18 ديسمبر، 2024 8:02 م

الوسواس بمغزاه السلوكي يبدو حميدا إن لم يتجاوز حدوده ويصبح إضطرابا خبيثا , وهذا يتحقق بنسبة واحد بالمئة عند الناس , ويتباين بشدته وتأثيراته المعوقة للنشاطات اليومية المعتادة.

والوسواس الحميد له دوره وقوته وديناميكيته الفاعلة في حياة الشعوب والأفراد والجماعات , ويساهم ببلوغ أعلى درجات الإتقان والتمام والكمال الإنجازي , فالوسواس الحميد مهم وضروري للمسؤولين الإداريين , ولمهن متنوعة أخرى كالطب والهندسة وغيرها من النشاطات البشرية , التي تتمخض عنها نتائج قد تكون خطيرة وقاسية.

والمجتمعات والشعوب تختلف في وسْوَساتها , فالمجتمع الصيني لديه وسوسة بالطعام والجنس والإبتكار والإنتاج , والمجتمع الياباني تطغى عليه وسوسة النظام والوقت والنظافة والجمال , بل لديه وسوسة واضحة بالأشجار وزراعة الشاي الأخضر.

والمجتمعات العربية تطغى عليها الوساوس الدينية بأنواعها حتى تصل إلى درجة الوسواس الخبيث , مما يتسبب بتداعيات وتفاعلات خطيرة ومدمرة للبلاد والعباد.

وما يحصل في الواقع الحزين ربما سببه تفاقم وإستفحال الوسوسة الدينية وتخبيثها , والإستثمار فيها من قبل المتاجرين بالدين , الذين يؤكدون رغباتهم ومطامعهم ومشاريع أهوائهم , فيغذون الوساوس الخبيثة بما يفاقمها ويؤدي بالشخص إلى الوقوع ضحية لها , فيكون عبدا ذليلا وتابعا بليدا للمتاجرين بمصيره والسارقبن لوجوده ومجهوده.

فبدلا من الوسوسة الحميدة الصالحة للبناء والبلاء في العطاء والإبداع والنماء , يتسيّد الوسواس الخبيث الذي يعرقل ويعوق ويدمر ويهلك , ويصيب المجتمع بالخسران , ويعزل الإنسان عن الحياة , ويجعلها تبدو وكأنها أمرا لا يعنيه ولا يتصل به , مما ينجم عنه تقهقرا وضعفا وتبلدا سلوكيا وخسائر إقتصادية وحضارية وعمرانية مروعة.

ومن الواضح في مجتمعاتنا هيمنة الوسواس الديني الخبيث , والذي قد يفسر التناقضات الصارخة ما بين فحوى الدين وجوهره وما يتحقق في الواقع الحياتي للناس , فالدين من جوهره النظافة , وترى أصحابه ينطمرون بالنفايات , وكأن الأمر لا يعنيهم , ومن جوهر الدين النزاهة السلوك القويم , وترى المجتمع ينخره الفساد وينتشر فيه الظلم والإجحاف.

ولا يمكن تحقيق السلوك الصالح والمجتمع القوي الراجح , إذا بقيَ الناس ضحايا للوسواس الديني الخبيث , الذي تحفزه وتديمه العمائم واللحى المستفيدة من ضحاياها المرهونة بوسواس الضياع والخراب والتبعية والهوان.

فهل من وسوسة في الزراعة والنظافة والصناعة والجمال والبناء والعمران , بدلا من وسوسات دينية خائبة تسعى لإستعباد العقل وتعطيله وعقر البشر في خنادق الغابرات؟!!