23 ديسمبر، 2024 4:51 ص

الواقعية الفوتغرافية في رواية ” الطوق ” لغريب عسقلاني

الواقعية الفوتغرافية في رواية ” الطوق ” لغريب عسقلاني

ابراهيم الزنط، ابن مخيم الشاطئ في قطاع غزة، أو غريب عسقلاني، كما هو معروف بين الأوساط الأدبية والثقافية الفلسطينية، يُعد أحد أعلام القصة والرواية الفلسطينية، وله حضوره المضيء والساطع في المشهد الأدبي الثقافي الإبداعي الفلسطيني، ومن المساهمين في بناء وتأسيس الحركة الأدبية تحت حراب الاحتلال بعد العام 1967.

وهو كاتب غزير، كتب وأنتج ونشر الكثير من القصص القصيرة والروايات، التي تدور موضوعاتها حول الوطنية والكفاح الوطني والمقاومة الشعبية وحب الوطن والواجب تجاهه، ونلمس المصداقية والتلقائية والواقعية في كتابته، والابتعاد عن افتعال الأحداث والتنميق في الألفاظ والعبارات.

ومن رواياته : ” الطوق، زمن الانتباه، نجمة النواتي، جفاف الحلق، زمن دحموس الأغبر، ليالي الأشهر القمرية، عودة منصور اللداوي، أزمنة بيضاء، ضفاف البوح، الأميرة البيضاء، أولاد مزيونة، هل رأيت ظل قوي، والمنسي”.

أما مجموعاته القصصية الهادفة الملتزمة الجادة التي تواكب القضية الفلسطينية بكل مراحلها وتفاصيلها، وتعكس الهموم والعذابات الفلسطينية، وتطرح مواقفه ورأيه وحلمه الوطني، فهي : ” الخروج عن الصمت، حكايات عن براعم الورد، النورس يتجه شمالًا، غزالة الموج، عزف على وتر قديم، ومذاق النوم “.

وفي كل أعماله يبرز المخيم لدى عسقلاني كمكان فلسطيني دائم، كرس له من جهده ووقته الشيء الكثير، ومنه يستلهم موضوعات قصصه ورواياته . وكما قال مرة معتزًا ومفاخرًا :” المخيم هذا الطارئ المقيم زودني بالخمائر الأولى للقصة والرواية، وربَّاني على فطرة الحكاية البكر، وتجلياتها الإنسانية فامتدت في وجداني ذاكرةٌ لا تغيب، كما الوطن الذي لم يغب، فهل أغادره؟

وكيف؟ وهو لم يغادرني وما زال يقدم لي مفاجأته، ويعلقني على أسئلةٍ جديدة، وقد تناسل وأصبح أطفاله من أبناء جيلي أجداداً، يراهنوني على مواصلة حكايات الأبناء والأحفاد، وتتبعهم أينما ذهبوا بنجاحاتهم وإخفاقاتهم وخيباتهم، وقد تناثروا في أرض الله الواسعة، غاب منهم من غاب، لكن الحكاية لازالت حاضرة تنتظر من يتواصل معها لتحيى الذاكرة وتتوهج، ولعلي إن ودعت جسدي تبقى حكاياتي فلا أغيب “.

 

وتتجسد الواقعية الفوتغرافية في رواية ” الطوق “، وهي باكورة أعماله الروائية، التي لاقت في حينه ترحيبًا واسعًا من أهل الأدب والثقافة والقراء المهتمين ما شجعه على المضي قدما في الكتابة ومسيرة العطاء والإبداع.

والفوتغرافية تعني تصوير وتسجيل الواقع كما هو، وغريب عسقلاني يقف عند حدود الانطباعية، فيصور الأحداث تصويرًا واقعيًا وصادقًا، ويتناول مظهرًا ملازمًا لحياة الإنسان الفلسطيني في الوطن المحتل، وهو الطوق أو الحصار وما يمثله من منع تجوال وتفتيش وملاحقات ومضايقات واعتقالات بالجملة.

وتلقي الرواية الضوء على الطوق الذي فرضته قوات الاحتلال على جزء من مخيم الشاطئ سنة 1970 لمطاردة مجموعة من رجالات المقاومة حوصروا في المخيم، وبعد اشتباك مسلح يستشهد أحدهم وتشيع جنازته رغم أنف الضابط، في جنازة كزفة عرس.

ومن خلال أحداث الرواية نتعرف على سميرة التي ينتابها القلق على مصير خطيبها المقاوم علي، وعلى والدها ” أبو محمود ” المريض، وعلى نساء المخيم اللواتي يقدمن المساعدة للثوار، أم خليل وأم صابر وسعدية وحسنة، ونتعرف كذلك على الجصباص الذي يعيش على أمل الارتباط بحسنة ابنة أم خليل، بالإضافة لمجموعة من الصغار الذين يقذفون دوريات الاحتلال بالحجارة.

وتفرض سلطات الاحتلال طوقًا على المخيم وتحاصره، وتبدأ بالتفتيش وضرب وإهانة سكان المخيم دون تمييز، ويضيق الحال عليه، ويموت الجصباص، وبموته تنتهي وتتلاشى أحلامه وآماله في الزواج من حسنة.

ويتنقل غريب عسقلاني بكاميرته بين أزقة المخيم وبيوته وبراكياته، ويلتقط صور المعاناة والقهر والبطش والقمع الاحتلالي وصور المقاومة الشعبية، ونجد أن جميع الأحداث تدور وتنحصر في حدود المخيم وليس خارجه.

ويلمس القارئ عدم ديناميكية شخوص الرواية الرئيسية التي ظلت تحافظ على مواقعها ومواقفها على امتداد صفحات الرواية وفي قلب الأحداث، وهي مواقف تنطوي على كراهية ومناهضة المحتل الذي فرض الطوق على المخيم، والدعوة للمواجهة والمقاومة وهزم الواقع الاحتلالي المرير.