الوسطية لأنّها حدث أخلاقي ومنهج فكري تمثل العدل وخيار الإنسان السويّ، كونها تمثّل أفضل الأمور وأحسنها وأنفعها للناس لاعتدال منهجها الحياتي، وحتى يعيش الوطن وأبناؤه حالةً من التسامح الديني والتسامي الاجتماعي وردم الخلافات أيّاً يكن شكلها، كان الركون لها كحلّ ناجع كونها مجرّدة عن موقف الانحلال والتشديد، وأحد أسباب النجاة بوعيها الخلّاق وجدلها العلمي المهني وإحاطتها الفكرية الشاملة، المحصّنة بالانتماء الوطني للفرد النابع من إيمانه الحقيقي بالنصر على المغرضين وما طرحوه من ثقافات هدّامة اتسمت بالعداء والوحشية والحقد الدفين، وكما فعل وأسّس دعاة الفكر الظلامي بمجمل إجرام عصابات الخوارج المارقة، ليكون الخيار الأنفع هو دعم رموز الوسطية الذين هدّموا مباني رموز التكفير و فضحوا تدليسهم وإجرامهم.
فلو تمعنا في مجرى تطور الوسطية خلال تاريخها الطويل ، لوجدنا أنها قد تحولت من حقيقة ذي نطاق واسع في مفهومها ووظيفتها وصيغتها الإنسانية، إلى ظاهرة هامشية لا تُعتبر ولا يؤخذ بها كحل ناجع لكل المعضلات المزمنة والمتجذرة في ايديولوجيات ونفوس وأهواء الكثير من البشر، من المتصدين للقرار الحياتي و المجتمعي، وحتى البسطاء من عامة الناس إما بجهل او لاعتبارات خارجة عن إرادتهم، بتأثير المتسلطين من المتصدين، رغم صلتها الوثيقة بالحياة ،خاصة وإنها أي الوسطية استطاعت ان تستقل بظاهرها وباطنها ومكنون تعبيرها النبيل، كإبداع له كيان بذاته، لتضفي على معانيها السامية المزيد من الانحياز الجمالي المتمثل بنشر أواصر التفاهم و التعايش والمحبة وقبول الآخر بمختلف توجهاته العقدية والثقافية، لتمحق كل تهميش وإقصاء وتجاوز على الذات الإنسانية وتكتسب ورموزها في نفس الوقت العنوان الإنساني النبيل الذي يعلو على كل فوارق التطرف التي عملت وتعمل على تمزيق النسيج المجتمعي الواحد.
ورغم النظرة التشاؤمية التي ينظر بها رموز التطرف الى دلالة الوسطية الرفيعة، وعداوتهم لها بكل ما أوتوا من سطوة تهورية و قوة إعلامية وقدرة مادية، على تأسيس رغبة جامحة ترفع من مستوى الكراهية للفكر الوسطي، وذلك بإنشاء مراكز و مدارس متخصصة، وظيفتها تفعيل وتدريس المناهج الإقصائية التي أنتجها رموز التطرف والتكفير وتجنيد أئمة مضلون ودعاة مدلسون، لتعادي كل معاني جميلة اتصفت بها الوسطية .
ومع إن هذه المدارس جاءت إدراكا لضرورة مبيتة الغاية منها توفير أساسات تعليمية معتمدة تعد وعلى الأمد البعيد لتضرب كل ما هو جميل من الفكر المعتدل سواء كانت العقائد الإسلامية السمحاء، أو باقي العقائد في الديانات السماوية الأخرى ،لتستفحل بنتاجها بغورها في مفاصل الحياة المجتمعية بحرية وراحة، في مقابل دور ضئيل من المجابهة الفكرية التي من شأنها ان توقف تمدد نتاج التطرف وسفاهة رموزه وعلى مدى عقود من الزمن .
ليكون لزاماً على رموز الاعتدال المعاصرين الدعوة الى مناهضة التطرف الفكري والتصدي لمقارعته فكرياً، بعد قراءة الواقع وتقدير فداحة الخطب العصيب الذي نزل بالمجتمعات عامة والإسلامي خاصة، بسبب ما أضمرته نفوس الخوارج المارقة الحاقدة والحاسدة من سخط وضغينة بصُنعها الإرهابي، ليقطعوا جذور طغاة الفكر المتطرف الداعشي، ويبيّنوا كذبهم على الله تعالى وتدليسهم على نبيّه الأكرم محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتجاسرهم على آل بيته الأطهار ( عليهم السلام) وبغيهم على صحابته الأجلّاء ( رضوان الله عليهم) ليعمّ الخير الناس جميعًا، وتزدهر الحياة باعتدالهم ووسطيتهم، وتندثر دولة الخلافة الداعشية المزعومة.
وهذا ما لمسته الساحة الفكرية المختصة بالوسطية والاعتدال مؤخراً من تصدي المحقق الصرخي بنتاجه الوسطي والمعتدل العقائدي والتاريخي، الذي هدم ما طرحه رموز التطرف الفكري المارق، من فكر متدني مبني على ظلامات أسطورية وخزعبلات وثنية وحسب ما أثبته المحقق وبشكل مهني بفيض محاضرات عقائدية وتاريخية ملأت الساحة العلمية المعنية بالوسطية والإعتدال أملاً وضياء .