23 ديسمبر، 2024 4:05 ص

الوصايا الخمس … الأخرى… في القرآن..

الوصايا الخمس … الأخرى… في القرآن..

بعد ان كتبنا في الوصايا القرآنية الخمس الأولى..نعود اليوم لنكتب في الوصايا الخمس الثانية..والتي تمثل قواعد ربانية ملزمة التنفيذ.. لكونها جاءت في آيات حدية لا تقبل التآويل..وهي قواعد ثابتة لمعنى وقيم الحياة في التعامل الدنيوي بين الناس.
الوصية السادسة 🙁 ولا تقربوا مالَ اليتيمِ الا بالتي هي أحسنُ حتى يبلُغَ أشده ُ ( الأنعام 152).

اليتيم لغةً هو فاقد الأب أو الأبوين معاً والقاصر بنفس الوقت. ..في هذه الحالة فهو بحاجة الى الرعاية المالية والتربوية لذا جاءت الآيات القرآنية بهذا التوجه الكريم:
( وءاتوا اليتامى أموالَهَم ولا تتَبدلوا الخبيثَ بالطيبِ ولا تأكلوا أموالَهم الى أموالكُم أنه كانَ حُوباً كبيرًا،النساء2). ويقول تعالى:
(وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاحَ فان أنسَتمُ منهم رشداً فأدفعوا اليهِم أموَالهُم ولا تأكلوها أسرافاً وبِداراً أن يكبروا ومن كان غنيا ًفليِستعفف ومن كان فقيراً فليأكُل بالمعروفِ فأذا دفعتم اليِهم أموالهمُ فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيباً،النساء6).

ان هذه الوصية الربانية هي موجهة الى غير الأباء،لأنه في حالة فقدان الأم فالأب هو الوصي حكماً ولا تنطبق عليه هذه الوصية.
أمامن ناحية المسئولية المالية والتربوية معاً فقد حددتها الآية الكريمة ،يقول الحق:( وأن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فأنكحوا ماطاب لكم من النساء مثنىٍ وثلاث ورباع فان خفتم الا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ان لا تعولوا،النسا3).ولم يعطِ الفقهاء تفسيرا علميا ومنطقيا لجملة وما ملكت آيمانكم…والتي لازالت موضع نقاش حاد بين المتجادلين ..؟
هنا ربطت الآية تعدد الزوجات برعاية الأيتام وليس للبديل من النساء، وفي الآية جاءت كلمة القسط والعدل معاً،وكلمة القسط هنا لها معنيان: العدل أو الجور،كذلك كلمة العدل لها معنيان: الاول القسط حين تعني العدل لقوله ان الله يحبُ المقسطين،المائدة 42). والمعنى الثاني الظلم والجور كقوله تعالى:( وأما القاسطونَ فكانوا لجهنمَ حطبا،الجن 42). وللعدل معنيين الاول عدل في العدل وعدل في الظلم،والفرق بين القسط والعدل هو ان القسط يأتي من طرف واحد بينما العدل يأتي من طرفين.
ان الآية الكريمة تتحدث عن آمهات اليتامى اللواتي لا معيل لهن لمساعدتهن في تربية الاولاد كما في الآية (6) من نفس السورة،فالرجل اذا كان قادراًعلى تحمل المسئولية فلا ضير بالثانية او الثالثة او الرابعة،شرط حدي ملزم من أمهات اليتامى ، وليس من الابكار وللمتعة الشخصية، لكنه اذا عجز عن تحمل المسئولية فعليه بواحدة فقط، حتى لايقع في الضيق كقوله:( ذلك أدنى ان لا تعولوا) اي حين لا تستطيعوا حماية العيال خوفاً من العجز المالي. من هنا ينطبق قول
2
الرسول(ص):(انا وكافل اليتم كهاتين في الجنة). شرط ان الزواج المتعدد ان يمارس الزوج عدالة الحياة الزوجية بكل شرعيتها مع الجميع دون اختلاف،ولا يميل نحو واحدة ويترك الاخرى معلقة كقوله تعالى:( فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة، النساء129).والآية تبين أقصى الألتزام
بحالات العدل الانساني رغم شعورها المطلق بعدم عدالة الانسان وهذ هو عين الصواب والحقيقة.فأين اليوم ممن آباحوا المتعة رسميا واشاعوا الفاحشة في المجتمع..؟

ومع تقديسنا للآية الكريمة ،لكن عامل الزمن يلعب دورا في عملية التغيير ،فلم يعد الزوج يتمكن من أعالة الايتام ،لا ماديا ولا مزاجيا، وكل المتزوجين من أمهات الاولاد فشلوا في زواجهم في الغالب،والحل يجب ان تؤول الاية لصالح القانون ،أنطلاقا ً من ثبات النص المقدس والمحتوى المتحرك له. وان الدولة هي التي تتكفل بالأيتام لا الزوج الاخر ، وهذا ما هو متبع في امريكا وأوربا الآن .هذه مسألة انسانية يجب ان تعالج معاجة قانونية اليوم لحماية المجتمع من الخلل،وأدخال هذا النص القانوني ضمن تشريعات الاحوال الشخصية لحماية الاسرة من التشتت. فأين مجلس النواب المترف واللاهي بأمتيازاته ومنافعه المحرمة شرعا كونها من مغتصبة من اموال الشعب بدون وجه حق ، في تثبيت مثل هذه القوانين.. ناهيك عن ان الطلاق الكيفي عند المسلمين الان وخاصة بين الطبقات غير المتعلمة لا راقبة عليه ، بعد ان ساهمت به فتاوى مؤسسة الدين فيه دون تنظيم ، لذا خلق للمجتمع مشاكل أجتماعية لا حصر لها خاصة وان قوانين النفقات عائمة وغامضة في القانون الاسلامي وغير محددة لا توحي بأيات العدل الآلهي،فهل ان آيات التكريم للأنسان من الله جاءت للرجال دون النساء؟ مسالة انسانية ملحة بحاجة الى أعادة نظر..وابداء الوجهة الشرعية فيها.

الوصية السابعة: (وأوفوا الكيلَ والميزانَ بالقسطِ لا نكلفُ نفساً الا وُسعَهَا،الانعام 152).
هذه الوصية تتعلق بالعلاقات الانتاجية والعلاقات التجارية التعاقدية،لذا فان الاستيراد والتصدير والانتاج يجب ان يخضع لمعاير الجودة ومواصفات الوزن والمساحة.ولأن هذا المنتج سيكون من نصيب الانسان فقد أدخلها الله في الوصايا الملزمة حتى لا تستخدم طرق الغش في المنتجات المعدة للاستيراد والتصديركما هو في العراق اليوم والذي استخدمه التاجروالمرتشي دون مسئولية من ضمير،لذا روعي اليوم قيام أجهزة مركزية في الدولة متخصصة في التقييس والنوعية على رأسها أخلص المخلصين ..حتى لا تفلت البضائع الفاسدة من رقابة الدولة وتصل للمواطن بغير صفاتها الجيدة الصالحة للاستعمال.
وتنشط هذه الحالات الشاذة في الدول المصابة بالارتباك الامني والسياسي كما في العراق والصومال اليوم حين تحولت التجارة الى مغانم شخصية على حساب المواطن العادي فبخست الناس اشياءَهُم، والقرآن يحذر من هذا التوجه الخاطىء حين يقول:( ويا قوم أوفوا المكيالَ والميزانَ بالقسط ولا تبخَسُوا الناسَ أشياءَهمُ،هود85). وقد حذر القرآن الناس من اختراق العدل

3
بقوله: ( وان يأمركم أن تُؤدوا الأماناتِ الى أهلِها وأذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل،النساء 58) .
).ولم يقل يا ايها الذين آمنوا لان العدل ظاهرة أنسانية يجب الالتزام بها دون الاخلال بشروطها،فكيف أذا المؤمن أصبح باطلا؟ كلام موجه الى من يحكمون في امة العرب والاسلام والذين سيبوا حالة التقييس والنوعية وشردوا خبرائها بدوافع سياسية باطلة كما في العراق اليوم .
حتى أصبح الظلم للمواطنين جزْاً من قوانينِهم الشخصية.فلا قانون يطبق عليهم ليلزمهم بالعدالة ،ولادستور يمنعهم من الاستغلال والظلم،بعد أن أصبحت القوانين والدساتير تكتب بأيديهم. لابل أصبحوا يتباهون في أختراق الدستور دون خجل من الناس ورب العالمين،ألا لعنة الله على الظالمين.

الوصية الثامنة 🙁 واذا قلتُم فأعدلوا ولو كان ذا قربى،الانعام152).
هذه الوصية هي وصية عامة،تعتبر شهادة الزور حالة خاصة لها،فالأنسان يجب ان لا يتكلم الا الصدق ، لذا فالموضوعية هي الاساس في أحكامه حتى لا تتحكم فيه الأهواء والعواطف،لقوله تعالى:( وتمت كلمةُ رِبكَ صدقاً وعدلاً ولا مُبدلَ لكلماته وهو السميعُ العليم،الانعام 115).فكلام الله يحمل صفتين الصدق والعدل.وهكذا فأن الصفة الاساسية للانسان هي الصدق والعدل.لأن قولهُ مبني على البينات،لا على الأهواء وهي صفة التقوى في الاسلام. لذا فأن الصدق هو الهدف والكذب يقع ضمن العقوبة الجزائية لا ألادارية اوالمالية ،واذا ما أتهم موظف في الدولة بالتزوير عليه ان يبادر فورا لأعلان براءته بالبينات او يتخلى عن المركز الحكومي وهذا الشرط وجد في قانون الحسبة الاسلامية منذ 1300 سنة،لا ان تتستر عليه الدولة.فأين ممن زوروا شهاداتهم العلمية كسبا للجاه والمنصب والمال ..؟
.صحيح ان العدل والصدق المطلق هو صفة ألهية لكن على المسلم ان يلتزم بهما قدر الامكان لتمثيل الاسلام خير تمثيل كما في قوله:( قٌولهُ الحق)،وتمت كلمات ربك صدقاً وعدلاً.فالصدق والعدل تقريري الزامي في الشريعة الاسلامية،لكن كم من حكام المسلمين وموظفيهم من يلتزم بها،علما ان أختراق الايات الحدودية تجعل المسلم في شك من أمره المعتقدي في الجماعة الاسلامية. واليوم غالبية حكام العرب والمسلمين يغتالون شعوبهم عن طريق الرشوة والسرقة لبناء مجدهم الشخصي المقيت،وهاتراهم بأمي عينك كيف يتصرفون اليوم في وطني العراق ولا يستحون من الله والناس….فأين هم من الاسلام؟

الوصية التاسعة:( وبعهدَ اللهِ أوفوا،الانعام 152).
وهي وصية مختصرة للألاف المؤلفة من البنود لو فصلت كل على حدٍ.لأن كل مهنة لها مواصفاتها ولكل علاقة أجتماعية لها شروطها.فلوصية لا تسمح لاحد ان يمارس المهنة الا اذا كان مؤهلاً لها لا مزوراً لمؤهله العلمي او الفني أولاً.ثم عليه ان يقسم اليمين الدستورية الاخلاقي

4
لمهنته،فأذا لم يقسم اليمين فأنه يمنع أصلا ًمن ممارسة المهنة حيث لا يوجد في الدولة الاسلامية مهنة مهما كان نوعها بدون قسم لها.فكيف من يقسمون ويخونون القَسم..؟
وتضع الدولة لهذا القسم عقوبة واحدة علماً بأنه يدخل تحت هذا القسم الألاف المؤلفة من البنود.هذه العقوبة هي حنث اليمين ويجب ان تكون جزائية لا ادارية او مالية.
ان هذا النص الآلهي الجبار يجب ان ينظر اليه بجدية كبيرة في أمة العرب والمسلمين بعد أن أستشرى الفساد والتزوير بين الناس واصبح وسيلة من وسائل الوصول للمنصب الحكومي في السلطة القائمة.ان عدم التقيد باليمين يدل على شدة التدهور الاخلاقي،فهو عهد بين الذي اقسمه وبين الله،لا بين انسان وأنسان،وكذلك البيعة في الانتخاب عهد،فهذا يعني ان على المُنتخب ان يكون وفياً لمنتخبيه وهكذا دواليك.فهل هذا مطبق في أمة العرب والمسلمين اليوم ..؟.

ان القول يجب ان يكون مبنياً على البينات المادية الموضوعية دون أهواء ولا عواطف.والشهادة يجب ان تكون شهادة فؤادية محددة بالحواس وعلى رأسها السمع والبصر.أما اذا كانت أستنتاجاً عقلياً فتسمى خبرة وليست شهادة.
هذه الاوامر الحدية الالهية هل فهما المسلمون وطبقوها قبل ان يحفظوا الصلاة ويؤدوها خمس مرات في اليوم، أٌقرأ كتب الفقهاء بنفسك ولا تعتمد على ما تتناقله الالسن وتسمعه الأآذان ستجد العكس تماماً.أنهم قوم مقصرون ..ان الله يطالب الناس بالعدل والامانة،اما الواجبات فهو غني عنها ولو كره الكافرون.

الوصية العاشرة :(وان هذا صِرَاطي مُستقيماً فأ تبعوهُ ولا تتبعوا السٌبلَ فتفرقَ بِكم عن سبيلِه ذلكم وصَاكم به لعلكم تتقون،الانعام 153).
لاول مرة تدخل نظرية الحنيفية والاستقامة عن طريق القرآن الى المجتمعات الانسانية ليعلمها العالم بألزامية التنفيذ، والصراط المستقيم هي كل الوصايا القرآنية لانها لا تتغير أبداً،فالأخلاق مبادىءأنسانية عامة وهي من ثوابت الدين الاسلامي ولا تحمل طابع التغير مع الزمن والتطور والمرونة مثل العبادات وهي التقوى الاجتماعية ،وهي ألزامية ومن تركها وأهملها فقد ضل ومن التزم بها فهو من المهتدين. وتحت جناحها تخبو الحكمة والتوجيه الرباني العظيم لبني البشر.

ان الوصايا في غالبيتها جاءت بصيغة الامر،وجاءت معطوفة بعضها على بعض ،لأنها تعني الالتزام حتى في حالات التغاير والتمايز، والالتزام جاء جمعاً وليس مفردًا حين ذكرَهُم بكل شيء بقوله تعالى:( لقد انزَلنَا اليكمُ كتاباً فيه ذكَركُم أفلا تعقِلون،الانبياء 10).
في هذه الوصايا يبن الله جلت قدرته العظيمة لنا الفرق بين الأعراف لمنع الخلط بينهما .فالاعراف هي مجموعة العادات والتقاليد الاجتماعية الناشئة عن بنية أقتصادية وبيئة جغرافية،وهي قابلة للتغير والتطور حسب الزمان وتطور وسائل الانتاج،وحسب المكان في الموقع الجغرافي.

5
أما الاخلاق فهي قوانين روحية أجتماعية ثابتة تربط ابناء بني الانسان بعضهم الى بعض،لكونهم مجموعة أنسانية لا حيوانية،بغض النظر عن البنية الاقتصادية للمجتمع الانساني ،لذا فهي تحمل
صفة العالمية الشمولية.، فالألتزام يجب ان يكون أنسانيا قبل ان يكون ألتزاماً قانونياً. لذا لا يمكن ان نحكم عن شيء لم نعرفه… اذا كان يخالف الوصايا.
ان هذه الوصايا الآلهية ما جاءت الا لتأمر الانسان على تحقيق العدالة بين الناس..فلا يجوز لحاكم او محكوم ان يخترقها لأي سبب من الاسباب كونها ملزمة التنفيذ.

….فالاخلاق هي الاساس، والقسم ذمة ومسئولية امام الله والناس ، والحقوق واجب مُلزم ،كلها أجتمعت تحت عنوان الوصايا العشر،
ولوجاءت في القرآن فقط…. لكفاه فخرا بأنه جاء هدىً للناس أجمعين…