البشرية تواجه معضلة تطرفية متفاقمة وتحاول أن تجد لها حلا , ويجتهد المفكرون والفلاسفة في دراستها وفهمها ومواجهتها.
فالبعض يرى أن لا بد من إصلاح الخطاب الديني , والآخر يجد أن العلمانية هي الحل , وغيرهم يرى أن يضرب بقبضة من حديد , وآخرون يسطرون قائمة طويلة من الأسباب والحلول , وجميعها ما أفلحت بالتصدي الحقيقي للتطرف بأنواعه , وإنما تزايد وتعقد وتنامت نشاطاته وكثرت مواجهاته الدامية التي أقلقت البشرية.
وفي القرن العشرين عاشت العديد من المجتمعات حالات تطرفية مرعبة , وفي المجتمع العربي أول بوادر التطرف برزت في زمن عثمان بن عفان , وبلغت ذروتها في معركة صفين , عندما إنطلقت حركة الخوارج.
وعندما نتأمل التطرف كسلوك في جميع المجتمعات , نكتشف أن هناك علاقة ثابتة ما بينه وبين فقدان الهوية.
فحركة الخوارج كانت وليدة إضطراب وضبابية الهوية الدينية , إذا كيف يتم فهم قتال المسلم للمسلم , وكيف يمكن إستيعاب التقاتل ما بين صحابة النبي الكريم؟
هذا التفاعل أدى إلى تشويش هوياتي أوجد تطرفا واضحا عند المسلمين , وحينما ندرس الحركات المتطرفة بأنواعها سنجد هذا التلازم القوي ما بين حالة فقدان أو زعزعة الهوية والميل للتطرف.
فالمسلمون – على سبيل المثال – عبّروا عن ذروة التطرف في القرن الثالث عشر بعد سقوط بغداد , وشعورهم بمحق هويتهم المتصلة بالعروبة والإسلام , مما أوجد فقهاء متشددين وفتاوى صارمة , وحركات في غاية الشدة والتطرف.
وتكررت الحالة في العديد من القرون , وفي القرن العشرين بعد سقوط الدولة العثمانية , فنشأت الحركات والأحزاب الدينية المتطرفة.
وفي العراق المعاصر عندما غابت الهوية الوطنية الجامعة , إندلع التطرف والتشدد ودخلت البلاد في أنفاق مظلمة سُفكت فيها دماء الأبرياء , ولا يزال التطرف قائما لأن الهوية الوطنية مميعة.
وما يحصل في الدول الغربية من ولادات للتطرف مبعثه الخوف على الهوية الوطنية , أو الشعور بأنها مهددة بسبب الزخم العرمرم من المهاجرين.
وعليه فأن من المعالجات الصائبة للتطرف العودة إلى تعزيز الهوية الوطنية , وتعميق الشعور بالإنتماء الوطني والمصالح المواطنية المشتركة.
فلن تفلح الطروحات الفلسفية والمعالجات الفكرية لوحدها , إن لم يرافقها بناء قويم للهوية الوطنية , وتجسيد روح الإنتماء الوطني بسلوكيات ذات قيمة معرفية وحضارية واضحة.
فهل من إهتمام بالهوية الوطنية لكي تنكمش الحركات التطرفية وتذبل وتغيب؟!!