23 ديسمبر، 2024 5:29 ص

الوصف والمديح!!

الوصف والمديح!!

المدح: نقيض الهجاء وهو حُسن الثناء.
الوصف: وصفك الشيئ بحليته ونعته.
والعلاقة بين الوصف والمديح . كالعلاقة بين الصدق والكذب.
فالوصف صدق قولٍ ورؤية إبداع وتجلي , والمديح كذب قولٍ وتملق ورياء وهذيان , والفرق بينهما دقيق جدا , ويعتمد على حالة إدراكهما من قبل الإنسان المعني بهما.
وفي منطقنا الجمعي , لانميز بينهما , فنحسب الوصف مديحا , لأن تراثنا المعرفي حقق فينا آليات ثنائية لإدراك الأمور وتقديرها , فأما أن يكون القول ذما أو مدحا , أما الوصف فأنه يختلط فيهما.
فعلى سبيل المثال , قد تلتقي بإنسان وتدرك ما فيه , وتصف ما رأيته , بصدق وأمانة , فيحسب ذلك مديحا , ولهذا فأن الكتابة في هذه الموضوعات تكون شائكة , لإختلاف مناحي إدراكها وفهمها من قبل الآخرين.

قد يرى الإنسانُ شيئا في أخيه                وإذا يبدو عجيبا ليس فيه
ما وَعتْ ذاتٌ ونفسٌ محتواها                  هكذا الطبعُ مُناهُ لا يُريه
لا تقلْ شئنا ولكنْ شاءَ إلاّ                       يجعلُ المرآة حرزا لتقيه

وما أكثر المديح في تراثنا الشعري , وأقل الوصف , لأن الوصف يقول الحقيقة التي لا يريدها الإنسان في طبعه , لكنه يسعى إلى المديح , لأنه يبثه شعورا بالقوة والثقة والقدرة على الإحساس بقيمة نفسه.
ويبدو أن النفس البشرية تميل إلى الكذب , وتحببه إليها , لأنها تجنح إلى الخداع والنكران , وتبرأة ذاتها من الآثام التي ترتكبها , ولهذا تفضل المديح على الوصف , فالوصف مرآة تنعكس فيها الأشياء الموصوفة , والمديح رؤية ما لايُرى في المرآة, أو هي صورة نفس المادح ورغباتها ومراميها المسوَّغة بالمدح وليس الممدوح!

“يهوى الثناء مثبَرّزٌ ومقصّرُ
حب الثناء طبيعة الإنسان”

“ولن يُحوى الثناء بغير جودٍ
وهل يُجنى من اليُبس الثمار”

والمديح يقتل والوصف يَعدل.

“مشكلة معظمنا هو أننا نفضل أن يقضي علينا المديح , على أن ينقذنا النقد”

وفي الوصف أحيانا , تصوير لحالة الموصوف كما تُرى , وليس بالضرورة  كما هي, لأن ما هية الأشياء ودوافنها ربما لا يمكنها أن توصف إلا من قبل صاحبها عندما يعيها, أو من الذين أدركوه في تعبيراته عنها.
ويبدو أن طبيعة نفوسنا لا تسمح لنا أن نميز ما بين المديح والوصف , لأنها لاتدرك إلا المدح والقدح  , وهي تعيش ثنائية في الرؤية والتلقي والتفاعل مع المحيط , وهذه الثنائية الحادة القاطعة , من الأسباب الأساسية في صناعة التداعيات الأليمة المتنامية في واقعنا , ومسيرتنا المعاصرة القاسية.

يا مديحا جئت ذما واضحا
كيف للكذب يداوي الصالحا
بينما الوصف كلامٌ صادقٌ
لا نراهُ مستقيما راجحا

فعلينا بالوصف لا بالمديح ونقيضه , حيث تزدحم بهما صفحات مواقعنا وصحفنا , لأن الوصف سعي لإظهار الحقيقة , والمديح خداع صريح!!