تعرفت على الدكتور محمد حبش في بداية عام 1993، أثناء قبولي في كلية الدعوة بمجمع أبي النور. عشت أكثر من عامين في رحاب الشام الشريف قريبا منه ومن الدائرة التي كان يعمل فيها وهي مجمع أبي النور في دمشق. كان الدكتور حبش شخصا محبوبا، من الذين تحبهم في أول نظرة. كان يدرسنا السيرة النبوية بطريقة مميزة ولافتة للإنتباه. فهو خطيب مفوه، وأكاديمي من الطراز الرفيع، فكان يستقطب الطلاب ويدهشهم. وكنا نستمتع بدروسه كثيرا ونحب أن يطول الدرس ولا ينتهي. قرأت كتبه، وحضرت خطبه. فالرجل عالم واسع المعرفة، وكاتب غزير القلم، وهو شديد الأدب والخُلق. فهو بالنسبة لي في الواقع من ضمن ما يربطني بروائع الشام، في ذكريات طيبة وعطرة وساحرة.
أعرف الدكتور محمد حبش و أفكاره وتصوراته، فهو عميق الفهم لتاريخ المسلمين، وفي نفس الوقت ضليع بالشريعة وأسسها. وهو إلى جانب ذلك شديد الحساسية تجاه الهجوم العالمي على الإسلام وما يبدو من ضعف للصورة الإسلامية، بل وتشويهها أمام أنظار العالم. فهو كرجل مؤمن وعالم، يحب أن يتجلى الإسلام في أبهى صورة للناس، مطمئنا أن مبادئ الإسلام هي الأرقى والأنفع للبشرية، بالرغم مما لا يُحمد ذكره في شتى مراحل تاريخ المسلمين، مما يعتبره هو أخطاء بشرية لا تعكس روح الإسلام. فعنده المبدأ لا يقاس بالرجال، بل على العكس يضع ميزان الإسلام ويقييم به كل الرجال في كل العصورمنذ الصدر الأول وإلى يومنا، ماعدا الذين شهد لهم القرآن والحديث الصحيح بالطهر والإستقامة.
وفي وقت يعاني المسلمون اليوم التقهقر الحضاري على أصعدة شتى، وما ألمّ بالمجتمعات المسلمة من مصائب وكوارث، وفي ذات الوقت نرى تفوقا غربيا وآسيويا، أمام أعيننا، وهما خارج دائرة الإسلام، فإن العلماء والدعاة أمثال محمد حبش ينبرون غيرة وحبا للدين ولأناسنا، لرفض كل ما يخدش صورة الإسلام، ويتسابقون لإظهار الصورة الناصعة له عبر ما يؤمنون به من مبادئ وأسس تشع نورا ليس للمسلمين فحسب بل للعالمين. ومن هذا المنطلق خاض الرجل تجربته العلمية والفكرية بكل غمارها وأبعادها وتشعباتها المكثفة. قد نتفق معه أحيانا وقد نختلف أحيانا أخرى، وهذه هي طبيعة المواضيع العلمية والفكرية والتأريخية، تحمل في أحشائها النقاش والجدال وتعدد وجهات النظر. شخصياً، أختلف معه في بعض المواضيع، منها نظرته للغرب وقيمه التي تقدم اليوم في لباس العالمية أو الكونية. ولكن حتى هنا، فإن موقفه مفهوم بسبب ما يعانيه الإنسان المسلم من مآسي وكوارث في عالمه، وما يعانيه من إقصاء وإزداء من قبل الآخرين. أو لعلّ الأمر يحتاج إلى المزيد من الوقت حتى تترسخ قراءة محمد حبش للآخر، وتتعمق نظرته للغرب عبر تفاعل طويل، بعيدا عن تأثيرات وعقابيل الحروب والصراعات، وخصوصا الحرب السورية التي مازالت على قدم وساق. ومهما يكن، فإن قراءته وموقفه يحسبان له لا عليه، لأنه يجتهد من منطلقات نبيلة جدا ولغايات سامية على مستوى الأمة.
ولكن مما لا تشوبه شائبه، ولا يتطرق إليه شك، هو أن الشيخ محمد حبش إنسان عالم ومخلص وصادق ومحب للخير للناس أجمع، وخصوصا شعبه السوري الجريح. فهو على كل هذا يستحق منا كامل التقدير والإحترام والمحبة. آلمني جدا ما تعرض له الشيخ منذ إندلاع الثورة السورية في عام 2011، وخصوصا في الفترة الأخيرة، حيث تعرض إلى هجوم لاذع وغير منصف من قبل أناس مختلفين، منهم بعض الشيوخ الذين كفروه واتهموه بالزندقة، بسبب بعض آرائه في المرأة والموقف من بعض الجماعات التي تنتسب إلى الإسلام مثل الأحمدية والتي تلقى رفضا واسعا من قبل الجمهور العام للمسلمين. كما قلت سابقا، قد لا نتفق مع الكثير أو القليل مما يطرحه الشيخ محمد حبش على المستوى الفكري والثقافي، ولكن الرجل لا يستحق هذا الهجوم بأي حال، خصوصا وأن الإختلاف والجدال داخل الإسلام يتعدى ما يبت فيه الرجل إلى مواضيع أخرى، تتسم بحدة شديدة في الإختلاف بين علماء المسلمين في كل العصور.
لقد خدم الشيخ حبش الدين والناس في الإسلام كأستاذ جامعي وكخطيب في جامع الزهراء بدمشق ومؤسس لمعاهد تحفيظ القرآن الكريم، إلى جانب عمله الخيري الهادف عبر جمعيات ومؤسسات خيرية وثقافية. ويعتبر الرجل مجاهدا ومناضلا عاقلا خاض تجربة البرلمان في سوريا، وقدم النصح المطلوب والإرشاد السديد لذوي السلطة وأرباب القوة. وبدا في هذا شجاعا مقداما، خاطر بحياته وحياة أسرته، من أجل الدفاع عن الحق وعن مظلومية الناس. ومنذ إندلاع الثورة السورية، وقف الشيخ محمد حبش إلى جانب الثورة، وكان هذا في الواقع جهادا كبيرا وتضحية كبيرة منه بمصالحه الشخصية، من أجل الإنتصار للدين والحياة والفقراء. وبعد ذلك، وبعد أن تعرض الشيخ للمطاردة والملاحقة وتهديد بالقتل، هاجر مرغما تاركا بلده وبيته وماله، مع كل ما تحمله الهجرة من ألم وعذاب ودموع.
يستحق الشيخ محمد حبش بجدارة أن نقف معه، وندافع عنه وعما يحمله من ذخيرة علمية وثقافية زاخرة. وعلينا أن ندافع حتى عما هو عليه مما لا نتفق معه، لأن ما يختلف هو عليه معنا يشكل غنى ورحابة يساهمان في بلورة صياغات علمية وفكرية أبهى وأزهر لواقعنا ومستقبل أجيالنا.
الشيخ محمد حبش إنسان فاضل وجميل، صاحب عقل نافذ وقلب طيب وشجاع في الدفاع عن المظلومين. وهذا الإنسان يستحق منا أن ندافع عنه إزاء ما يتعرض له من هجوم وتشويه، هو ظلم وعدوان، كان أصابه منهما نصيب كبير، منذ أن كان في سوريا وإلى اليوم. فله التحية والتقدير والمحبة أينما كان.