الاتهامات والتنابز بالألقاب والتقاذف بالـ (مداسات) والتسقيط السياسي والمهني والشخصي، باتت جميعها السلاح الفعال في ساحة سياسيي وطننا وأعضاء كتلنا ورؤسائها، إذ هي أقرب وسيلة يستخدمونها في كل محفل ومقام ومقال، وهم لايتوانون عن تحديث مفرداتهم وأدواتهم بما يتطلب له الموقف، فإن كان سياسيا فهم يتنابزون بألقاب أحزاب بعضهم البعض، ويتقاذفون فيما بينهم بماضي هذا الحزب او ذاك التنظيم، وينشر كل منهم غسيل الآخر على حبال تطول حينا وتقصر أحيانا، وفق مصلحة او مأرب او غاية مرسومة ومدروسة. أما إن كان الموقف قوميا، فهم يستخدمون الـ (Update) بحنكة عالية، فيعيدون صياغة مصطلحات؛ الناصري واليميني واليساري والشرقي والغربي حسب مقتضيات اللحظة. أما الطامة الكبرى فهي حين يستدعي الموقف التمظهر بالمظاهر الوطنية، فهو عند أغلب ساستنا (عيد وجابه العباس).. ذلك أن أغلبهم تدفعه الأنا والأنانية الى التظاهر بحب الوطن، والتلون “وطنيا” بمهارة تفوق الحرباء أداءً واتقانا، وأظنهم المقصودين ببيت الشعر:
لاخير في ود امرئ متلون
إذا الريح مالت مال حيث تميل
وقطعا هم لايفقهون عن ثوابت القيم والمبادئ الوطنية شيئا سوى الربح المادي، فالوطن عندهم يمثل (مول) او (Supermarket) يتبضعون فيه ماخف وزنه وغلا ثمنه، وهم في حال بقائهم داخل الوطن منتفعون، وفي حال هجره الى أحضان بلدان أخرى تنتظرهم منتفعون أيضا. ولافرق عندهم إن زها وطنهم وارتقى من بلد فقير الى نامٍ ثم متطور، او تدهور حاله وتقهقر من نامٍ الى فقير الى وطن مندرس في غياهب التاريخ وصار نسيا منسيا، فمفردة الوطن لاتشكل في مفاهيمهم شيئا يذكر، فيما تشكل لدى كل المخلوقات والكائنات الحية رمزا كبيرا وإن كان غريزيا..!
هي معلومة عن مفردة الوطن أود ذكرها ثانية في منبري هذا، ولن أتهاون في ذكرها ثالثة ورابعة وعاشرة، لعلها تقع بين يدي ساستنا المتصارعين على كراسي الوطن في عراقنا الجديد.. والمتنافسين تحت قبب مجالسه، دونما إيلاء أهمية تنم عن وطنيتهم، ضاربين الوطن والمواطن والوطنية عرض الحائط.. فمفردة الوطن لها من الأهمية لدى أجناس الحيوانات والحشرات مايُخجل السوي منا نحن البشر، وفي لغتنا العربية مسميات خاصة لوطن كل جنس من الكائنات الحية، سأسرد بعضها في سطور داعيا كل متقلد منصبا في وطننا للاطلاع عليها، لعلهم يتفكرون او يعقلون او يرعوون..!
إن مفردة الوطن تستخدم للإنسان، والعطن للبعير، والعرين للأسد، كذلك باقي الأنواع فيقال: وجار الذئب والضبع، وكناس الظبي، وعش الطائر، وقرية النمل، وكور الزنابير، ونافقاء اليربوع. والطيور هي الاخرى شديدة الالتصاق بوطنها، ولكل صنف منها اسم لموطنه، حيث يطلق على ما يضعه الطائر على الشجر: وكر، فإن كان على جبل أو جدار فهو: وكن، وإذا كان في كِن فهو: عـِش، وإذا كان على وجه الأرض فهو: أفحوص.
وتحصيل حاصل، فالوطن صغر أم كبر، مرعىً كان أم ارضا جرداء، جبلا أم واديا، روضة من رياض الجنة أم حفرة من حفر النار، فهو وطن نحنّ اليه ونذود عنه ونلوذ به، في حلنا وترحالنا، ونشتاق اليه شوقا حد المرض حتى أطلق على المتشوق لوطنه مصطلح (Home sick) وقد قالها أحمد شوقي:
وطني لو شغلت بالخلد عنه
نازعتني إليه بالخلد نفسي
فالعجب كل العجب..! لمن يملك جنسية لاينتمي اليها بدمه وروحه وجميع جوارحه، والأسف كل الأسف أن يكون في بلد مثل العراق أناس يرون ان أصغر الحيوانات تستميت من أجل موطنها، وهم يعتبرون الوطن محطة أو (كشك) او دار استراحة.

أحدث المقالات

أحدث المقالات