مثلما الدين العمل فأن الوطنية العمل , أما إذا أصبحت أقوالا ومظاهرا وكفى , وإنعكس ذلك على الوطن والوطنية فهذا بحث آخر.
فالقول بالوطن والوطنية يجب أن يُرى بالعمل , فالإناء ينضح بما فيه , وما ينضح من إناء الكراسي لا يوحي بالغيرة على الوطن أو التعبير عن الوطنية , فكيف يصح في الأفهام أن الكراسي ذات إرادة وطنية وتسعى لخدمة المواطنين والحفاظ على الوطن؟
الكراسي ومنذ ألفين وثلاثة وحتى اليوم لا تعرف إلا أن وطنها جيوبها , ووضعت المسميات الفرعية الصغيرة المشينة فوق الوطن وتناست أنها ستموت بموت الوطن , وأن لا وجود لها ولاقيمة ولامنعنى عندما ينتفي الوطن , ومع هذا فأنها نفت الوطن من وعيها وإقتلعته من سلوكها , وكل ما قامت على مدى عقدٍ ونصف لا يعبر عن وطنية وإحساس بوجود وطن , بل أن إسم الوطن قد غاب عن الوعي العام , وطغى الحديث عن مسميات وعناوين وتوصيفات تدعو للإحتراب , والقضاء على ما هو وطني أو يتكلم بإسم الوطن.
فالسائد في وسائل الإعلام والخطابات الكرسوية يخلو من المفردات الوطنية , ويزدحم بالمفردات الفئوية الطائفية العدوانية البغضاوية الداعية للكراهية والتناحر والتصارع وسفك الدماء , وإثارة العواطف والمشاعر السلبية وتأجيجها لأخذ البلاد والعباد إلى جحيمات سقر التي يتم إعدادها , وفقا لآليات ومسميات وبرامج تساهم في تعزيز الإستحواذ على البلاد من قبل الآخرين تحت شتى الإدعاءات , والأضاليل التسويغية للقضاء على الوجود الوطني والإنقضاض على المواطنة وقيمة الحياة والإنسان.
فهل أن من الوطنية بناء السجون والمعتقلات العلنية والسرية , والقبض على الناس الأبرياء وفقا لإتهامات باطلة تقضي بمحقهم , وتهجيرهم وقهرهم وتخويفهم والنيل من آدميتهم ومحق كياناتهم الإجتماعية والمكانية , فكم من مدن وقرى أزيلت بالكامل وهُجر أهلها , وكم من بيوتٍ هدمت على رؤوس قاطنيها , وكم من المصائب والويلات أختلقت لتدمر الحياة في الوطن , وتزهق روح الوطن , فالوطن ما عاد قيمة كبيرة أو مهمة , وإنما هناك الكثير من المسميات تعلو على الوطن.
وبما أن الأحزاب التي تدّعي التدين في الحكم فأنها وفقا لمبادئ أحزابها لا تعترف بالوطن , ولا ترى أن الوطن ضرورة وقيمة , لكنها ترى أن إستباحة الحقوق والمحرمات ونهب الثروات سلوك عادل , وأن ربها قد منحها التفويض الإلهي للإستحواذ على حقوق البلاد والعباد , ولهذا فهي تتعبد في محراب ربها وتصلي له بكرة وأصيلا , وتحج البيت كلما نهبت أكثر وتنامت أرصدتها في بنوك الدنيا الثرية , أما أبناء الوطن الذي يغارون عليه فمن واجبهم أن يكونوا حطبا في سعيرات المصالح والتطلعات الإستحواذية على الوطن المنكوب بالعمائم والكراسي الملتحية , التي تدور من حولها القطعان ومَن يستجدي السحت الحرام!!
و”عزيز على الأوطان أن شجاعةً …تمزقها الشحناء في غير طائل”!!
د-صادق السامرائي