الهجمات السبرانية الأمريكية التي إستهدفت 36 موقعا الكترونيا وفضائية تابعة لإيران أو موالية لها في العراق ودول أخرى ، قبل أيام، كانت في إطار سياسة الردع المتبادل ، بعد أن تأكد لخبراء أمنيين أمريكيين ، أن جانبا من الهجمات السبرانية التي إستهدفت منشآت حيوية أمريكية مؤخرا، قد جرى بعضها ، بتخطيط من حزب الله اللبناني الموالي لايران، وبدعم من عصابات الجريمة الألكترونية التي تنشط في الولايات المتحدة، وتوفرت دلائل لها أن حزب الله إمتلك مهارات ألكترونية سبرانية فائقة في إستهداف الأمن القومي الأمريكي، أكثر من مرة، وأقام مع عصابات الجريمة الألكترونية علاقات متشابكة معها!!
كانت الإتهامات الأمريكية بشأن الهجمات السبرانية توجه في الأغلب الى روسيا ، وفي أحيان أخرى الى الصين ، ولكن بدرجة أقل، وجرى إستهداف منشآت نفطية أمريكية حيوية ، وقبلها إتهامها بالتدخل الألكتروني في أجهزة الكومبيوتر الأمريكية خلال فترة الانتخابات السابقة ، وأدت تلك الهجمات الى تدهور العلاقات بين البلدين، بضمنها طرد السفير الروسي وأعضاء كبار في دائرة السلك الدبلوماسي الروسي ، الى أن عادت العلاقات بعض الشيء ، بعد قمة بايدن بوتين الاخيرة في جنيف، والتي أسفرت عن عودة السفراء بين البلدين!!
وربما أدركت الدوائر الإستخبارية الأمريكية مؤخرا أن أذرع إيران من خلال حزب الله اللبناني وحزب الله العراقي ومنظمات موالية لهم في العراق، أنهما قد إمتلكا مؤخرا خبرات تقنية عالية في الحرب السبرانية ضدها، وبخاصة حزب الله اللبناني الذي يعد العقل المدبر لهجمات الكترونية ضد منشآت حيوية أمريكية ، وسعى لإحداث إختراقات متقدمة ، للحصول على معلومات عن التكنولوجيا الأمريكية أو طبيعة المعلومات الأمنية التي تشكل مصدرا لإهتماماته، وتلك المتعلقة بإيران، ووجدت الدوائر الاستخبارية الأمريكية أن إستهدافات حزب الله لمنشآت الأمن القومي الأمريكي لم يعد السكوت عنها أمرا ممكنا، بالرغم من أنها لم توليها إهتماما في دوائر الإعلام ، الا أن لديها معلومات مؤكدة ، كما يبدو، عن وجود محاولات من حزب الله اللبناني وبدعم إيراني للقيام بهجمات وقرصنة من هذا النوع، وبخاصة أن حزب الله نشط في التحرك على عصابات الجريمة الأمريكية والدولية عموما ، وأقام معها علاقات واسعة، كما أقام مع عصابات تهريب المخدرات وتجارة الدعارة الدولية ، ودرت عليه تلك التجارة مليارات الدولارات التي يستخدمها في تمويل حملاته الحربية والدعائية التي تستهدف الولايات المتحدة وجهات أخرى، وهو من يقوم بتمويل أنشطة الجماعات الموالية لايران في العراق واليمن وسوريا ولبنان ودول أخرى، بعد تدهور وضع إيران الإقتصادي والمالي وبطرق إحتيال مختلفة ، عن طريق مصارف وبنوك إيرانية في العراق أو مكاتب صيرفة عراقية ، وبتدخل من جماعات مسلحة موالية لها، حولت لإيران مليارات الدولارات ، بسبب الحصار الدولي المفروض عليها، وسعت للحصول من العراق على عشرات المليارات من الدولارات، لهذا سعت الولايات المتحدة الى توجيه هجمات سبرانية إستهدفت إيران والجماعات الموالية لها، في إطار سياسة ردع جديدة، تأكد لها دور كبير لايران في إستهداف أمنها القومي وتعريضه للمخاطر، وكان إستهداف 36 موقعا وفضائية ووسيلة إعلام تابعة لايران ، وإستهداف انشطة برامجها النووية بهجمات سبرانية من أكثر هجمات الردع الالكترونية التي سعت الولايات المتحدة للقيام بها، إنتقاما لهجمات كانت قد تعرضت لها في فترات مختلفة، وتظن أن لحزب الله اللبناني ولإيران ضلع فيها، إضافة الى تعزيز الضغط الامريكي على إيران لتوقيع إتفاق نووي جديد، مرتبط بالصواريخ الهجومية الإيرانية ، يحاول قدر الامكان، تفكيك قدرات إيران النووية ومواجهة أسلحة ردعها التقليدية وارغامها على الخضوع للرقابة الدولية لمنشآتها النووية!!
وكانت الولايات المتحدة في مقدمة الدول المتطورة إلكترونياً ولا تزال تتمتع بقدرات هائلة، إلا أنها لم تعد محصنة من ضربات الدول المنافسة والجماعات المعادية، فقد أصبحت روسيا والصين عدائيتين في الهجمات الإلكترونية، فيما تحاول إيران وكوريا الشمالية أن تحذوان حذوهما، ولكن في الوقت نفسه أصبحت الشركات الأميركية الخاصة أكثر قدرة على الابتكار حتى أصبحت تضاهي وكالة الأمن القومي في قدراتها الإلكترونية، وأول من يعرف متى تم اختراق نظام ما، الأمر الذي غير التوازن في العلاقة، ومع ذلك فإن هذا الوضع قد يتغير قريباً.
ومنذ تولى الرئيس بايدن منصبه في البيت الأبيض عقب الهجوم الذي تعرضت له شركة “سولار ويندز”، حملت إدارته عدة خطط لزيادة مستوى تبادل المعلومات بين الشركات والحكومة الفيدرالية حول حوادث القرصنة والاختراق، وأخرى لتحديد ومعالجة نقاط الضعف في نظم المعلومات، كما اقترحت خطة للعمل مع الشركات والمؤسسات العاملة في مجال البنية التحتية الحيوية من أجل تجريب نظام جديد للإنذار المبكر، وهي خطة دعمتها المجموعات المختلفة كوسيلة لاختبار نظم جديدة لتبادل المعلومات وبروتوكولات الاستعداد لمواجهة عمليات القرصنة، إضافة إلى تركيز إدارة بايدن على تعزيز وكالة الأمن السيبراني وأمن البنية التحتية.
ولكن يبدو أن هناك بعض المخاوف لدى الشركات الخاصة من كيفية تعاطي الحكومة مع عمليات القرصنة التي تتم في الشركات، فعلى الرغم من الفوائد والمزايا التي تجنيها الشركات من التعاون مع خبرات الحكومة الفيدرالية لتأمين شبكاتها الإلكترونية بشكل أفضل، إلا أن الشركات تتخوف من الإضرار بسمعتها حال حدوث اختراق ضدها، كما تخشى الإفراج عن الكثير من المعلومات للحكومة الفيدرالية، أو أن تتعرض لعصا المسؤولية القانونية من دون توافر حماية قانونية كافية لها، حيث ترغب الشركات في عدم فتح تحقيق جنائي معها حال اختراق نظامها الإلكتروني بسبب وجود ثغرات، أو أن ينتهي الأمر بالتحقيق مع قيادات الشركة أمام إحدى لجان الكونغرس.
ومن المتوقع قريبا كما تشير مصادر في البيت الأبيض، أن يوقع الرئيس بايدن على أمر تنفيذي من شأنه أن يعزز الأمن السيبراني للوكالات والوزارات الأميركية والشركات المتعاقدة معها، ما سيشكل خريطة طريق للدفاع الإلكتروني في الولايات المتحدة، تخلق سلسلة من معايير الأمان الرقمية وتطور البرامج الحكومية وتدخل نظماً من (كودات) التدقيق المتعددة العوامل بما يجعل اختراق هذه الشبكات صعباً للغاية.وأكدت الحكومة الأميركية، مؤخرا، تعرض شبكات تابعة لها مؤخرا لحملة تسلل إلكتروني، واصفة إياها بأنها “كبيرة ومستمرة”.
وما نود أن نخلص اليه في خاتمة هذا الإستعراض الى أن الهجمات السبرانية الأمريكية الأخيرة ضد إيران وأتباعها في دول المنطقة ، وحتى ضد روسيا، قد بدأت ملامحه تظهر الى العيان الآن، بعيدا عن إستخدام ادوات الردع التقليدية، ولإفهام الطرف الآخر ، أيا كان، أن حربه السبرانية ضد الولايات المتحدة ستكلفه خسائر باهضة، وقد تؤدي الى إلحاق الهزيمة به في نهاية المطاف!!