من اكثر العلاقات بين الدول غموضا والتباسا؛هي العلاقة بين ايران والولايات المتحدة، فهي وخلال اكثر من اربعين سنة وهو عمر الثورة الايرانية او عمر النظام الايراني الذي اقامته ثورة شعبية، اطاحت باكبر نظام في منطقة الشرق الاوسط، هذا النظام الذي شكل ولعقود عديدة، منطقة نفوذ للغرب بدءا من بريطانيا العظمى وفي ذلك الوقت، الى امريكا حتى بداية عام 1979وهو العام الذي أٌطيح فيه، بنظام شاه ايران والذي كان ينعت بشرطي الخليج العربي. ان واحد من اكبر حسنات النظام الجديد، الذي تم اقامته على انقاض نظام الشاه، هو قطع العلاقة مع الكيان الصهيوني واغلاق سفارته والاتيان بسفارة فلسطين مكانها. النظام الايراني في بدايته ومنذ اليوم الاول كان قد سُمي، الولايات المتحدة بالشيطان الاكبر. لذا كانت العلاقة بينهما، علاقة عداء واضح وبصورة جلية. لكن ذلك ورغم كل شيء لم يدفع امريكا على فرض عقوبات اقتصادية بقوة وشمولية العقوبات الاخيرة، واستمرت الاوضاع بينهما على هذا المنوال. باستثناء ماتعرضت له، ايران من عقوبات في ثمانينات القرن المنصرم، لكن هذه العقوبات لم تتعد منع توريد السلاح لها،( وحتى هذه الاخيرة جرى غض الطرف من قبل الامريكيين، عن الكثير من صفقات توريد الاسلحة لأيران..) كما وصفها اخيرا الرئيس الايراني من انها لم تكن اكثر من منع توريد السلاح لنا، اما العقوبات الحالية فهي الاكثر قسوة منذ اكثر من اربعين عاما والكلام للرئيس الايراني بالمعنى وليس بالحرف. اول عقوبات امريكية، طالت ايران وبالذات برمانجها النووي كان في عام1996والتى شملت منع تصدير السلع ذات الاستخدام المزدوج، الى ايران ولم تتجاوز هذا المنع. المشكلة بدأت في عام 2003بعد احتلال امريكا للعراق باشهر، حين اشارت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في لحظة صحوها او إستيقاظها من نوم مديد؛ من ان ايران قد اخفت عن الوكالة بعض انشطتها النووية، مما دفع مجلس الامن الدولي او ان الامريكيين هم من دفعوا مجلس الامن الدولي حين كانت امريكا سيدة القرار في المجلس انف الذكر، الى اصدار سلسلة من القرارات بدأت في اعوام 2006و2007و2008وقد طالت تلك العقوبات بنك ايراني وشخصيات ايرانية وشركات ايرانية يشتبه بعلاقتها بالبرنامج النووي الايراني.والسؤال هنا ما الذي جعل الادارة الامريكية وفي هذا الوقت بالذات الذي يشهد تراجعا امريكيا واضحا لكل ذي بصيرة، وتبدلا كبيرا في موازين القوى الدولية، وتغييرا في البيئة السياسية، الاقليمية والدولية، فقد تحول الصراع في دول المنطقة العربية من مساره السابق والذي تركز في ذلك الحين، بين شعوب العرب التواقه الى الحرية وبين النظام الرسمي العربي المستبد؛ الى صراع ملتبس ومتداخل، اي الى صراع طائفي وعرقي ليتم فيه تغييب روح الوطن وركيزته وهي الحس العميق بالمواطنة، كلية التاثير والوجود في مسارات الصراع بين الشعب ومضطهديه، لصالح الطائفة والعرق اللذان تعمقا وترسخا خلال معارك الشعب ضدسلطة الحاكم العربي الطاغي، مما هدد تهديدا جديا وحاسما ولم يزل؛ وحدة تلك الدول العربية ونسيجها المجتمعي لصالح المشاريع الامريكية الاسرائيلية في بلقنة هذه الدول، حتى بات الامر مفروغ منه ولايحتاج إلا الى التشريع والبداية، بحجة ان لا حل إلا هذا الحل لضمان الامن والاستقرار والتطور والسلام، وهذه لعمري حجة مريبة تثير حولها او حول مروجيها، الكثير من الاسئلة وعلامات الاستفهام لجهة الاهداف والمرامي والنتيجة. نعود الى السؤال سابق الذكر؛ ماهي اسباب العقوبات الامريكية على ايران؛ هل هو البرنامج النووي الايراني ام برنامج الصواريخ ام التمدد الايراني في المنطقة العربية على حد وصف الساسة الامريكيين. ان الامريكيين يدركون جيدا وقبل غيرهم من ان ايران لاتسعى لأمتلاك سلاح نووي سواء في الوقت الحاضر او في المستقبل وهنا نقصد النظام الحالي بما يحمل من ايدولوجية تتحكم وتوجه سياساته وما ينتج عنها من افعال في الواقع والميدان، ولها في هذا تاريخ طويل في الامتناع عن التوجه لحيازة السلاح النووي، فهو معروف عند الامريكيين ولامجال هنا للخوض فيه، بالاضافة الى ان التفاهم النووي بين ايران وحمسة + واحد، يضمن هذا بشكل واضح ومحكم. اما الصواريخ فهي الهدف من تلك العقوبات وحتى اعادة التفاوض حول البرنامج النووي الايراني، الغاية الاساسية منه اي من اعادة النقاش حوله، وضع برنامج ايران للصواريخ على طاولة البحث والحوار، كي تُلزم ايران بمديات معينة لبرنامج صواريخها، للمحافظة على امن اسرائيل كما تعتقد. لكن هذا الاخير على الرغم من اهميته لناحية التفكير الامريكي، يظل اقل اهمية من التمدد الايراني وما يعني هذا، هو اذرع ايران في المنطقة والتى تشكل القلق الامريكي الكبير على مصالحها الحيوية في المنطقة العربية. الامريكيون يقولون لا حرب مع ايران، فقط زيادة الضغط الاقتصادي عليها كي نجبرها على تغيير سياستها في المنطقة. الايرانيون من جهتهم، يقولون ليس هناك حرب بين ايران وامريكا. الشيء الاكيد ان لاحرب هناك ولا حتى صاروخ واحد يطلق على ايران او ايران تطلقه على بوارج امريكا. الامريكيون يعولون على العقوبات الاقتصادية كثيرا في احداث تغير في سلوك ايران كما يقولون،ولكن الهدف الاساسي، هو وفي جميع الاحوال، تغير النظام الحاكم في ايران، عبر احداث غضب شعبي، يقود او يفضي الى اضطراب قوي وواسع يصعب السيطرة عليه مع الاعلام الامريكي الاسرائيلي المبرمج، مما يؤدي في نهاية المطاف الى اسقاط النظام الايراني، وهذا هو التفكير الامريكي الترامبي، الخفي والمستتر. الايرانيون من ناحيتهم، واثقون من انهم سوف يخرجون في نهاية المطاف منتصرين او هكذا يسوقون خطابهم في معركتهم الاقتصادية مع امريكا ترامب ، لأنهم يراهنون على الزمن في انتظار ما تاتي به الانتخابات الامريكية.. عليه، فانهم سوف يلعبون بورقة الزمن هذه، عبر ارسال رسائل وبواسطة طرف ثالث، مفادها ان ايران منفتحة على الحوار ولكن بلا شروط مسبقة، اي جعل باب الحوار موارب لا هو مفتوح على مصراعيه ولا هو مغلق، ويستمر مسار الحال على هذا الدرب..رئيس الوزراء العراقي السيد عادل عبد المهدي وفي لقاء له مع الصحفيين، قال قبل ايام؛ ان الامور سوف تنتهي على خير وان العراق يقوم بتقريب وجهات النظر بين الامريكيين والايرانيين..في ذات الوقت، الامريكيون في ادارة ترامب يستثمرون ما اوقدوا من نار صناعة الازمة الهادفة.. الاقليمية والدولية، استثمارا كبيرا لهذا الجو الساخن والمشحون بمختلف التآويلات والاحتمالات على تخليق وصناعة راي عام امريكي، تقوده الكتلة المجتمعية الصلبة، المحافظة والشعبوية والعنصرية الامريكية، في الوقت الحاضر،لخدمة الاغراض الانتخابية الترامبيه، كناتج عرضي للمخطط سالف الذكر. والمستند على المخطط الامريكي الترامبي، في مواصلة الضغط الاقتصادي والسياسي والاعلامي على النظام الايراني، ليس كما يقولون، من اجل تغير السلوك الايراني بل ان الهدف النهائي هو كما بينا؛ اسقاط النظام..