في الثاني والعشرين من شباط من عام 1958 تم الاعلان عن ولادة اول وحدة عربية بين مصر وسوريا بعد سنوات ظل هذا الحلم يراود الملايين من ابناء الشعب العربي في ارجاء وطننا الكبير ,, وقد مرت هذه الذكرى مرورا عابرا الا عند عدد قليل من القوميين العرب ولاسباب عديدة من ابرزها حدة الازمات والخيبات التي اثقلت كاهل المواطن العربي وفشل التيارات القومية في توحيد صفوفها والصراعات التي وصلت حد التصفيات الجسدية في ما بينها ما افقدها تدريجيا بريق الشعارات وثقة الجماهير العربية وسهلت على اعدائها استهدافها ..
لست هنا في معرض تقييم هذه التجربة التي اغناها الكثير بالبحوث والدراسات متناولين اخطائها واسباب وأدها وغير ذلك .. غير انها كذكرى اعادة الى ذهني محاورة عابرة في مطار اتاتورك التركي مع احد المتأسلمين العراقيين وهو ينتقد ويهاجم الفكر القومي بشكل عام مستشهدا بمواقف الا تاتوركيين المتعصب برغم انهم يحملون شعار العلمانية !
لم يكن الوقت يسمح بحديث مطول معه كما انه وكما يبدو تذمر من اجاباتي عندما قلت له ان القومية الحقيقية وكذا القومي الحقيقي ،وكما يفترض ،ينبغي ان تكون بعيدة عن التعصب العمى وان تحترم القوميات الاخرى مهما اختلفت معها .. حيث انه ما ان سمع باجابتي حتى انتفض ورد بنبرة يبدو عليها السخرية هل هنالك قومي حقيقي وآخر غير حقيقي ؟!.. فقلت له بهدوء في كل شيء في الحياة هنالك متناقضان مزيف وحقيقي وفي مجال الافكار يبدو هذا الموضوع جليا اكثر فهنالك من يؤمن حقا بالقومية او الماركسية او اية فكرة اخرى وهنالك من يرفع شعاراتها من دون وعي وهذا ليس بالخطر مثلما هنالك من يتاجر بهذه الشعارات لغايات اخطرها هو تشويها خاصة عندما تكون قوية ومؤثرة بين الناس . كما ان الاسلام كدين تعرض لاخطر الهجمات على مر التاريخ من قبل من تاجربمبادئه بقصد استهدافه من داخله عندما حرفوا تفسير ايات الله واولوا احاديث رسوله الكريم محمد صل الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم .. ولكي اوصل الفكرة اليك اعطيك امثلة ليس من التاريخ القديم بل من واقعنا حيث ان التطرف الديني الذي فرخ الطائفية وعصابات القتل المنظم وتكفير الناس والقاعدة وداعش وغيرهما من التنظيمات الارهابية ،قد الحق الاذى بالاسلام وتعاليمه السمحاء الداعية للتسامح والمحبة وتقديس الحياة وحرمة قتل النفس ..
لم يعجبه كلامي وبدأت علامات الغضب تظهرعلى ملامح وجهه خاصة وان اربعة شباب عراقيين استحسنوا الفكرة ودخلوا هم ايضا في النقاش مؤيدين فكرة ان التطرف مرفوض دينيا او قوميا وان بالامكان معرفة المؤمنين حقا بالقومية او الدين من خلال ممارساتهم واسترسلوا بحديثهم لينتقدوا سلوكيات احزاب اسلاموية طائفية لم تجلب للعراق غير الدمار والقتل والفساد واستأثروا بالمال العام .. لم يتحمل صاحبي اكثر فهرب وهو يردد ( علمانيين قوميين كفار ) !
اخيرا .. اقول ان الخلاصة التي خرجت بها من هذه المحاورة السريعة بان البعض ومع الاسف ما زال بعيداً عن مبدأ احترام الاخر ويسهل عليه كيل الاتهامات على صاحب اية فكرة تعارضه وربما لا اكون منحازا بشكل اعمى اذا قلت ان قوميتنا تعرضت وما زالت لاكبر حملة تشويه من قبل الاسلامويين او سواهم من ادعياء الايمان بالماركسية .. اما المسلم او الماركسي الحقيقي فيمكنه بنقاء وطهارة ايمانه بالفكر الذي يحمله ان يعي بان قوميتنا انسانية وهذا حديث يطول شرحه .