23 ديسمبر، 2024 9:25 ص

النورسي أسير جمال القرآن

النورسي أسير جمال القرآن

رجل نحيف، هكذا يبدو لرائيه أول مرة ، ولكنه يمتلك عقلا ثاقبا، وإيمانا متوهجا، وجرأة نادرة ، وتفاني بلا حدود، يد القدرة أعدته ليخدم القرآن عبر حياته المديدة بعد تحولات كبيرة ألقت به على ساحل القرآن ، فأسره جماله ففاض لسانه بأعذب الكلمات، فكانت رسائل النور.
(سعيد النورسي) أحد أبرز رجالات العلم، وفطاحل الفكر، ورموز الإصلاح والتنويرفي العصر الحديث، ولد سنة “1877”م في قرية “نورس” شرقي الاناضول، وانكبّ بعمق على دراسة كتب الرياضيات والفلك والكيمياء والفيزياء والجيولوجيا والفلسفة والتاريخ حتى تعمق فيها إلى درجة التأليف في بعضها فسمّي بـ”بديع الزمان” اعترافاً من أهل العلم بذكائه الحاد وعلمه الغزير واطلاعه الواسع. توفي في 1960م تاركاً موسوعة إيمانية ضخمة تسد حاجة هذا العصر.
من يتأمل تعريف النورسي للقرآن يدرك مدى عمق تعامله مع القرآن.قال: (هوأساس وهندسة وشمس لهذا العالم المعنوي الإسلامي. وهو خريطة للعالم الأخروي. هو قول شارح، وتفسير واضح، وبرهان قاطع، وترجمان ساطع؛ لذات الله وصفاته وأسمائه وشؤونه، ومرب للعالم الإنساني. وكالماء وكالضياء للإنسانية الكبرى التي هي (الإسلامية). هو الحكمة الحقيقية لنوع البشر، والمرشد الهادي إلى ما خلق البشر له. كما أنه كتاب شريعة كذلك كتاب حكمة. وكتاب دعاء، وعبودية كذلك ، كتاب أمر ودعوة. كما أنه كتاب ذكروفكر، وكما أنه كتاب واحد، لكن فيه كتب كثيرة، في مقابلة جميع حاجات الإنسان المعنوية. القرآن هو بداية الطرق، وأصل هذه الجداول، وشمس هذه الكواكب السيارة، فتوحيدالقبلة الحقيقي إذن لا يكون إلا بالقرآن، أو ليس القرآن هو أسمى مرشد، وأقدس أستاذ على الإطلاق). 
ومن هنا كان النورسي – رحمه الله – يتنقل بين البلاد والعباد، مستجيبا لإرادة الله وعجيب قدرته، مرة منفيا، ومرة سجينا، وأخرى سائحا في ملكوت الله.. فيهب هذا (قطرة)، وذاك (رشحة)، والآخر (شمة)، أو (نقطة)، أو (ذرة)، وهكذا، حسب تعبير الدكتور فريد الأنصاري.
لخص النورسي رحلته مع القرآن بقوله (صرفتُ كل همي ووقتي إلى تدبّرمعاني القرآن الكريم. وبدأت أعيش حياة”سعيد الجديد”.. أخذتني الأقدار نفياً من مدينة إلى أخرى.. وفي هذه الأثناء تولدت من صميم قلبي معاني جليلة نابعة من فيوضات القرآن الكريم، أمليتها على مَن حولي من الأشخاص، تلك الرسائل التي أطلقت عليها (رسائل النور) إنها انبعثت حقاً من نور القرآن الكريم ، لذا نبع هذا الاسم من صميم وجداني، فأنا على قناعة تامة ويقين جازم بان هذه الرسائل ليست مما مضغته أفكاري و إنما إلهام إلهي أفاضه الله سبحانه على قلبي من نور القرآن الكريم ).
 رسائل النور مدرسة إيمانية قرآنية. أنقذت كثير من الناس من التيه والحيرة والجهل . نابعة من القرآن الكريم وإدراك لطبيعة العصروحركته وأفكاره وكتبت بأسلوب مطابق لروحه، يفهمه الخاص والعام.
 سجل فيها “بديع الزمان” كل ما استلهمه من نور القرآن الكريم من معاني الإيمان وأملاها على تلاميذه في ظروف عسيرة بقصد إنقاذ الإيمان في ذلك العصر العصيب بإحياء معاني القرآن ومقاصده في النفوس والعقول والأرواح. فوضع بيد الجيل الجديد منهلا ثراً ونبعاً قرآنياً صافياً يحفظ عليهم دينهم ويطهر قلوبهم وعقولهم مما قد علق بها.
من روائع النورسي:
– لأبرهنن للعالم بأن القرآن شمس معنوية لا يخبو سناها ولا يمكن إطفاء نورها.
– ضياء القلب هو العلوم الدينية، ونور العقل هو العلوم الكونية الحديثة وبامتزاجهما تتجلى الحقيقة، وبافتراقهما تتولد الحيل والشبهات في هذا، والتعصب الذميم في ذاك. 
– إن أكثر أحداث حياتي، قد جرت خارجة عن طوق اقتداري، وشعوري، وتدبيري؛ إذ أُعْطِيَ لها سيرٌ معينٌ، ووُجِّهت وجهةً غريبةً؛ لتنتج هذه الأنواع من الرسائل التي تخدم القرآن الحكيم. بل كأن حياتي العلميةجميعها بمثابة مقدمات تمهيدية؛ لبيان إعجاز القرآن بالكلمات!.
إضاءة : فكأن النورسي خَادِمٌ سَقَّاء، لا يفتأ يذرع الأرض طولا وعرضا، يحمل كأسا مترعة بحقائق الإيمان، مقطرة تقطيرا من رياحين القرآن، يسقي العطشى.. ولقد كان أمره عجبا ، قطرة واحدة من روح القرآن كافية لإرواء صحراء شاسعة من البشرية التائهة في الجحيم! ( د. فريد الأنصاري من كتابه الرائع مفاتح النور).