“إغمض عينيك حتى تراني”
أمامي كتاب عن أشعار الحب والغزل و ومن بين الشعراء المذكورين فيه “مجنون ليلى” , (قيس بن الملوح) , تأملت أشعاره , دون شعراء الحب المعروفين (جميل بثينة , عمر بن أبي ربيعة , عباس بن الأحنف , كُثير عزة).
وتبين بأنها أساطير أوهام لا غير , فما كان يرى ليلى التي هي كأي فتاة في زمانها , وربما ذات بياض ناصع وعيون كعيون المها لا غير , بل كان يرى ما قدحته في مخيلته من صور , فراح يطارد وهمه.
وتسميته بالمجنون منصفة وصحيحة , لأن أوهامه عبر عنها بأشعاره , فلا توجد إمرأة كما وصفها شعره.
فمهما بلغت المرأة من الجمال , فستكون ضحية لعوامل التعرية الزمنية , فقد تبدو رائعة الجمال لفترة ما من عمرها , لكنها كأي البشر مصيرها الذبول والإندثار.
فلماذا هام بها إلى هذا الحد , وحسبت الأجيال أن ما قاله تعبير عن الحب والغزل الرائع , وما هو إلا تصريح بأوهام إستحوذت عليه , وأردته في رمضاء الجنون وحيدا شريدا.
الوهم عندما يتغلب على وعي البشر يمتلكه ويسخره لغاياته القاسية المروعة.
ولكل وهم أدواته , وصاحب الوهم قد يكون مجرما , أو عاشقا مفتونا بأوهامه الملونة والمتلآلئة في فضاءات ما يرى ويحس.
والأوهام بأنواعها لذيذة وتستلب الألباب وتسخر المبتلين بها للعمل بموجبها.
ومصيبة الدنيا بما يعتري قادتها ورموزها من أوهام ورؤى وتصورات تبلغ حد القداسة , وتخضع لها النواهي والنفوس , ويكون العمل بموجبها أمرا محسوما وضروريا لتواصل الدنيا وتقدم الحياة.
وكل في أوهامهم يعمهون!!