ما أحوجنا في هذه الأيام التي شاع فيها التطرف الفكري والديني والسياسي إلى الوسطية والأعتدال التي تفتح أبواب العقول والقلوب علي الحياة،
وتُعلي من قيمة التعايش والإخاء واحترام الأخر مهما كانت قناعاته، وسطية تقاوم الموروثات الثقافية التي تدعو للانغلاق والتقوقع , وسطية تسعي إلى مد جسور الثقة بين بني البشر بعيدا عن النعرات الطائفية، وكافة أشكال التميز التي تفسد علي الإنسان إنسانيته، وتدخله في صراعات وحماقات لا يجني منها سوى الأزمات والمشكلات، فالوسطية المتزنة التي تنأي بالعقل عن الشطط والغلو هي السبيل الوحيد لضمان وحدة وسلامة المجتمع من استنزاف طاقاته في صراعات الكراهية والفتنة، والانقسام والتشرذم فكلما زاد إيمان المجتمع بالوسطية والتعددية، أزداد تماسكاً حيث تكمن أهمية الوسطية في سعيها الدائم إلي تعضيد فكرة الوفاق والتوافق دون إفراط أو تفريط، مع مراعاة الواقع وضرورياته و أولوياته، فقد أثبتت التجارب أن الوسطية ضرورة ملحة في كل المناحي الإنسانية والحياتية لمواجهة أصحاب الخلل الفكري الذين انتقلوا من دائرة التفكير للتكفير وأخيرا للتفجير وإراقة الدماء, إلا إننا نجد بعض من العلماء العاملين والمصلحين من أهتم لأمر المجتمعات التي باتت ضحية ذلك التطرف الفكري والديني , فالوسطية و الاعتدال في عقيدة المصلحين ليس مجرد شعارات انتهازية ولقلقلة لسان ودعاية إعلامية، لتحقيق مكاسب شخصية، كما نسمعه من الأصوات التي تغذي وتدعم وتحتضن في واقعها العنف والتطرف …
الاعتدال والوسطية منهج تمسك به وجسده في سلوكه ومواقفه،ودعا إليه المرجع العربي الصرخي في بياناته ومحاضراته ولقاءاته، واعتبره أساس لبناء الشعوب وعمارة الأوطان حيث قال: (( لا تبنى الأمم بقوة السيف والبطش والقمع والإرهاب والرشا والإعلام الزائف والمكر والخداع….بل بالفكر والمجادلة بالحسنى وبالإنسانية والرحمة والأخلاق))،مؤكدا على ضرورة أن لا يكون للاختلاف في العقيدة والفكر انعكاسات سلبية على السلوك والموقف، حيث يقول:
((الاعتقاد في القلب بينه وبين الله، نحن نرفض انعكاسات ما يعتقد به الإنسان على الخارج، تكفير الآخر بالرأي، سواء أكان على أساس الدين أو القومية أو العرق أو المذهب أو أي عنوان من العناوين، هذا الشيء مرفوض وهو أن ينعكس إلى الخارج كسلوك عملي إجرامي تكفيري، والمفروض أن نرفضه سواء كان على أنفسنا أو على الآخرين…))،
وأخيراً الوسطية لا تعني بالضرورة الوقوف في منتصف الطريق بين عقيدة وخلافها، وبين الفكرة ونقيضها وبين التوجه وعكسه، وإنما تعني حالة من التعقل والتروي وتفهم الأخر واعتماد فضيلة الحوار كمنهج وأسلوب للنقاش الذي يبني ولا يهدم، إن الوسطية إلي جانب معانيها اللغوية والاصطلاحية التي تنطوي علي العدل والخير، فهي تحقق للإنسان السلام الفكري والروحي لأنها تخلق له حالة من التوازن.