18 ديسمبر، 2024 9:55 م

الوسطية في ميادين النشاط الانساني !

الوسطية في ميادين النشاط الانساني !

الوسطية ظاهرة إنسانية لها مظاهر عدة في الطبيعة ولها منافع وفضائل في ميادين النشاط الإنساني.. وهي في كل الأحوال تشير إلى معنى الاعتدال والاستقامة والعدل.
معلوم أن الاستثناء مصاحب لأوضاع الحياة عامة، إنه يظل ملازماً لأوضاع الإنسان بخاصة ولذلك فهناك حدود لاتجاه التوسط والوسطية حيث إن هناك ميادين لا يجدر بنا أن نتخذ هذا الاتجاه دليلاً لسلوكنا سواء كان قولاً أو فعلاً أو تفكيراً فلاتوسط في الحقيقة ولا توسط في حفظ الشرف والدفاع عن الكرامة وعن الوطن وكذلك قد يظهر التوسط في بعض الميادين تطرفاً إذا عمدنا في الإفراط والتفريط هنا أو هناك، وبالتالي تظل الحكمة في أن نضع لكل موقف أحكامه وهو ما يجعلنا نبحث عن الإتقان الذي شعاره إعطاء كل ذي حق حقه للوصول إلى معنى العدل.
أن الوسطية هي البعد عن التعصب المفرط لطرف ما وهذا لا يعني الحياد التام لأنك لابد ستنحاز إلى ما هو حق وصواب ومدر للمنافع وهنا لا تستطيع أن تكون محايداً، كما أن التوسط أيضاً لا يعني الأخذ من كل طرف بغير تمييز وإنما هو أخذ بالمصالح العظمى التي تعلو على كل الأطراف والمقصود بها المصالح النافعة العامة وهذا الأمر يجعلنا نلجأ إلي معنى ربما يعلو على التوسط ويحكمه ذلك هو الإحسان ليس مايؤخذ من باب مفهوم الصدقة وإنما ما نقصده هنا هو الاتقان والإجادة وبالتالي يظل من شروط التوسط أن يؤدي إلى نتائج متقنة أجيد العمل في صددها وهو ما يؤدي إلى قيام المنافع المشروعة كما أن التوسط يتطلب حضور المبدأ القائل «لا ضرر ولا ضرار»
أن أي شيء ينبغي أن يكون متوازناً في ذاته ومناسباً لأدائه ومهامه.. إن الطبيعة تتكون من أشياء وعمليات وعلاقات وجميعها يحكمها مبدأ التناسب.. كل هذه المعاني تؤدي بالضرورة إلى معنى الاعتدال الذي هو قلب التوسط.. لو نظرت إلى الإنسان في تكويناته وأعضائه وعلاقاته لوجدت كل ذلك يشير إلى التوازن والاعتدال والتوسط.. إن تاريخ حياة الفرد تبدأ من الميلاد وتنتهي بالموت وبينهما فترة الانتاج الأقوى وهي عادة ما تكون بين الثلاثين والخامسة والأربعين.
وكذلك الحال مع بقية العمليات والنشاط الذي يقوم به الإنسان، فهناك حالة الوسط تجدها في النوم وهي حالة النوم العميق وهو ما ينطبق عليه بقية نشاط جسم الإنسان.
وبالتالي تصبح الوسطية هي القانون الأنسب وهي الفضيلة التي أشير إليها في التعاليم الإسلامية المباشرة الميسرة قرآنا وحديثاً وهناك العديد من الآيات المؤيدة لاتجاه الوسط والوسطية ولا جدال في ذلك.
والحقيقة إن الافراط والمغالاة هما السبيلان غالباً إلى الفشل وهنا يصبح «التوسط» ضرورياً من باب الحيطة والحذر وذلك بالابتعاد عن المغامرات غير المحسوبة النتائج.
وهناك الكثير من الدروس والعبر التي أكدت أن سبيل التوسط والاعتدال الأسلوب الأمثل، ولعل أحداث الحروب الأوروبية في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين أضحت تجارب وعظة لمن يعي ويفهم في هذا الجانب.
ولما لهذين الدرسين من أهمية في تجنب الفشل فإن المفكرين «الايديولوجيين» في أمريكا تغافلوا عن ذلك لتصبح حركة الأقدار أقوى من نصائح الحكمة والاتزان في حين ينطبق الأمر نفسه مع الكيان الصهيوني حيث يمارس ومنذ لحظته الأولى أشنع أساليب العدوان والغدر والخداع والتوسع الدائم وبهذا القدر من ممارسة الجرائم والاستيطان والتقتيل إلا أنه سينال فشلاً ذريعاً لأنه فاته حس التوسط كما مات نابليون فقضي عليه وكذلك هتلر والمآل نفسه للكيان الصهيوني.كذلك اليوم هناك نزعات عدوانية تعصف بالامة العربية بلدعربي مسلم بكافة مقوماته وامكانياته مسخرة للعدوان على بلدعربي مسلم اخروتظل الحقيقة ان
للمجتمعات وحضاراتها أعمار ولها بدايات ثم فترة الازدهار حيث القوة والمجد ثم تصير كل المجتمعات وكل الثقافات إلى مصير محتوم هو الشيخوخة ثم التحلل ثم الموت وكذلك كل العمليات الجمعية مثل الحروب وانشاء التنظيمات السياسية والقانونية والاقتصادية الكبرى فكلها تتبع دورات في وسط كل دورة تبلغ العملية أقصى قوتها ثم تدور الدوائر بالحتم في الاتجاه النازل.
وبالتالي فإن الطبيعة ترغمنا على التوسط فمن يأكل افراطاً يقول تكاد معدتي تنفجر وفي هذه الحالة لابد من التسليم يقيناً من الاعتدال والتوسط خير دليل وخير سبيل إلى النهاية القائمة بالرضا والقبول.
وعلى هذا الاتجاه قد تهذب النفوس ويستقيم السلوك ونجنب أنفسنا آفة التطرف المقيت الذي يذهب بأصحابه إلى الهاوية.. ولنقي أنفسنا من التعصب المذهبي والإفراط في الانحياز إلى أطراف بعينها أو طرف بعينه.
إن الحرص على الدعوة لاتجاه الوسط والوسطية يأتي مؤيداً بهذا الحكم القرآني البليغ «قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق» فلا غلو في الدين باستثناء ما هو حق ومن هنا تأتي حدود الوسطية أو التوسط فلا تكون في الدفاع عن العرض والدين والوطن.