18 نوفمبر، 2024 12:55 ص
Search
Close this search box.

الهوتو والتوتسي يجنحان للسلم ونحن على احتقاننا ماكثون

الهوتو والتوتسي يجنحان للسلم ونحن على احتقاننا ماكثون

حثت آيات القران الكريم، على مد يد السلم، الى الكافرين.. استجابة.. حين يبادرون اليه، لكننا كمسلمين لا نأخذ من كلام الله.. جل وعلا، الا ما يؤيد روح الغزو الصحراوية، التي تؤمن بالبقاء للاقوى.. سيفاً وعضلاتٍ، تسحقان الفكر وتمحوان آثاره.
ليس الكافر، انما نقطع يدا تمتد لنا بالسلام، من موحد او مسلم مثلنا، نتباين عنهما باسلوب يؤدي الى الجوهر ذاته…
تقاتلت قبائل (التوتسي) و(الهوتو) موقعة مجازر في رواندا، بلغت ثمانمائة الف ضحية، بكل ما تعنيه الابادة الجماعية تبادلا، بين الطرفين.
لكن.. حينما قررتا انهاء الاحتقان، والكف عن القتال نشراً للسلم، الذي يمد قاعدة لتأسيس حياة حضارية نامية، في ارض طيبة الخصوبة، تهيئ لمستقبل مشترك، حسما امريهما من دون تردد، يغتنم الفرصة، تربحا بدم أخيه، ممن يعرض ثمنا اكبر للخيانة في خدمة مصالح خارجية.
رواندا ارض (التوتسي) مثلما هي بلد (الهوتو) سواء أختلفا أم اتفقا، يحق لهما توظيف ما يشاءان، في اثبات صحة موقفيهما، كل من جانبه، لكن لا يفند الآخر ويلغي وجوده.
بعد تأمل بحجم الزلزال الذي الحقاه بـ (رواندا) وهما يفندان طروحات بعضهما، بالسلاح، ابادة لثمانمائة الف نفس بريئة، ليس للاولى ذنب سوى كونها من غير نسل الثانية.
هوس اهوج اودى بهما الى القتال، وكأنني شعب الله المختار، النزلة نطفتي من صلب السماء الى رحم الارض.. خير امة اخرجت للناس، وسواي منسول عن شيطان مريد…
… حينها…
… استيقظا على وطن منهار، يتأملان خراب لم يبقَ فيه سوى خفقة جناح عنقاء مفترضة، ان لم يتوقفا، لن تطير تلك العنقاء من رماد حرب ابادة ثمانمائة الف نفس.
عندئذ قررا بعقل صارم الوعي صريح التأملات، الاعتراف برواندا تتكامل به، وبنظيره.. هوتو – توتسي.. يعني رواندا، متفقان على اذابة ما تراكم من موت، يخنق انفاس النبض المتوقف عن التدفق في عروق البلاد، تأسيسا لمستقبل حريص على ما تبقى.. فتأتي الحياة، متأخرة، خير من ان يظل الموت مقيما.. لا تعقبه حياة.
لذا اتفق الروانديون، من هوتو وتوتسي، على اعادة اعمار السلام الذي حطمته الحرب، متعاونين في رأب التصدعات ومحو آثار الدم من الخواطر.. تسامحا من اجل رواندا المستقبل.. تكريس الحاضر.. واجب الحقد؛ لأجل مستقبل واجب التسامح.
فكان لهما ما ارادا من نمو اقتصادي تسارع بقوة تفوق القياس، الامر الذي حث الشعب على سن قانون الزموا الحكومة به.. يعني القانون رفع من الشعب الى الحكومة، وليس كما دأبت العادة على ان القوانين تنزل من الحكومة الى الشعب.
قر قرارا الروانديين على ان كل من يتحدث بالمجازر الماضية، في بيته، يغرم مائتي دولار واذا وردت على لسان فرد، في المقهى او اي مكان عام، يغرم ثلاثمائة دولار، اما اذا تناولها احد في الاعلام؛ فيغرم خمسمائة دولار.
وبذلك شاعت روح تسامح ملزمة، للمعتدل والمتطرف، على حد سواء، في سبيل نسيان الماضي، والارتقاء بالحاضر، الى مستقبل زاه.
طبقوا الآية القرآنية “واذا جنحوا للسلم فإجنح له” من دون ان يطلعوا عليها، ونحن الذين نحفظها عن ظهر قلب، لم نعمل بها، كمثل كل آيات السلام في القرآن، نهملها.. لا نفعلها في حياتنا، ذاهبين الى الآيات التي نحرفها عن معناها ونقتطعها من سياقها، تبريرا لجينات الصحراء التي لا ترتوي الا من دم الآخر، واذا تعذر علينا النيل منه، لأيما سبب، كأن يكون اوقوى منا او بعيد المنال، نلجأ الى ارواء شهوة الدم، بقتل اخينا، نفتعل الاسباب التي تشرعن قتله، من بين آيات نلويها اقتطاعا عما نزلت بشأنه.
وفي النهاية نسخر كلام الله لأرواء شهوة الدم السبخة.. ابدا.. في وجداننا، لا نحسن قراءة القرآن بتجرد خالص الى الله، عن نوازعنا الشريرة، ولا نجيد المثاقفة التي تعيد تمثل التجارب التي اثبتت نجاحها في ساحات اجتماعية متقدمة علينا.
لو كنا عقلاء، كما يخاطبنا القرآن الكريم، في نهايات الآيات: “لعلكم تعقلون” لأفدنا من الهوتو والتوتسي، واعدنا صياغة التجربة وفق معطيات واشتراطات وجودنا وقبل ذلك تأملنا بآيات القرآن التي نصدع رؤوسنا ورؤوس المحيطين بنا، قارئين ننغم الكلام باعذب الاداءات من دون ادراك لمعانه، واذا ادركناها نحجم عن تطبيقها انحيازا لخطأ أصيل، ضد صواب مكتسب.

أحدث المقالات