مفاتيح دول أوروبا بيد باريس في تعاطيها مع الولايات المتحدة الاميركية وقرارها “اعادة ايران لوضعها الطبيعي”.. هذا ما يبدو من النزاع الأوروبي – الأميركي حول النووي الإيراني فاعتماد أوروبا على باريس لامتلاك باريس هامش من الحرّيّة في قرارها السياسي بمعزل عن أميركا وهو ما تجلّى بوضوح باللوم الايراني لباريس مؤخرا كلما اقتربت طهران من حافة الهاوية.. وتفاعل ذلك الهامش بقدر ما يفصح عن تجاذب حدث ويحدث بين المخابرات الفرنسية والمخابرات الأميركية سابقا ,ولاحقًا.. عن أحقية سابقة لباريس في امتلاكها بيدها ملف الخميني أثناء عمليّة إزاحة شاه إيران واستبداله بالولي الفقيه حاكمًا لطهران ..
علاقة سياسية عميقة ما بين باريس وطهران لو أدركنا حجمها الحقيقي يكشفها ملف إيران النووي والتي اعتبرت العاصمة الفرنسية نفسها بديلا عن الرعاية الأميركية لإيران وكوريث بديل عن أميركا التي كانت قد ورثت ملف طهران ضمن وراثتها ملفات بريطانيا في الشرق الأوسط..
فيما لو تقصينا ووسّعنا دائرة التقصّي وتحرّينا لن نفاجأ بحجم المساحة البنائية السياسية والتخابرية ما بين فرنسا وبين عناصر “الثورة الاسلامية” بمراحلها المختلفة لغاية ما تجسّدت بالإمام الخميني وبأتباعه حين استقبلت باريس الإمام والتي سبق وانضوى تحت عباءتها طالب الماجستير والدكتوراه العراقي عادل عبد المهدي رئيس وزراء العراق الحالي أنفقت بغداد على مشواره “العشريني” بباريس وعلى نفقة بغداد ,حينها كان عادل عبد المهدي تحول الى أحد أفراد الحرس الثوري الايراني دون علم بغداد, حين:
بدء انطلاق شرارة “الثورة الاسلامية” من فرنسا
نزول الخميني بمطار طهران بطائرة فرنسية وعبد المهدي أحد رفقائه
مسعود رجوي وزوجته مريم رجوي “المحجبة” استقبلتهم فرنسا استعدادا تحسبا لاحتمالية تغيير جذري ثان في إيران بدأت باستقبالها ل”بني صدر”..
ومن هنا ندرك استماتت الرئيس الفرنسي ماكنرو في تبنيه الملف الايراني وجمعه “الضدين” كممارسة ضغط خفية على النظام الايراني الحالي عبر امتدادات من داخل النظام لا زالت مرتبطة بباريس.. وفي نفس الوقت باريس تساوم ترامب ابقاء ملف ايران بحوزتها لما بعد خامنئي وهو لربما جوهر “التثاقل” الفرنسي ومن ورائها ألمانيا وأوروبا في محالفة ترامب عسكريًّا وسياسيًّا ضد طهران كي لا تخرج خالية الوفاض كما حدث سابقًا!..
ترك عبد المهدي “دليل الجريمة” عندما أخبر ماكنرو عند زيارته لباريس: “أنني أقمت في فرنسا مدة عشرين عامًا”! وكأنه يذكره بخدماته التخابرية المتبادلة حينها كتمهيد من المهدي لتسويق نفسه بـ “أهمّيّتة” في سعيه كهمزة وصل ما بين طهران وباريس وكوسيط لملف طهران النووي متجاهلًا مهام منصبه في العراق تماما!..
قد نكون أدركنا أهمّيّة السيد المهدي لدى طهران أوكلت إليه مهام التوسط بينها وبين أميركا وحلفائها فدفعته كرئيس لوزراء العراق لأجل ذلك ولربما كان ذلك أهم أسباب انشغال عبد المهدي عن قضايا العراق خاصة وانشغاله أكثر وقد عولت عليه طهران خدماته بإمساكها جميع خيوط السياسة الخارجيّة العراقية بمساعدة وزير خارجيته الحكيم! وإخضاع سياسة البلد ضمن مسارات سياسة طهران وهي تعاني ارتباك مشهدها السياسي العام وترنحه أمام العالم وهي تخوض صراع البقاء مدركة تمامًا وبوقت مبكر أنّ هناك شرارة بدء تغيير سياسي شامل في العراق ليس في صالحها, فإفلات العراق من قبضتها يعني شلل لبقية أذرعها والانتحار جوعًا وانطمار مشروعها “الهلال الشيعي”..
…