إفتتح عمار الحكيم العام 2016 الذي نعيش ساعاته الأخير؛ بإستشراف يذهب إلى إعتباره عام “التسويات التاريخية”.. ولربما حُسبت التسوية على الحكيم لإنّه من بشّر بها, عاداً هزيمة التنظيم غير كافية لترسيخ النظام الجديد وإستقرار الأوضاع وإنهاء الخصومات, إذ تبقى إحتمالات ظهور تنظيمات مشابهة قائمة ما دامت الأسباب قائمة, وهنا إستهداف ذكي لأُسس وقواعد التطرف والإرهاب بما يضمن تهديم حواضن محتملة نتيجة لتصاعد الروح الثأرية المتعصبة التي تميّزت بها الشخصية العراقية.لماذا يكره العراقيون هذه المفردات؟!
لا مناص من قول الحقيقة: الشعب العراقي يمقت أي مفردة تجسّد مفهوم السلام والإستقرار, ويعتبرها مرادفة للجبن والخنوع. ومن تلك المفردات المُزدَرَية؛ شراكة, وحدة, إستقرار, مصالحة, إنسجام… وتسوية. تتشنّج أوداج أحدهم إن صكّت مسامعه, بينما يتعامل معها آخرون بنفس تهكّمية على أنّها تهمة ستؤدي لخسارة خصمهم المتنازل نحو التسوية!..
لا ريب أنّ للشخصية العراقية المتأثرة بموجات البداوة -وفق العالم العراقي علي الوردي- أثر في طبع بعض ساسة العراق بهذا الطابع الرافض لفكرة السلم الإستراتيجي وبعث الحياة الطبيعية في الدولة, فنجد الشخصية العشائرية حاضرة في المراس السياسي والإعلامي, ولابدّ من التأشير على مكامن ذلك الشعور الذي غزى أكثر الحواضر العراقية تمدّناً, فالعشيرة بديلاً مميّزاً عن الدولة بسلطاتها حتى في الخلاف السياسي (البرلمانية التي إستخدمت عشيرتها كمثال). فتزول غرابة إزدواج بعض من يصوّت للتسوية سراً, ويرفضها علناً!..
التسوية مع من؟!
نتجاهل في كثير من الأحايين الحقيقة, متغنين بوحدة جسّدها مهرجان أو حالة رقص على ترانيم قصيدة, مع إنّنا نعرف بأنّ سعادتنا لذلك المهرجان عاكسة لمشكلة, فلو كنّا نعيش وحدتنا, لماذا أسعدنا مهرجان ببضعة كلمات؟!
من ذلك المبدأ تنطلق التسوية وتكون الإجابة على سؤالها الأول (مع من).. فالشيعة والكورد والسنة, ثالوث المشكلة العراقية, وكل له مطالبه المتقاطعة مع الآخر. فالجواب ببساطة أنّ التسوية تكون بين (الشيعة-السنة) (العرب-الكورد) بغية الوصول إلى مكوّن رئيسي واحد في الدولة وهو: المواطن العراقي.
لا تلغي المواطنة الإنتماءات الدينية والعرقية, بقدر ما تسمو بالدولة إلى فلسفتها المعاصرة عبر صيرورة سقف وطني لا تتخطاه الإختلافات.
الصالح العام والرأي العام..
الحرب قاربت أن تضع أوزارها, غير أنّ الصراع ما زال قائماً ولا نصر دون إزالة مسببات الحروب وعواملها المساعدة.. وبات الأذكياء يتسابقون على حجز مقاعد لدولهم في نظام جديد بدأ يتبلور في المنطقة. العراق يعاني صراع منهجين: رفض الحلول الكبرى والإستمرار كبلد تابع, أو الذهاب نحو التسوية ليكون بلداً مؤثراً. لربما يتفوّق أصحاب المنهج الأول عددياً, بيد أنّهم لا يمثّلون الصالح العام؛ إنما يتبعون الرأي العام, وثمة فرق كبير بين الرأي العام الذي يتأسس وفق أهواء وإمكانيات كبيرة مجهولة المصدر, والصالح العام الذي يزعج الأكثرية لملامسته الجرح.. والألم صفة ملازمة للعلاج!