لا يختلف اثنان على ان احتلال الكويت من قبل النظام الصدامي المباد كان بداية لعد تنازلي لأسقاط النظام بسبب تمرده على القوى الكبرى وعصيانه على المجتمع الدولي بسبب استمرار حروبه و ممارساته القمعية ضد ابناء الشعب العراقي واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا وقتل مئات الالاف من المعارضين والمدنيين العزل في القرى والمناطق التي كانت مسرحا للعمليات العسكرية.
مع تحرير الكويت من الاحتلال الصدامي من قبل قوات التحالف الدولي بقرار اممي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية ،انتهز الشعب العراقي الفرصة واندلعت شرارة الانتفاضة في كوردستان ومحافظات الوسط والجنوب وسقطت عدة محافظات بيد الجماهير المنتفضة وبسبب التدخل الايراني ومحاولته فرض ارادته وسطوته على المنتفضين،اعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر للنظام لقمع الجماهير واستعادة سيطرته على المدن والقصبات التي تم تحريرها.
لم يتردد النظام بأستخدام اقسى واشد الاساليب لقمع ابناء الشعب العراقي حيث استخدم المروحيات المقاتلة وكلما يمتلك من الأسلحة والذخيرة لأخماد نار الثورة المندلعة ما اضطر ابناء شعب كوردستان الى القيام بهجرة مليونية صوب كل من ايران وتركيا في ظروف قاسية بعد استشهاد العشرات من الاطفال والنساء والشيوخ بسبب نقص المواد الغذائية والتعب والإرهاق ووعورة الطرق التي سلكوها.
هذه التراجيديا الانسانية ارغمت المجتمع الدولي على اتخاذ اجراءات عاجلة لأغاثة اللاجئين واقامت جسوراً جوية لنقل المساعدات والامدادات لأنقاذ ارواح المدنيين الذين كانوا يعانون من البرد القارص والمرض في المخيمات التي اعدت لهم، لم يمض اكثر من شهرين حتى اصدر مجلس الامن الدولي في 5 نيسان من عام 1991 قراره المرقم (688) واعلان وتحديد المناطق الآمنة في المحافظات الكوردية تحت غطاء دولي والسعي لأعادة اللاجئين الى مناطق سكناهم الأصلية.
تحديد المناطق الآمنه وفرض الحظر الجوي في تلك المناطق كان مبعث طمأنينة للاجئين للعودة الى مناطقهم ومزاولة حياتهم اليومية،في تلك الاثناء كانت الاحزاب الكوردية المنضوية تحت الجبهة الكوردستانية قد فرضت سيطرتها بالكامل على محافظات اربيل ودهوك والسليمانية استعدادا لمرحلة جديدة من الحياة السياسية في كوردستان.
وفي محاولة اخرى للنظام للضغط على الجماهيرالمنتفضة قام بفرض حصار اقتصادي واداري ظالم على تلك المناطق وسحب اجهزته الأدارية منها ما ادى الى خلق ازمة اقتصادية ادارية خانقة،لكن الجبهة الكوردستانية لم تيأس بل عملت بثقة عالية بالنفس لمعالجة الاوضاع وفتحت الحدود مع دول الجوار للتجارة واستيراد البضائع فضلا على ملأ الفراغ في الدوائر و المؤسسات الحكومية وبالاخص الدوائر الخدمية.
في خضم تلك الاوضاع الجديدة والدعم والاسناد العسكري والسياسي الدولي للمنطقة الكوردية اقترح الرئيس مسعود بارزاني على القوى السياسية المنضوية تحت مظلة الجبهة الكوردستانية ببدء مرحلة جديدة من النضال المدني الديمقراطي واجراء انتخابات لتشكيل كيان لأدارة المحافظات المحررة،حيث بدأت الأستعدادات لأجراء انتخابات نيابية لتشكيل اول برلمان و حكومة لأدارة الأقليم واجريت اول انتخابات حرة في 19 ايار 1992 وتشكلت حكومة الأقليم الأولى برئاسة السيد نيجيرفان بارزاني وشرعت بالعمل على توفير الخدمات ومن ثم الشروع بأعادة اعمار البنى التحتية في المدن والقصبات وصولا الى القرى والارياف.
بالرغم من المشاكل والمعوقات السياسية والامنية والادارية والاقتصادية وضعت الحكومة الفتية خططاً وبرامج آنية وستراتيجية لأعادة الأعمار وشرعت بالبناء والاعمار بأمكانيات محلية ودعم دولي متواضع ،الا ان الحكومة تمكنت من ايجاد مناخات للأستثمارات الاجنبية في الاقليم واستقطبت الشركات للعمل في المجالات المتعددة وبالاخص في مجال البنى التحتية وتوفير الخدمات وبناء مادمرته الحروب في كوردستان.
وفي زمن قياسي انجزت مئات المشاريع واصبحت اربيل العاصمة محط انظار اصحاب رؤوس الاموال للأستثمار واضحى الاقليم لايقل اهمية عن دول الجوار من حيث القوة الاقتصادية واستقطاب الاستثمارات ودخول مئات الشركات الاجنبية سوق العمل في الاقليم وخلال سنوات قليلة تمكن رئيس الحكومة الشاب الطموح نيجرفان بارزاني من بناء اقليم عامر ومزدهر يضاهي الكثير من الدول التي تكاملت تقريباً قبل عقود من تشكيل حكومة الأقليم.
واليوم وبعد مرور ثلاثة عقود على تشكيل حكومة اقليم كوردستان ورغم المشاكل مع دول الجوار والمركز بسبب العقليات التي ماتزال متمسكة بالنظام الشمولي المركزي ورغم الحرب ضد الارهاب التي خلفت اكثر من 12 الف شهيد ومصاب فضلا على مئات المليارات من الخسائر المادية ونزوح اكثر من مليوني عراقي ولاجئ سوري وايراني الى ارض الاقليم وقطع موازنة الاقليم من قبل الحكومة الاتحادية منذ 2014ولغاية اليوم اصبح الاقليم لاعباً محليا واقليميا مهما للاستقرار وواحة للتعايش السلمي.
واليوم اذ يتعرض شعب اقليم كوردستان لسياسات لا تختلف عن سياسة النظام السابق من حيث المبدأ لتركيع شعبنا عبرقطع رواتب الموظفين واصدار قرارات جائرة وبعيدة عن روح الدستور من قبل ما تسمى بالمحكمة الأتحادية كجزء من المخطط التآمري الأقليمي لتحجيم الأقليم وعودة العراق للدكتاتورية المقيتة،في ظل تلك الظروف الصعبة،ما تزال حكومة السيد مسرور بارزاني ماضية بخطى حثيثة وثقة عالية بالنفس لكسر سياسة التجويع والتركيع والمضي قدماً لأفشال المخطط التآمري والحفاظ على كيان اقليم كوردستان.
ان الوقوف بوجه الهجمة الشرسة الجديدة يستدعي وقفة وطنية وتماسك الشعب مع القوى السياسية الكوردستانية الوطنية وتجاوز جميع الخلافات والعمل بروح الفريق الواحد لنيل حقوق شعبنا الدستورية والقانونية والحيلولة دون عودة العراق للنظام المركزي المقيت.