23 ديسمبر، 2024 1:33 ص

نسمع هذه الايام في وسائل الاعلام العراقية ومواقع التواصل الاجتماعي بمختلفها كلمة ” الهيبة ” ، ليس المقصود بها مسلسل ” الهيبة ” الذي شد الجمهور التلفازي بحلقاته ، وإنما ، المقصود بها ” هيبة المجلس ” أو ” هيبة عضو البرلمان ” ، أو ” هيبة الحكومة ” .. الخ الخ من الهيبات ، ما دفعنيي للولوج في معاجم اللغة العربية علي أفهم المعنى الحقيقي لهذه الكلمة ، فوجدنا جميعها تتفق على ان هذه الكلمة هي من اصل الفعل ( هاب – يهاب ) الذي يأخذ معاني عديدة منها ( خافه وحذره ، أو أجله ، عظمه ، او احترمه ) .
الحديث يدور طبعا عن التصريحات المفرطة من النواب العراقيين ورئيسهم عن هيبة البرلمانيين التي لن يسمح السيد “الحلبوسي ” بالتعرض لهم ، والانتقاص من رواتبهم وامتيازاتهم ، والتهديد بالمحاسبة القانونية لمن يتعرض لهم ، ( وكأنه يذكرنا بقرار مجلس قيادة الثورة السابق ، الذي يحكم بالاعدام لمن يتعرض بالسب والشتم لرموز الحكومة ، وبالطبع فان البرلمان إحدى هذه الرموز ) ، وخصوصا مبلغ ( 3 ) ملايين دينار كمخصصات سكن للنواب ، الذين يعانون من الفاقه والعوز ، لأن رواتبهم لاتكفيهم للحفاظ على ” هيبتهم ” كنواب يمثلون الشعب العراقي ، وان مبلغ ( 3 ) ملايين التي خصصها
” الحلبوسي ” لنوابه والتي لا تكفي بحسب المتحدث باسمه لدعوة غذائيةواحدة لاهل ” العكل والعبايات ” .
هذا الانفعال ، وهذه العصبية ، وهذه التهديدات ، يفهمها الجميع ، عندما تستهدف أناس جادون في عملهم ، ومخلصون لبلادهم ، ويخافون على مصالح شعبهم ، عندها يمكن فهم هذا الزعل البرلماني ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ، فاننا نتفهم زعل نواب مجلس الاتحاد في دولة الامارات العربية المتحدة وقيادتها ان وجهت لهم مثل هذه الانتقادات ( لا سامح الله ) ، عندما لا تتوافق هذه الانتقادات ما تقدمه قيادة هذه البلاد للمجتمع الاماراتي ، بكل أطيافه واشكاله ، مع اجتياز بلادهم شوطاً طويلاً منذ اتحادها قبل أكثر من أربعين عاماً ، وحققت خلال هذه الفترة العديد من الإنجازات والنجاحات في المجال الطبي، والتعليمي، والتكنولوجي، والاجتماعي ، و نهضة اقتصادية وعمرانية ، توجتها كواحدة من أفضل الوجهات السياحية والاستثمارية على الصعيدين الإقليمي والعالمي على حدٍ سواء ، واوصلت الجواز الاماراتي الى المرتبة الرابعة عالميا يمكن لمواطنيها الدخول بدون تأشيرة الى أكثر من 160 دولة .
أم هل يجوز انتقاد البرلمان الاماراتي ، لان بلادهم التحقت بركب الدول العالمية في انجازاتها العلمية والتكنولوجية في مجال الفضاء وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والعلوم الحيوية، وعلوم الطاقة النووية، وامتلاكها أربعة أقمار صناعية تعمل بكفاءة في الفضاء ، وتنتظر بفارغ الصبر رحلة ( روادها ) للفضاء العام المقبل ، وستكون دولة الإمارات ضمن تسع دول في العالم فقط لها برامج فضائية لاستكشاف الكوكب الأحمر ، بالاضافة الى تحقيق إنجازات علمية كبيرة في مجالات عدة ، وافتتاح كبرى الجامعات العالمية الرصينة في مدنها ، وقائمة الانجازات العلمية الطويلة .

البرلماني الاماراتي يعتز ” بهيبته ” لان بلاده حققت قفزات كبيرة في مجال التكافل الاجتماعي ، وأعتبار الانسان قيمة عالية لدى الحكومة وتوفير له كل المستلزمات التي من شأنها أن توفر له عيشا كريما ، وحققت له العديد من الانجازات سواء في التكافل الاجتماعي أو الخدمات الحكومية للمواطنين سواء في مراجعة الدوائر ، وتقليص الاجراءات الروتينية ، ناهيك عن الخدمات الصحية وتوفير أحدث الاجهزة الطبية وتفعيل أجهزة الاسعاف الفوري في البلاد ، ومحاربة وصول الادوية المغشوشة او المنتهية صلاحياتها الى أيادي المواطنين حفاظا على صحتهم .
وفي الوقت الذي يبعث السرور في الحديث عن الانجازات الكبيرة التي تحققها الامارات التي تعددت مجالاتها ، والبعض منها فاقت التصورات ، ودخلت 150 منها سجلات ” غينيس ” العالمية ، كأعلى أو أطول فندق في العالم ، أكثر مدينة رفقاً بالبيئة في العالم ، وأكبر عدد نخيل غرس في 10 أعوام ، وأكبر مجمّع تجاري في العالم، وأطول مترو بدون سائق في العالم و و و القائمة تطول لاتكفيها هذه السطور القليلة ، فان الحديث عن العراق وما آل اليه اليوم ، يحمل غصة في قلوب كل العراقيين ، خصوصا عند أولئك الذين عاشوا أيضا فتراته التي سبقت زمن الحروب والدمار .
الغريب ان السلطة التشريعية تتكلم عن ” هيبة ” الدولة وهيبتها ” بحرقة ، متجاهلة هذه الهيبة عندما تورد الارقام المخيفة عن العراق ، فأين هذه ” الهيبة ” من فقدان واردات العراق والتي بلغت منذ كانون الاول 2003 وحتى بداية هذا العام ألف مليار دولار ، ولم تحل أي من المشاكل التي يعاني منها العراق .. وأين تلك ” الهيبة ” عندما يقال ان العراق مديون ب ( 132 ) مليار دولار لصالح 29 دولة وصندوق النقد الدولي وشركات نفطية غربية ومصادر أخرى ، على الرغم من أن العراق هو ثاني أكبر منتج في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) ويتلقى عشرات مليارات الدولارات سنويا من بيع الخام .
أين هي تلك ” الهيبة ” ونحن نرى قوائم اليونسكو والمنظمات الدولية التي تورد اسماء الجامعات الرصينة في العالم ، وغياب اسم الجامعات العراقية عن جميع هذه القوائم ، بسبب المستوى المتدني للجامعات الحالية ( والتي لا تنم للتعليم بصلة ) والتي تم إنشاءها إرضاءا لاحزاب وشخصيات بعيدة كل البعد عن الرصانة العلمية ، او بسبب الغياب المتعمد للاهتمام بالتعليم وتضرر 9 الاف مدرسة من اصل 14 الف ، وحاجة وزارة التربية الى 11 ألف مدرسة ، ووجود 8 ملايين أمي ، واحتلال العراق على درجة له ( 178 ) من اصل (180 ) في الفساد ، وإن هيئة النزاهة العراقية المرتبطة بالبرلمان أقرت بأن العراق فقد بسبب الفساد الحكومي نحو 320 مليار دولار في السنوات الـ 15 الماضي ، وقد تسلمت منذ إنشائها قبل عدة أعوام آلاف القضايا المتعلقة بالفساد، بلغت في الربع الأول فقط من هذا العام 9832 حسم منها 4443 قضية.
أتعلم ” سلطتنا ” التشريعية أن هناك سرير واحد لكل ألف مواطن في مستشفياتنا ، وحتى هذا السرير تتزاحم عليه القطط والكلاب التي تصول وتجول في أروقة المستشفيات العراقية ليلا ونهارا ، وإنتشار 39 مرضا مختلفا كان العراق قد قضى عليها نهائيا ؟ ، وصيدلياتنا اصبحت تغص بالادوية المضرة والمقلدة وغياب الرقابة عنها ، بالاضافة الى إنتشار المخدرات بشك كبير بعد ان كان محصنا منها ، بسبب ارتفاع نسبة البطالة الى أكثر من 23% ومستوى الفقر الى 22% ووفقا للإحصاءات الحديثة فان العراق يأتي في مقدمة دول الشرق الاوسط بنسبة بطالة تقدر بـ(59%) من حجم قوة العمل و(31% ) بطالة مؤقتة ونحو (43%) بطالة مقنعة كما تقدر نسبة النساء العاطلات بـ(85%) من قوة عمل النساء في العراق. .

لم تتحرك ” هيئة السلطة التشريعية ” عندما تسمع عن تراجع المساحات الزراعية الى نحو 9 مليون دونم بعد ان كانت اراضي العراق ال ( 48 ) مليون دونم تزخر بمنتجاتها الزراعية ، وكذلك توقف الماكنة الصناعية في 13 ألف و328 منشأة صناعية ( بحسب وزارة التخطيط ) والاعتماد بنسبة 75 % في استيراد المواد الغذائية و 91 % من مواد البناء والصناعات المختلفة ، وهدر 30 مليار دولار للكهرباء دون أن يحصل الشعب العراقي عليها ؟.
المشرعون العراقيون لم تتحرك ” هيبتهم ” وهو يرون ويسمعون عن وجود 3.4 مليون مهجر في 29 دولة و 4.1 مليون مهجر داخلي غطت معضمهم مساحاتهم موجة السيول التي تجتاح العراق ، بسبب عدم وجود سياسة مائية منظمة يمكن لها ان تخزن هذه المياه والاحتفاظ بها للتخلص من ” الابتزاز التركي والايراني ” في هذا المجال ، ووجود 13 % من نفوس العراق ممن يسكنون العشوائيات .
الم تهتز شعرة ” هيبتكم ” ايها البرلمانيون وانتم ترون ان الوظائف والمناصب الحكومية والمقاعد الانتخابية باتت تباع وتشترى لأناس ” جهلة ومتخلفين ” ، في وقت يشهد العراق تخمة كبيرة من خريجي الدراسات العليا ، لكنهم مستهدفون ضمن حملة منظمة تهدف الى ابعاد هذه الكفاءات عن خدمة بلدهم ، وكذلك تعاقد رئيس الجمهورية السابق فؤاد معصوم مع شركة تركية لتجهيزه بالبدلات بقيمة مليون و300 الف دولار سنويا وهو ما يعادل مبلغ 5 ملايين و200 الف دولار خلال فترته الرئاسية في حين ان رئيس البرلمان سليم الجبوري السابق تعاقد مع شركة يمتلكها خميس الخنجر مقرها في اسطنبول لتجهيزه بالبدلات والازياء مقابل مليون دولار سنويا في وقت يعاني العراق من ازمة مالية خانقة ؟، وان اسعار هذه البدلات كفيلة في اصلاح محطات المياه الصالحة للشرب في البصرة مثلا .
ايها البرلمانيون ان ” هيبتكم ” من هيبة شعبكم ورضاهم ، ولا يميزكم عنهم شيء ، وان تفكروا بما يرضيهم ، بحرصكم على حل مشاكلهم وازماتهم ، لان المكان الذي انتم فيه ، هو منصب ” تكليفي ” وليس منصب كي تتميزوا عنهم ، وان تبتعدوا عن لغة التهديد والعويل التي تمارسونها ، لانه حتى الان اثبتم ان دورتكم الحالية برئيسها واعضاءها ، هم الاخطر على الشعب من سابقاتها ، والا عليكم ” مهابة ” الشعب اولا !!.