23 ديسمبر، 2024 1:45 ص

النهوض…إرادة وإدارة

النهوض…إرادة وإدارة

مرت دولة البرازيل في الثمانينات بأزمة اقتصادية طاحنة، فذهبت إلى صندوق النقد الدولي معتقدة انه الحل لأزماتها الاقتصادية، وحينما قامت بتنفيذ تعليمات البنك المركزي وشروطه المجحفة،مما أدى إلى تسريح ملايين العمال وخفض أجور باقي العاملين وإلغاء الدعم !! ما تسبب بانهيار الاقتصاد البرازيلي ووصل الأمر إلى تدخل دول أخرى في السياسات الداخلية للبرازيل، وفرض البنك الدولي على الدولة أن تضيف إلى دستورها مجموعة من المواد تسببت في اشتعال الأوضاع السياسية الداخلية .. وعلى الرغم من استجابة البرازيل لكل الشروط، تفاقمت الأزمة أكثر فأكثر، وأصبح 1% فقط من البرازيليين يحصلون على نصف الدخل القومي،ووصل ملايين المواطنين تحت خط الفقر، الأمر الذي دفع قادة البرازيل إلى الاقتراض من الصندوق مرة أخرى بواقع 5 مليارات دولار معتقدين انه الطريق للخروج من الأزمة،فتدهورت الأمور أكثر ، وأصبحت البرازيل الدولة الأكثر فساداً وطرد للمهاجرين، والأكبر في معدل الجريمة وتعاطي المخدرات والديون في العالم ، وانهارت العملة ووصل الدولار إلى ” ألف كروزيرو” حتى جاء عام 2003 وانتخب البرازيليين رئيسهم “لولا داسلينا” المولود من عائلة فقيرة ذاقت ويلات الجوع والظلم والاعتقال،حيث كان يعمل ماسح أحذية، وعندما وصل إلى الحكم خاف الكل منه، واعتقد رجال الأعمال بان سوف يأخذ أموالهم،واعتقد الشعب البرازيلي أن لافائدة تذكر ، ولكنه لم يفعل ذلك بل قال مقولته الشهيرة ” لم ينجح أبداً صندوق النقد الدولي إلا في تدمير البلدان ” ووضع ثقله في أربعة أمور(الصناعة.التعدين. الزراعة.التعليم) وعمل على رفع المستوى المعاشي للمواطن البرازيلي من خلال الضرائب على الجميع، ولكن بتسهيلات مالية كبيرة ، الأمر الذي جعل البرازيل تستعيد عافيتها في غضون 8 سنوات ، وبعد انتهاء حكم دسيلنا عام 2011 طالب الشعب بان يستمر ويعدل الدستور ولكنه رفض بشدة وقال كلمته الشهيرة ” البرازيل ستنجب مليون ديسلنا… ولكنها تملك دستوراً واحداً” والآن البرازيل تدشن أول غواصة نووية / حيث تعد في المرتبة السادسة في إنتاج الغواصات . أن النهوض بالتخلف ليس بالأمر المستحيل، بل هي إرادة وإدارة واللافت أن هذا الانقلاب الايجابي يحدث خلال 8 سنوات من حكم حاكم عرف ماذا يريد وماذا يفعل ، وهذا ماعملته الهند في التسعينات، وتركيا والبرازيل في عام 2003 ، وهذا ما تعمله الآن أثيوبيا وراوندا، وهذا ما تسعى له كل دولة تريد النهوض ببلدها وشعبها نحو الخير والرفاهية، وهذا ما نشهده في الكثير من البلدان العربية التي شهدت طفرة نوعية كبيرة في اقتصادها لأنها تمتلك الإرادة في تحقيق هذا الانجاز إلى جانب الإدارة الناجحة في عملية التغيير والإصلاح المنشودة، حيث سعت هذه الدول إلى أن يكون من أولى أولوياتها هو تحسين دخل الفرد وبما يحقق الاكتفاء الذاتي له . العراق بلد الخيرات والثروات البشرية الهائلة ، والذي يمتلك خامس احتياطي في العالم من الإنتاج النفطي، وهو يعيش بين ثنايا نهرين عظيمين هما دجلة والفرات، إلى جانب تاريخه الذي يتصف بأرض السواد،وحضارته الممتدة في بطون التاريخ أمسى بلداً لايمتلك أي مقومات العيش الكريمة، وبات مصدراً للخطر يهدد جيرانه، ومرتع للإرهاب والجريمة والفساد وسرقة المال العام، وأصبح المنصب يباع في الأزقة والشوارع،ومن أراد منصباً في الدولة العراقية فليذهب إلى مكتب السيد الفلاني ليحصل على مايريد لقاء اتفاقات وقومسيونات ومصالح مشتركة بينها، الأمر الذي جعل الدولة تنهار تماماً أمام هذه العصابات وتجار الكراسي الذين خربوا البلاد وأفسدوا العباد، حتى أمسى الشعب العراقي يصنع الأصنام ليعبدها دون عبادة الوطن والأرض، وأصبحت السياسة أكذوبة والعوبة لدى مراهقي السياسة وأطفال الأزقة، دون النظر إلى بناء دولة اقتصادية قوية تمتلك كل هذه المؤهلات في أن تكون لاعب أساسي في المعادلة الإقليمية أو الدولية، وهي رأس الحربة في أي موقف عربي أو إسلامي إلى جانب امتلاكها للقدرة البشرية الهائلة فالشعب العراقي شعباً شبابي يمتلك القدرة على العمل وتطوير بلده ، لان عملية النهوض بالبلاد يحتاج إلى أرادة وعزم وإدارة ناجحة في النهوض بالبلاد ..