-1-
إنّ مما يتميّز به المستقيمون من غيرهم ، أنهم يبتعدون عن الممارسات المحفوفة بالشوائب ، وانهم لا يمالئون أحداً من اجل إرضائه على حساب ما تقتضيه الموازين …
انهم لا يشهدون بالباطل لصالح السلاطين ، وإنَّ غضبوا عليهم ..!!
ومعنى ذلك :
انهم يخشون الله ولا يخشون الناس
-2-
وقد اصطنع الطغاة والجائرون طقوساً معيّنة، للتظاهر بأنهم متمسكون بأهداب الحق والدين ، يخدعون بذلك أنفسهم ويضحكون على ذقون الناس …!!
ومن جملة ما اصطنع سلاطين بني امية من طقوس :
ان ما يُجبى اليهم من اموال ، يصل اليهم مع فريق من أخيار بَلَدِ الإرسال ، ويقوم هؤلاء بأداء اليمين أمام السلطان انّ المال الواصل لم يؤخذ من الناس الا بوجه شرعي صحيح ..!!
وحينها يامر السلطان بايداعه في بيت المال …
انها مسرحية محبوكة الفصول …
كيف ؟
لقد اوصى (سليمان بن عبد الملك) أسامة بن زيد التنوخي حين بعثه واليا على مصر قائلا:
” احلب حتى ينقيك الدم ،
فاذا أنقاك الدم فاحلب حتى ينقيكَ القيح !
لا تُبقِها لأحدٍ بعدي } المقفى الكبير / ج2 /ص25
وهذه الوصية صريحة بأنّ الهمّ الحقيقي للسلطان، هو الاستحواذ على الأموال، وتسويغ استخدام الوسائل البشعة الرهيبة لانتزاعه من الناس ، مهما بلغت درجة الإعنات ..!!
وسليمان بن عبد الملك لم يكن من أشدّ السلاطين عسفا وظلما ، فكيف بمن كان يفوقه عسفا وظلماً ؟!
ونقرأ في ترجمة (اسماعيل بن عبيد الله ابي المهاجر) ت 132 هجرية:
انه رافق وفد افريقية الذي حمل الخراج الى سليمان بن عبد الملك .
وحلف قومٌ من الوفد ، ولكنّ اسماعيل رفض الحلف، ونكل بنكوله (السمح بن مالك) ، وقالا :
{ لا نحلف لانه أُخِذ على الظلم والغشم ،
فأمر سليمان بن عبد الملك بردّ المال ،
وأعجب عمر بن عبد العزيز ما كان من فعلهما }
وبالفعل انه موقف يُشكران عليه، ويُوجب تقدريهما والثناء عليهما .
والموقف الشريف لن يضيع ، لا في الدنيا ولا في الآخرة …
وماذا كان الحصاد ؟
انّ عمر بن عبد العزيز حين آلت اليه الخلافة :
(ولىّ (اسماعيل) افريقية على حربها وخراجها وصدقاتها ، والسمح بن مالك، الأندلس، كان ذلك سنة 100 هجرية .
(المصدر السابق / 74 )
يقول التاريخ :
ان اسماعيل سار بالناس أحسن سيرة ،
فلم يبق في ولايته من البربر أحد الاّ أسلم
وهنا لابد من الوقوف عند نقطتين :
1 ) انّ أكبر رصيد للانسان هو ثباته واصراره على الاصطفاف مع الحق والعدل ، بعيداً عن الزيغ والانحراف الى الحسابات الدنيوية الخاطئة
وهكذا قادت شهادة (اسماعيل) و(السمح) الى اختيارهما، بعد حين، لأخطر منصبين في افريقية والاندلس …
2 ) ان اختيار ذوي الاستقامة للمناصب الخطيرة يقود الى نتائج باهرة .
ان البربر في افريقية سارعوا الى اعتناق الاسلام حين راوا الوالي شريفا منصفا …
والعكس صحيح
انّ الظلوم الغشوم يُثير في الناس نزعة التمرد والجحود .
ولهذا قيل :
لابُدَّ من وضع الرجل المناسب في المكان المناسب
والسؤال الآن :
متى يستطيع (العراق الجديد) ان يتخلص ممن جاءت بهم المحاصصات وسلطّتْهُم على الرقاب فَأَرْهَقَتْها بليالي العذاب ؟!
المارد الذي خرج من القمقم لن يطيق الصبر بعد اليوم .