22 ديسمبر، 2024 11:39 م

الواقع ونفس الأمر

الواقع ونفس الأمر

قالوا لا مشاحة في الإصطلاح، وهذا الأمر قد يتسبب الى الوقوع في فخ الشبهات والفهم المغلوط لمن يجهل المعنى الاصطلاحي أو يغفل عنه!، لأن الإنسان بطبعه يحمل الكلمة على معناها اللغوي أو أحد المعاني الإصطلاحية التي يعرفها من علوم أخرى أو نفس العلم وبالتالي سوف يقع في الخطأ لأن المعنى المراد هو مغاير للمعنى اللغوي أو المعنى الاصطلاحي الاخر الذي يشاركه بنفس الكلمة….
والأمثلة كثيرة وقد كتبت مقالا بعنوان (شيء عن الموضوع) تعرضت فيه إلى ستة معاني إصطلاحية مختلفة لكلمة “موضوع”…
وأحب أن أضرب مثالا اخر من علم أصول الفقه/مبحث الضد، حيث أن الأصوليين قالوا: أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده…
فإن لإقتضاء في كلمة “يقتضي” ليس المراد منها الإقتضاء الفلسفي أي المقتضي الذي هو جزء العلة بل إن مرادهم من كلمة يقتضي هو الدلالة اللفظية بأحد أقسامها الثلاثة: المطابقية أو التضمنية أو الالتزامية بحسب ما يذهب اليه الاصولي…
إن الواقع أيضا له عدة معاني إصطلاحية وفي هذا المقال أود تسليط الضوء على اصطلاح الواقع ونفس الأمر معتمدا بذلك على معين المحقق الأكبر السيد الشهيد محمد الصدر(قدس سره)…
إنه بحق معين لا ينضب وباب ينفتح منه ألف باب..
وسوف يتضح جليا المعنى الاصطلاحي لعالم الواقع ونفس الأمر ولكن شريطة أن يكون القاريء قد أستوفى بعض المقدمات الضرورية وعلى الله التوكل…
حيث قال قدس سره مبينا معنى الواقع ونفس الأمر:
(…. عالم الواقع أو عالم نفس الأمر، هو ما عبر عنه بعض الكلاميين: أنه عالم الماهيات الثابتة، ولا يأتي بما يسمى الحال بإعتبار كونه وسطا من الماهيات لا موجود ولا معدوم.
والنسبة بين عالم الواقع وعالم الخارج هو العموم المطلق بالحمل الشائع، أي تطبيقا وخارجا وموردا. فكل خارج واقع ولا عكس. وبعض الواقع ليس بخارج فحينما نتحدث عن الواقع نتكلم عن حصة خاصة منه، وهو ما ليس بخارج.
وينتج من هذا إن قوانين عالم الخارج، لا تشمل الحصة الأخرى من عالم الواقع، لكن قوانين عالم الواقع تشمل عالم الخارج.
ومن جملة ما ينتج من ذلك: إن الخارج الذي بين يدينا ليس كله خارجا، بل هو مركب بالدقة بين ما هو واقع وما هو خارج.
مثلا الفوقية: فإن ما هو موجود في الخارج هو السقف والأرض. لكن نسبة أحدهما إلى الآخر ليست خارجية، بل جزئي واقعي لأن فرق الخارج عن الواقع هو أن الخارج من قبيل عالم الأجسام والمحسوسات. ولكن الإضافة كالفوقية والبنوة هي صادقة وموجودة حقيقة، لكنها غير موجودة في الخارج كخارج، ونتخيل أنها محسوسة. بالرغم من أنها ليست كذلك.
فعالم الواقع يستوعب ويحتوي كل ما هو كلي وما هو جزئي، وما هو تصديقي وما هو تصوري، ولكن عالم الخارج يحتوي على ما هو تصوري وجزئي فقط. فهو أضيق بكثير من عالم الواقع.
فالقضايا التصديقية، كلها تصدق في عالم الواقع، وأما الموجود خارجا، فهو تصورات أطرافها فقط.
لا تصديقاتها، فضلا عن وجود النسب والمعاني الحرفية فإنها كلها موجودة في عالم الواقع. وكذلك سائر الهيئات والنسب التامة والناقصة.)) [المصدر منهج الأصول الجزء الثاني تأليف السيد محمد الصدر]..
أنتهى القسم الأول ويليه القسم الثاني أن شاء الله..