17 نوفمبر، 2024 10:46 م
Search
Close this search box.

الهاشمي وحكم الاعدام والقاعدة

الهاشمي وحكم الاعدام والقاعدة

قبل حوالي سبعة شهور، وتحديدا في الثالث والعشرين من شهر شباط-فبراير الماضي شهد العراق سلسلة عمليات ارهابية حصدت ارواح عشرات المواطنين في بغداد وبابل ونينوى وديالى والانبار ومدن اخرى، وجاءت تلك العمليات بعد اقل من ثمان واربعين ساعة على صدور حكم قضائي بألقاء القبض على نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي على خلفية ورود معلومات موثقة عن ضلوعه وعدد من المقربين له في مكتبه بعمليات ارهابية.

   وقبل يومين تكرر المشهد، من حيث الفعل ورد والفعل، ومثلما كان الهاشمي طرفا في المشهد السابق، فأنه كان حاضرا في المشهد الثاني، ففي المرة الاولى ازمت مذكرة القاء القبض عليه الاجواء اكثر مما كانت متأزمة ومتشنجة ومحتقنة لتصنع يوما دمويا داميا اخر للعراقيين، وفي المرة الثانية فعل حكم الاعدام الذي اصدرته المحكمة الجنائية بحقه نفس الشيء لتشهد بغداد ومعها مدن البصرة وذي قار وميسان وكركوك سلسلة تفجيرات بالسيارات المفخخة والاحزمة الناسفة ادت الى سقوط مايقارب من اربعمائة شهيد وجريح غالبيتهم المطلقة من المدنيين.

   ومع ان اعلان حكم الاعدام بحق الهاشمي وصهره ومدير مكتبه صدر في الساعة الحادية عشرة بتوقيت بغداد من يوم الاحد الماضي، الا ان قسما من العمليات الارهابية وقعت في ذلك اليوم قبل الاعلان، بيد ان ذلك لايعني عدم وجود ارتباط بين الحدثين، لانه من الطبيعي جدا ان يكون حكم المحكمة قد اتخذ قبل يوم او يومين وربما اكثر، وان الخبر تسرب بطريقة او بأخرى الى من يعنيهم الامر.

  تنظيم القاعدة الارهابي اعلن في بيان رسمي مسؤوليته عن عمليات الاحد الارهابية، واكد ان الهدف منها هو اطلاق سراح السجناء في المعتقلات العراقية، وتبدو الرسالة واضحة الى حد كبير، وهي ذات الرسالة التي اراد تنظيم القاعدة توجيهها حينما قامت عناصر تابعة له بمحاولة اقتحام مديرية مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة وسط العاصمة بغداد في الحادي والثلاثين من شهر تموز-يوليو الماضي.

  من بين ماقاله تنظيم القاعدة في بيانه بشأن تفجيرات الاحد الماضي هو “ان هذه الأعمال الإرهابية جاءت رداً على حملة التعذيب والتصفية المنظمة التي يتعرض لها أسرى أهل “السنة” في سجون الحكومة الصفوية”!.

   ولايختلف ذلك من حيث الجوهر والمضمون مع بيانات سابقة لتنظيم القاعدة بشأن عمليات ارهابية مماثلة.

   صحيح ان التنظيم لم يتحدث ولم يشر صراحة الى قضية طارق الهاشمي، الا ان سياقات الوقائع والاحداث تشير الى تلك القضية لم تكن بعيدة عن اجواء ومناخات التأزم السياسي والتدهور الامني في العراق طيلة الشهور السبعة الماضية، وتذهب المؤشرات الاولية عبر القراءات المبكرة لتداعيات حكم المحكمة الجنائية عليه بالاعدام بملفين فقط، هما اغتيال المحامية سهاد العبيدي واغتيال الضابط في الامن الوطني طالب بلاسم وزوجته، علما ان هناك ملفات اخرى ضد الهاشمي وشهره واشخاص اخرين من افراد حمايته والعاملين في مكتبه، تذهب المؤشرات الاولية الى هذا الحكم –بصرف النظر عن صحته او عدم صحته-سيزيد من حدة الانقسام والاحتقان بين الفرقاء السياسيين، ناهيك عن كونه سيوفر فرصة اخرى لبعض الاطراف الخارجية لفتح جبهات اعلامية وسياسية اخرى-وربما غير ذلك-ضد العراق.

   ردود الافعال الرافضة لحكم المحكمة من قبل اوساط ومحافل سياسية سنية وكردية تؤكد الى حد كبير ان الامور سائرة الى المزيد من التأزم والتعقيد، اذ انها ترى ان قضية الهاشمي سياسية اكثر منها قضائية، وان التعاطي معها ومعالجتها، لايمكن ان يتم الا عبر القنوات والمسالك السياسية، لذلك ينبغي ان تدرج مع قضايا اخرى تحتاج الى نقاشات وتفاهمات-او قل مساومات-بين الفرقاء.

   واذا كانت ردود الافعال الاولية-بالسلب او الايجاب-تشير الى ان حالة الاستقطاب ستبقى قائمة ومن الممكن ان تتصاعد مستوياتها، فأن الموقف التركي الغاضب والرافض لحكم القضاء العراقي بحق الهاشمي، واعلان انقرة الصريح عدم تخليها عن الاخير، يؤشر بوضوح الى ان القوى الخارجية التي دافعت بقوة عن الهاشمي انطلاقا من حسابات سياسية ذات صبغة طائفية ستظل تدافع عنه حتى ولو ثبت لديها انه ارتكب عشرات الجرائم وليس جريمة واحدة او جريمتين، وما يعمق ويرسخ هذه الرؤية طبيعة مجمل الاجواء والمناخات السياسية في المنطقة ومسارات الازمات التي تعيشها في اكثر من مكان مثل سوريا والبحرين والسعودية وغيرها.

  ورغم ان منطق الاطراف المؤيدة والداعمة لحصر قضية الهاشمي في اطار السياقات القانونية والقضائية يحظى بالقبول على الصعيد الشعبي العام، الا انها ترى ان امامه فرصة في اطار ذات السياقات ليتجنب حكم الاعدام من خلال الطعن والتمييز، علما انها تدرك الى حد كبير ان انقرة لن تسلمه الى بغداد، وان الشرطة الدولية (الانتربول) لن تستطيع فعل شيء ما لم يحصل تجاوب من الجهات المعنية في الدولة التي يقيم على اراضيها.   

   ولعله من الخطأ تصور او افتراض ان معالجة وحل ازمة الهاشمي سياسيا سيضع حدا لنزيف الدماء في الشارع العراقي، وكنا قد كتبنا في مقال سابق تحت عنوان (“هدم الأسوار” ونزيف الدماء!) ، “يبدو انه في الوقت الذي توجد عدة عوامل تساعد على عدم انحسار مستوى الارهاب في العراق خلال المرحلة الراهنة وعلى المدى القريب والمتوسط، فإن المراقب لا يلمس أية عوامل -او حتى اشارات في الافق-من الناحية الواقعية من شأنها ان تدفع باتجاه اصلاح الواقع الأمني العراقي وإحداث نقلة نوعية فيه، بسبب طبيعة الازمات السياسية الحادة وانعدام الثقة بين الفرقاء، والخلافات -او القطيعة-بين العراق وقوى اقليمية لها قدرة على التوجيه، او قل التخريب والتدمير، ناهيك عن تداعيات الاحداث في عموم المشهد الاقليمي العام…”.

  الاطراف التي تسعى الى رفع وتيرة العنف والارهاب في العراق ضمن اجندة خطيرة تتجاوز حدود العراق لتغطي جغرافية المنطقة، تمثل لها قضية الهاشمي ورقة مهمة الى جانب اوراق اخرى للسير والتقدم نحو الامام لتهيئة وتوفير الارضيات والمناخات الملائمة لتنفيذ تلك الاجندة، وربما تهدف الاخيرة الى ايجاد واختلاق قضايا خلافية وعقد مستعصية لاللبحث عن حلول ومعالجات.

   فتفجير السيارات المفخخة والاحزمة الناسفة في مدن العراق من جنوبه مرورا بوسطه الى شماله، وامتدادا الى شرقه وغربه، لن يفك عقد قضية الهاشمي، ولاعقد اية قضية اخرى، وانما يفعل العكس.    
[email protected]

أحدث المقالات