23 ديسمبر، 2024 7:01 م

-1-
إنّ مما يتميّز به المستقيمون من غيرهم ، أنهم يبتعدون عن الممارسات المحفوفة بالشوائب ، وانهم لا يمالئون أحداً من اجل إرضائه على حساب ما تقتضيه الموازين …

انهم لا يشهدون بالباطل لصالح السلاطين ، وإنَّ غضبوا عليهم ..!!

ومعنى ذلك :

انهم يخشون الله ولا يخشون الناس

-2-

وقد اصطنع الطغاة والجائرون طقوساً معيّنة، للتظاهر بأنهم متمسكون بأهداب الحق والدين ، يخدعون بذلك أنفسهم ويضحكون على ذقون الناس …!!

ومن جملة ما اصطنع سلاطين بني امية من طقوس :

ان ما يُجبى اليهم من اموال ، يصل اليهم مع فريق من أخيار بَلَدِ الإرسال ، ويقوم هؤلاء بأداء اليمين أمام السلطان انّ المال الواصل لم يؤخذ من الناس الا بوجه شرعي صحيح ..!!

وحينها يامر السلطان بايداعه في بيت المال …

انها مسرحية محبوكة الفصول …

كيف ؟

لقد اوصى (سليمان بن عبد الملك) أسامة بن زيد التنوخي حين بعثه واليا على مصر قائلا:

” احلب حتى ينقيك الدم ،

فاذا أنقاك الدم فاحلب حتى ينقيكَ القيح !

لا تُبقِها لأحدٍ بعدي } المقفى الكبير / ج2 /ص25

وهذه الوصية صريحة بأنّ الهمّ الحقيقي للسلطان، هو الاستحواذ على الأموال، وتسويغ استخدام الوسائل البشعة الرهيبة لانتزاعه من الناس ، مهما بلغت درجة الإعنات ..!!

وسليمان بن عبد الملك لم يكن من أشدّ السلاطين عسفا وظلما ، فكيف بمن كان يفوقه عسفا وظلماً ؟!

ونقرأ في ترجمة (اسماعيل بن عبيد الله ابي المهاجر) ت 132 هجرية:

انه رافق وفد افريقية الذي حمل الخراج الى سليمان بن عبد الملك .

وحلف قومٌ من الوفد ، ولكنّ اسماعيل رفض الحلف، ونكل بنكوله (السمح بن مالك) ، وقالا :

{ لا نحلف لانه أُخِذ على الظلم والغشم ،

فأمر سليمان بن عبد الملك بردّ المال ،

وأعجب عمر بن عبد العزيز ما كان من فعلهما }

وبالفعل انه موقف يُشكران عليه، ويُوجب تقدريهما والثناء عليهما .

والموقف الشريف لن يضيع ، لا في الدنيا ولا في الآخرة …

وماذا كان الحصاد ؟

انّ عمر بن عبد العزيز حين آلت اليه الخلافة :

(ولىّ (اسماعيل) افريقية على حربها وخراجها وصدقاتها ، والسمح بن مالك، الأندلس، كان ذلك سنة 100 هجرية .

(المصدر السابق / 74 )

يقول التاريخ :

ان اسماعيل سار بالناس أحسن سيرة ،

فلم يبق في ولايته من البربر أحد الاّ أسلم

وهنا لابد من الوقوف عند نقطتين :

1 ) انّ أكبر رصيد للانسان هو ثباته واصراره على الاصطفاف مع الحق والعدل ، بعيداً عن الزيغ والانحراف الى الحسابات الدنيوية الخاطئة

وهكذا قادت شهادة (اسماعيل) و(السمح) الى اختيارهما، بعد حين، لأخطر منصبين في افريقية والاندلس …

2 ) ان اختيار ذوي الاستقامة للمناصب الخطيرة يقود الى نتائج باهرة .

ان البربر في افريقية سارعوا الى اعتناق الاسلام حين راوا الوالي شريفا منصفا …

والعكس صحيح

انّ الظلوم الغشوم يُثير في الناس نزعة التمرد والجحود .

ولهذا قيل :

لابُدَّ من وضع الرجل المناسب في المكان المناسب

والسؤال الآن :

متى يستطيع (العراق الجديد) ان يتخلص ممن جاءت بهم المحاصصات وسلطّتْهُم على الرقاب فَأَرْهَقَتْها بليالي العذاب ؟!

المارد الذي خرج من القمقم لن يطيق الصبر بعد اليوم .

[email protected]