23 ديسمبر، 2024 12:15 ص

الوجه المشرق لكورونا …!!!

الوجه المشرق لكورونا …!!!

اتذكر مقولة لاحد اصدقائي الفنانين ، الذين يجيدون الرسم باحترافية ، اطلقها عندما كنا خارج المدينة في سفرة . وفي طريق عودتنا ، وكان وقت العصر ، وكانت الشمس تلوح في الافق معلنة بعد قليل الغروب اشار هذا الصديق الفنان بأصبعه الى افق السماء الذي اصطبغ بلون برونزي قال ” كنت اتمنى ان ارسم جمال هذا المشهد ولكن سحب الدخان التي اضفت عليه قتامة سوداء شوهت جماله الطبيعي والنقي .
الموقف هذا تذكرته اليوم وانا اتطلع الى افق السماء من سطح منزلي في ظل حظر تجوال اجباري جراء تفشي فايروس كورونا . فكان مشهد الافق اليوم اختلف كثيرا عن المشهد السابق في الامس البعيد حين بانت ملامح الافق الجميلة وعادت ملامحه الصافية النقية . فكان منظر غروب الشمس صادق بكل شفافية دون ان تتدخل فيه صناعة البشر المشوهة والقبيحة .
تساءلت .. لماذا اليوم ليس كباقي الايام الماضية .. انه الكورونا ياسادة الذي فرض سيطرته على العالم واوقف جميع نشاطات الانسان الصناعية والتجارية وحركة سير المركبات الارضية منها والجوية . الكورونا .. انه الداء وانه الدواء . فهو من جهة جائحة مرضية عالمية احدث زلزالا صحيا بين شعوب الارض قاطبة. واخضعها كرها اوطوعا الى قوته الجبارة.
انه زمن الكورونا ياسادة . وعصر الكورونا الذي سيغير خارطة العالم في جميع مناحي الحياة . وهو الخط الفاصل قبل هذا الزمن وبعد هذه الايام . وسيشهد العالم تحولا كبيرا في التعامل مع معطيات جديدة وازمات جديدة ورؤى تختلف كل الاختلاف عما سبقها ولم يعهدها بل لم يخطط لها العالم في السابق .
وعلى الرغم ان العالم حاليا مشغول بطاعون العصر وما يحصده من ارواح ويفتك بأقتصاديات البلدان المتقدمة منها والنامية . فلم تستطيع اي دول الصمود بوجهه حتى المتقدمة منها ان توقف زحفه والتي اكتشفت بنفسها مقدار ضعفها وخواءها على الرغم من تبجح بعضها بقوتها وسلطانها وتطلق على نفسها دولا كبرى او عظمى .
الا ان لكورونا وجه مشرق . ووجهه المشرق انه استطاع من تخفيض نسب التلوث البيئي الى مديات قياسية لم يألفها العالم منذ سنين طوال . تؤكد التقارير العالمية ان كورونا خفض نسب غاز ثاني أكسيد النيتروجين (NO2) المنبعث من الصناعة وحركة سير المركبات الى اكثر من النصف . بل اوقفه في ايام . وتقول التقارير انه ارتفع عدد الأيام التي كانت فيها السماء صافية من التلوث في الصين بنسبة 21.5% . وهنالك نسب وصلت الى 48 % في مناطق اخرى في العالم جراء توقف النشاط الصناعي . كما شهدت انهار العالم نقاءا وصفاءا غير مسبوق . وتشير التقارير ان سكان مدينة البندقية المغمورة بمياه البحر اصبحوا يرون الاسماك من شدة نقاوة المياه .
ويتسائل اخرون ويقولون ان ” وباء ” كورونا فتك بالبشرية ووصلت ضحاياه الى رقم كبير . واقول ان التلوث البيئي كان ومايزال اشد فتكا من اي وباء . والتقارير العالمية تشهد على ذلك . حيث وجد أنه نتيجة لشهرين من الحد من التلوث، نجا 4000 طفل دون سن الخامسة و73 ألف بالغ فوق سن الـ 70 في الصين.
بالطبع فإن هذا العدد أكبر بكثير من عدد الوفيات العالمي الحالي من الفيروس نفسه هناك. وأن انخفاض معدلات تلوث الهواء سينقذ حياة أشخاص بمقدار يعادل 20 ضعفا من عدد الوفيات نتيجة كورونا هناك. مع الأخذ بعين الاعتبار الكم الهائل من الأدلة على أن تنفس الهواء الملوث يسهم بشكل كبير في الوفيات المبكرة. وتفيد بعض الدراسات أن تلوث الهواء يسلب من عمر الإنسان ما يقدر بثلاث سنوات من متوسط العمر المتوقع العالمي.
ويقدر بعض الباحثين أن كلا من عدد الوفيات والخسارة المتوقعة في العمر نتيجة تلوث الهواء تنافس تأثير تدخين التبغ كما أنها أعلى بكثير من أسباب الوفاة الأخرى، حيث يتجاوز تلوث الهواء الملاريا كسبب عالمي للوفاة المبكرة بـ19 ضعفا، والعنف بـ 16 ضعفا، وفيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) بـ9 أضعاف، والكحول بـ 45 ضعفا، وتعاطي المخدرات بـ60 ضعفا.
وتثبت هذه الكارثة الصحية العالمية على اهمية استغلال هذه الفرصة للتقييم لتحديد وترتيب جوانب الحياة الحديثة الأكثر ضرورة لضمان الاستمرار الآمن للنوع البشري، ومعرفة التغييرات الإيجابية التي قد تكون ممكنة إذا قمنا بتغيير عاداتنا على نطاق عالمي. ولنبدأ من الآن .!