22 نوفمبر، 2024 7:23 م
Search
Close this search box.

الهجوم على آرامكو ، كيف يكون الرد !

الهجوم على آرامكو ، كيف يكون الرد !

الكل يتساءل ماهو رد السعودية وحليفها القوي الولايات المتحدة بعد الهجوم على آرامكو في الرابع عشر من ايلول الجاري ! وهل أثّر ذلك الهجوم على مكانة السعودية، وضعضع مركزها،وأضعف من دورها كقوة أقليمية في المنطقة ! فضلا عن ذلك ما هو حجم الشك الذي ولّده عدم الرد على هذا الهجوم حول مصداقية الحليف الامريكي في الوقوف مع حليفه عندما يكون الحليف في أمس الحاجة اليه. المؤشرات الحالية وفي ضوء المواقف الاقليمية والدولية لا توحي بأنّ ردا سيحصل في الوقت المنظور على مثل هذا الهجوم ، فلا الوضع في المنطقة يحتمل اي تصعيد يضرّ بالمصالح السعودية والدولية وبخاصة ما يتعلق منها في التدفق الآمن لأمدادات الطاقة ، وليس في وارد الادارة الامريكية الدخول في مواجهة مع ايران في الوقت الراهن ، وهي ما تزال تسعى الى تغيير المسار في ايران من خلال سياسة العصا والجزرة ، وتعمل على عدم تصعيد الخلافات بينهما الى مستوى المواجهة العسكرية ،على أمل عودة العلاقات في يوم ما الى ما كانت عليه قبل الاطاحة بنظام الشاه . وعلى الرغم من عمق الفجوة والعداء المستمر بين البلدين خلال الاربعين سنة الماضية فان عين الولايات المتحدة ماتزال في انتظار عودة الأبن الظال . لذا لن تقع السعودية ولا الادارة الامريكية في الفخ الذي نصبته ايران الثورة ، ولا في الفخاخ المستقبلية الاخرى المتوقعة ، ما دامت هذه الفخاخ لا تتجاوز حدود المنطقة الرمادية ، ويمكن للسعودية والولايات المتحدة من استيعابها . ان ما قامت به ايران خلال الاشهر الثلاث الماضية لا يتجاوز ان يكون محاولات لخلق حالة من القلق والتوتر تدفع المجتمع الدولي ، وبشكل خاص الدول الاوربية ، الى الضغط على الولايات المتحدة أو اقناعها لتخفيف العقوبات على ايران. ولكن لغاية الان يبدو ان ايران اخفقت في هذا الجانب . وربما ازداد وضعها حراجة، فهي لا تستطيع البقاء في الوضع الحالي مع تفاقم تأثير العقوبات على الشرائح الاكثر ضعفا في شعبها ، وتآكل الطبقة الوسطى في حالة استمرارها ، ولا تستطيع المغامرة في اللعب خارج المنطقة الرمادية ، لأنها غير قادرة على تحمل أعبائها ، واذا ما خططت لتجاوزها فستساهم في خلق تحالف دولي واسع ضدها . وعليه فان السعودية وادارة ترامب ترى ان استمرار ممارسة الضغوط القصوى على ايران سيؤدي اما الى قبول ايران باعادة التفاوض على ما يطلق عليه بالاتفاق النووي الايراني وتبعاته ، أو زيادة الفجوة بين النظام والشعب الايراني يوما بعد آخر ، الأمر الذي سيؤدي الى انقسام الطبقة السياسية الحاكمة اذا لم يؤجج اضطرابات شعبية تزعزع النظام في ايران .

ولكن الى اي مدى سيستمر الوضع الراهن ، أي وضع التوتر المسيطر عليه وضبطه من قبل ايران من جهة وصبر السعودية وحليفها من جهة ثانية . وهل ستكتفي ايران بما اثارته من توترات لحد الآن ، أم ان في جعبتها مزيدا من الحركات في المنطقة الرمادية ، وماذا لو تجاوزت احدى هذه الحركات المنطقة الرمادية !

دعونا ننظر الى الاوضاع في ظل الحقائق التالية :

السعودية دولة محورية في الحفاظ على استقرار الاقتصاد العالمي من حيث كونها عضوا في مجموعة العشرين المعنية في الحفاظ على الاقتصاد العالمي وادارة الازمات المالية العالمية وبشكل خاص الازمات الناجمة عن التغيرات في سوق الطاقة ، فضلا عن ذلك فانها تعد من أكبر صناديق الاستثمارات السيادية في العالم ، وواحدة من أكبر الاحتياطات النقدية، ومن المؤمل ان تترأس السعودية قمة مجموعة العشرين في دورتها القادمة التي ستنعقد في الرياض في تشرين الثاني عام 2020 ، وبالتالي فان السعودية لن تقدم على اي تصرف لايخدم دورها العالمي في هذا المجال . فضلا عن ذلك فان السعودية تخطط لبرنامج تنموي وطني متعدد الابعاد يتمثل في رؤية السعودية لعام 2030 ، وهي لن تغامر في اي مشروع يعيق هذه الرؤية أو يهددها ، ولن تتصرف خارج قواعد القانون الدولي ومن دون تحالف دولي يتمتع بغطاء شرعي ، لاسيما وان المادة الواحدة والخمسين من ميثاق الامم المتحدة تجيز لها حق الدفاع الشرعي عن النفس عند تعرضها لأعتداء خارجي ، وهي قد تعرضت لمثل هذا الاعتداء. وعليه فانها لن تقدم على اي ردّ في الوقت الحاضر ما لم يحظى بدعم وشرعية دولية .

الغرب ممثلا ببريطانيا وفرنسا والمانيا ، على الرغم من انها حمّلت ايران مسؤولية الهجوم على آرامكو في السعودية ، فانها تسعى الى خفظ منسوب التوتر واحتوائه ، مع زيادة الضغط على ايران للحوار مع الولايات المتحدة من اجل تحسين الاتفاق النووي الايراني ، واذا لن يتم مثل هذا الحوار فان الدول الغربية( بريطانيا ، فرنسا والمانيا ) التي شكلت العناصر الاساسية في الحوار مع ايران للتوصل الى الاتفاق النووي منذ عام 2003 ، وقبل ان تنخرط الولايات المتحدة وروسيا والصين فيه ، ستنحاز الى موقف الولايات المتحدة ، وستخسر ايران دعم هذه الدول الذي ما زال مستمرا لحد الآن . واذا ما خسرت ايران هذا الدعم فسينهار الاتفاق ولن يعود الى الحياة مرة أخرى وستخسر ايران المكاسب التي حصلت عليها بموجبه والتي لن تتكرر في اية مفاوضات لاحقة ، اذا ما قدّر لها أن تكون .

أما الادارة الامريكية فليس في واردها القيام باي ردّ في الوقت الراهن سوى الاستمرار في ممارسة الضغوط القصوى الى ابعد مدى ، وترى في استفزازات ايران في المنطقة دليلا على نجاح سياستها . فضلا عن ذلك فانها منشغلة الان بالتحقيقات التي يجريها مجلس النواب لعزل الرئيس الامريكي على خلفية المكالمة الهاتفية بينه وبين الرئيس الاوكراني ، والذي طلب فيها من الاخير اجراءات تحقيق في الانشطة التجارية لأبن منافسه في الانتخابات الرئاسية القادمة جوزيف بايدن من خلال عضوية الأبن في مجلس ادارة مجموعة بورسيما ، وهي أكبر مؤسسة لأستكشاف وانتاج الطاقة في أوكرانيا . ولقد تمّ رفع الحصانة السرية عن هذه المكالمة والكشف عن تسجيلاتها يوم الخميس السادس والعشرين من هذا الشهر . ماجاء في المكالمة التلفونية أعتبر بمثابة الطلب من دولة اجنبية للتدخل في الانتخابات الرئاسية الامريكية التي ستجري في نهاية السنة القادمة .

وعليه فان كل الاطراف المعنية تحتاج الى هامش من الوقت وكثير من التفكير قبل ان ترد على الهجمات التي تعرضت لها منشئات آرامكو النفطية ، لأن هذه الهجمات لاتتعلق بمصالح السعودية و أمنها فحسب ، بل لأنه في حالة استمرارها ستتعرض المصالح الدولية والاقتصاد العالمي الى الخطر ، وعند ذاك ستكون مسؤولية معالجة هذا الوضع مسؤولية دولية ويكون الرد جماعيا .

أيران الدولة تعرف هذه الحقائق وتقدّر حجم الضغوط التي تمارس عليها وما هو المطلوب منها،بيد ان ايران الثورة غير مكترثة بذلك حتى ولو ادى تماديها الى حرق المنطقة برمتها ، وهي لاتخفي ذلك وتجاهر به علنا .

ستتعرض ايران الى ضغوط أكبر ، وستكون من الآن ولغاية نهاية هذا العام تحت رحمة الفريق الاممي الذي ارسله الأمين العام للأمم المتحدة للتحقيق في الهجوم على آرامكو والذي سيقدم تقريره الى مجلس الامن في كانون الاول القادم . وفي ضوء ما سيعرضه التقرير سيتصرف مجلس الأمن ، وليست السعودية وحدها . لذا فان الوضع المتوتر في منطقة الخليج سيبقى على حاله لحين ذلك التاريخ ، ما لم تحدث تطورات نوعية تقود الى ما هو أسوء .

أحدث المقالات