يمكن النظر إلى الوطنية باعتبارها خليطاً من التعلق العاطفي بالبلد ورموزها التعريفية وقيمها التأسيسية التي تعرف بالمبادئ الأولى، ويمكن تمييز التعليق الأمة وقيمها التأسيسية و مؤسساتها وقرارتها السياسية وفي كل بلدٍ يسعى الى الديمقراطية والحرية، تُوَفِّرُ الوطنية شعورًا والولاء والتفاني وتُقدّم للمواطنين غرضًا حياتيًا يرتكز عليه النظام،النهوض بالمواطنة التي تنطوي على مجموعة محددة وواضحة المعالم من الحقوق الفردية والقانونية، واجبات و حقوق سياسية، وحقوق اقتصادية اجتماعية. من شأن ذلك تعزيز مشاعر الولاء، وترسيخ تمييز حاسم بين أولئك المشمولين “المواطنين” و”الاجانب ”
إنَّ ضعف الهوية الوطنية لصالح هيمنة انتماءات ضيّقة يعنى ضعفا فى البناء الفكري والسياسى. ويعنى ان المواطن يشعر بان الوطن ليس لكلِّ ابنائه وأنه ساحة صراع على مغانم فيه، لذلك يأخذ الانتماء إلى طائفة أو مذهب أو قبيلة بُعدا أكثر حصانة وقوة من الانتماء الوطنى الواحد، كما يصبح الانتماء الفئوى مركبة سياسية يتمّ استخدامها للحفاظ على مكاسب سياسية أو شخصية.
كذلك فإنّ ضعف الهوية الوطنية قد يكون هو المدخل للاحتلال أحيانا، حيث تتحوّل أولوية الانتماءات الضيّقة إلى حجج بيد ضعيفي الارادة الوطنية تقتضي منهم التعامل مع أى جهة خارجية من أجل مواجهة الانتماءات الأخرى فى الوطن الواحد!.
إنّ ضعف الهوية الوطنية المشتركة هو تعبير أيضا عن فهم خاطئ للانتماءات الأخرى. بالاعتقاد بمذاهب دينية مختلفة، أو الاعتزاز بأصول إثنية أو قبلية، هو ظاهرة طبيعية وصحّية فى مجتمعات تقوم على التعدّدية. لكن تحوّل هذا الاختلاف إلى خلاف سياسى عنفى وصراعات دموية يعنى تناقضا مع الحكمة فى الاختلاف والتعدّد، فيكون المعيار هو محاسبة الآخرين على ما وُلدوا به وعليه، وليس على أعمالهم وأفكارهم. من هنا يمكن النظر إلى الوطنية باعتبارها خليطاً من التعلق العاطفي بالبلد ورموزها التعريفية وقيمها التأسيسية التي تعرف بالمبادئ الأولى، ويمكن تمييز التعلق بالأمة وقيمها التأسيسية و مؤسساتها وقرارتها السياسية وفي كل بلدٍ يسعى الى الديمقراطية والحرية، تُوَفِّرُ الوطنية شعورًا والولاء والتفاني وتُقدّم للمواطنين غرضًا حياتيًا يرتكز عليه النظام .
يمثل التعدد الثقافي ظاهرة اجتماعية وتاريخية ّ قل ما يخلو منها مجتمع. وإذا ما أحسن استعمالها تحولت شخصيته وتطورت باستمرار دائم نحو إغناء وإفادة المجتمع وإعطائه حضارة متألقة وشعاعا ّوضاءا في ظل التنوع والتعدد والعيش المشترك. والثقافة عموما هي سجل مفتوح باستمرار يصاحب مسيرة المجتمع و يحفظ هذا التعدد والتنوع ويقوي مسيرة تطور المجتمع وسيرورته و يدافع عن الثقافة الوطنية من منطلق الاعتراف بالتفاعل الذي خضعت له عبر التاريخ، وبما أحدثه ذلك التفاعل من تأثير عليها وتوسيع لكل مكوناتها. إن الثقافة متعددة الاطراف تشكل نقطة ارتكازها على المعتقد واللغة والتاريخ، وتضطلع الدوائر المحيطة باستيعاب الجديد، ليصبح جزءا متجددا منها، فتصير الأصالة قوة خلاقة ومحفزة، وطاقة متجددة دائمة لتنمية الهوية الوطنية في إطار سيرورة متحركة، فتتشكل الشخصية الوطنية بمقوماتها الجغرافية والدينية واللغوية.
من الامور البديهية لا تطوير للحياة السياسية دون وجود أحزاب وطنية حقيقية ذوات برامج خدمة المواطن وحماية الأرض واستقلال الوطن بكامل حدوده، والأحزاب لطالما تعرضت لتهميش من قبل البعض والتعرض لها من قبل البعض الآخر، دون ان تضع الأمور في نصابها والاعلان عن تحولات سياسية حزبية من أجل العمل الإصلاحي وبنائي ،الذي بوضوح على العزم للاصلاح حقيقي، ولا تستطيع اي قوة شديدة عكسي ايقافه اذا عزمت تلك الأحزاب التحرك بروح حب الأرض الذي تعيش عليه للعمل متوحدي الارادة ..
ربما تستطيع بعض القوى عرقلة جهود الآخرين من خلال اثارة هويات فرعية حينا واستحضار أخطار غير واقعية، ولكن تلك القوى عليها الاستمرار في الانتقال من مرحلة الفردية والجهوية الى مرحلة الحزبية وبناء هيكلية تنظيماتها بالطرق القانونية، وتكافؤ الفرص، والمساواة والمواطنة،حفظ سيادة القانون ورفض الجهوية والعشائرية والإقليمية والعنصرية بكل اشكالها وتلوينها وتحت اي شعار،ويمكن بأي شكل من التحول الإصلاحي ، بناء استراتيجيات قوية بالعمل الجماعي وبمشاركة كل العقول والاعمار والثقافات وبطبيعة الحال لن يعجب البعض ولذلك لا عجب ان نراهم يبحثون عن كل وسيلة ممكنة لعرقلة توجه نحو الاصلاح، المشكلة في عدم الإصلاح ليست فى طبيعة الأحزاب ذاتها فهناك من الساسة أصلحوا ونقوا احزابهم من التفسيرات الخاطئة وقدموا تفاسير معاصرة نهضت ببلادهم، وهناك أيضا اخرين رفضوا أى إصلاح لأنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان، السؤال إذن: من ــ وما ــ الفاعل فى الإصلاح؟ هنا علينا أن نعود إلى التاريخ الإنسانى على الأرض وحتى يومنا هذا، لقد خلق الله الإنسان ووهبه عقل وإرادة، العقل لكي يفكر به والإرادة لكى يحقق ما فكر فيه، وفى البداية كان الإنسان عاريا ضعيفا لا يملك من أمره شيئا أمام الحيوانات المفترسة والطبيعة الغاضبة بالزلازل والأعاصير والفيضانات، إلا أن هذا الإنسان بدأ فى استخدام عقله فاستطاع أن ينتصر على كل المعوقات والفقاعات التي حاولت دون ذلك في نفث سمومها في كل الاتجاهات مستحضرين حينا هويات فرعية، وحينا ادعاء حرص غير حقيقي على الهوية الوطنية، وغيرها من عناوين يختبئون خلفها للهجوم على اي تطور اصلاحي حقيقي، وكأنهم وحدهم يملكون حمية الدفاع عن الهوية الوطنية، والآخرون مشكوك في ولائهم وانتمائهم ، الوطنية مفهومٌ أخلاقيٌ وأحد أوجه الإيثار لدفعها المواطنين إلى التضحية براحتهم، وربما بحياتهم من أجل بلادهم.