18 ديسمبر، 2024 10:15 ص

الهبوط من عالم أحسن تقويم.. إلى عالم ..أسفل سافلين.

الهبوط من عالم أحسن تقويم.. إلى عالم ..أسفل سافلين.

عجيبٌ هوَ القلبُ الذي كانَ جمرةً

تجمَّدَ رغمَ النارِ فيهِ من البردِ

كذلكَ كانَ القلبُ بالأمسِ نحلةً

تطوفُ على كلِّ الأزاهيرِ والوردِ

فتمتثل الطبعَ الذي في كيانِها

فما امتنعت يوماً عن العسلِ الشهدِ

أنا الآنَ لا ورداً أشاءُ رحيقَهُ

سوى ما يراني الناسُ أنظرُ عن بُعدِ

ولو سألوا عن نفسِ إسمي نسيتُهُ

جميعُ جهاتي صورةُ الحجرِ الصلدِ

***

غسلتُ يدي من كلِّ ما قد حسبتُهُ

أرقَّ جمالاً قد حملتُ لهُ وجدي

أجل بقِيَ الحبُّ الذي هوَ غايةٌ

ولولاهُ فضَّلتُ الإقامةَ في اللحدِ

على أنَّهُ حبٌّ بلا أيِّ صورةٍ

سوى أنَّهُ حبٌّ أحسُّ بهِ وحدي

ولستُ أشاءُ الحبَّ قطُّ مشخَّصاً

أمامي وإلا فهوَ ذنبٌ بلا قصدِ

لا وجودَ للمنطق في الحبّ أو في العشق، أو قل إنَّ لللحبِّ والعشق منطقاً، لكنه منطقٌ غامضٌ وملتبسٌ ومعقَّدٌ جداً، فأنت تحبُّ لا لكي تعقلنَ العالمَ والأشياءَ للناس، أو لتمنطقهما وتعقلنهما ولكن لنفسك فحسب، هل يعني هذا أنَّك راغبٌ في تعطيل جهاز التفكير عندك، واستبداله بالرغبات النفسية التي تكابر وتأبى الاعتراف بحقيقةِ أنها النقيض الأظهر والأوضح لما يمليه العقل والمنطق، لا أعتقد هذا تماماً، فأنا أدرك أنَّ كثيراً من الرغبات النفسية إنما يتولَّد في الذات بعد أن يكون المرء قد بلغ الحالةَ القصوى من القطع والجزم بصحَّةِ أو خطأِ الكثير من الأشياء، المسألة لا تعدو كونها شبيهةً بالطرائق التي نتذوَّق بها الجمالَ الغامضَ والمتنوِّعَ في العالم، فلنا أحكامنا المتنوِّعة والمختلفة والمتناقضة على ما نراه جميلاً أو قبيحاً أو بين بين، أو ما نراه حيادياً لا يستحقّ منا أيَّ نمطٍ من أنماط الإثارة، كلُّ ذلك تابعٌ إلى ما حققناه من تطوُّرٍ في سلَّم التفكير العقليّ والمنطقيّ –كما نزعم على الأقلّ-في سنوات أعمارنا، حتى نما وترعرع وترسَّخ فينا المعيار الجماليّ الذي أصبح في نظرنا هو أحقّ الأشياء بأن يكونَ هو المنطق الجماليّ الصحيح والخلاق، إذن ليس كلُّ ما

هو نفسيٌّ هائجٌ وأحمق ولا حظَّ له من التفكير المنطقيّ السليم، المسألةُ أبعَدُ وأعقَدُ من ذلك بكثير، فللعواطف والرغبات النفسية جهازها العقليُّ والمنطقيُّ المهمُّ والكبيرُ أيضاً، بل ربما كان هو الأصل في ما لدينا من جهازٍ منطقيٍّ عقليٍّ نزعم أنه هو الأصل الذي يجب أن تنبثق منه كلُّ الأفكار، والحال أننا لا نفكِّرُ أبداً، بل لا يصحُّ أن نفكِّر أبداً، إلا بعد أن ننجحَ في اختبارِ ما نشعرُ به أو نحسُّ من خلال ذلك المعيار القلبيّ والعاطفيّ الذي هو لحدِّ الآن لم نحسن استخدامه ولا وزن الأفكار العقلية والمنطقية طبقاً له بالصورة الصحيحة، ولذلك خسرنا على صعيد العقل والنفس معاً، وتأخَّرنا خطوةً إلى الخلف، وهي الخطوة الأوسع والأهمّ في تأريخ الإنسان، لأنها كانت هي المسافة الفاصلة بينه وبين المخلوقات الأدنى من الحيوانات والحشرات والنباتات والجماد، وكانت عاقبتنا أن هبطنا من عالمِ ((أحسنِ تقويم)) إلى عالمِ ((أسفلِ سافلين)).