قبل عشرين سنة كنت طالباً في إعدادية الشطرة وأنا في قاعة الامتحانات العامة (البكالوريا) في أول امتحان فوجئت بمجيء المشرف على القاعة نحوي وبعد التحية همس في أذني “إذا محتاج أي مساعدة أنا حاضر” وبعد “صفنة” وما أصعبها في الامتحان تذكرت الرجل فهو مدير مدرسة في الناصرية وتربطه بعمي (الله يرحمه) وأولاده علاقة طيبة وشاءت الصدف أن يكون مديراً لقاعتي الامتحانية.
أجبته حينها بلا تردد “ولعل كون الامتحان الأول امتحان إسلامية دخل في ذلك من ناحية المواضيع”الإسلامية” والسهولة” أجبته “أشكرك ما محتاج شي”.
بعد الخروج من الامتحان تحدثت لبعض أصدقائي المقربين عن الموضوع فلاموني لوماً شديداً وطلبوا مني الاستفادة من وجوده في الامتحانات القادمة.
جاء الامتحان الثاني وكان امتحان عربي وكانت الأسئلة من أصعب الأسئلة خلال عدة سنوات فجاء المشرف باتجاهي مرة أخرى وهنا عادت بي الذاكرة إلى كلام أصدقائي وصرت في نزاع مع نفسي هل هي فعلاً فرصة حقيقة علي أن لا أضيعها وسأندم على عدم فعل ذلك أم إنها اختبار علي اجتيازه بنجاح، وصل الرجل قربي وهمس بنفس الكلام-طبعاً بحسن نية ولم يرد شيء مقابل ذلك- وأضاف “الأسئلة صعبة واكدر اجيبلك الحل”.
فقررت الاستمرار في الرفض وأن أضع نهاية لهذه العروض التي أربكتني فقلت:
“اشكرك استاذ بس لو بذراعي لو ما تسوة”
فتعجب الرجل وامتعض بعض الشيء ولكنه تفهم الموقف لاحقاً.
عندما رجعت إلى البيت وكانت إجابتي دون الطموح للأسف كتبت في إحدى صفحات دفتر مذكرات لي وقتها تسلية لنفسي وللاستفادة من الدرس “الهزيمة المستحقة خير من النجاح المزيف”.
ولست نادم على تصرفي ذلك بل أعتبره أحد أسباب التوفيق ولله الحمد والمنة إذ أخذ بيدي نحو الصواب.
هذه رسالة إلى طلبتنا الأعزاء وهم يخوضون الامتحانات-متمنياً لهم التوفيق لما فيه خير انفسهم ومجتمعهم- مفادها الغش نجاح مزيف.
وإلى سياسيينا وإلى كل صاحب مشروع لا تفرح بنجاح مزيف واستفد من الهزيمة المستحقة.
ورسالة تذكير لي فأمثال هكذا موقف تتكرر بين الحين والآخر بصور مختلفة والتوفيق من الباري جل شأنه في تجاوزها بسلام.