النهضة بحاجة لفكر , ولا توجد نهضة بدون فكر , والفكر يؤسسه عقلاء الأمم ومنوروها ومفكروها وفلاسفتها .
فالثورات الناجحة مناراتها فلاسفة ومفكرون , أرسو دعائم منطلقاتها ومناهجها الأخلاقية والسلوكية , التي بها تأكدت ومنها إنبثقت.
فسلوك الأمم والمجتمعات يترجم فكرها الفاعل فيها , فكيفما يكون فكرها تكون.
وواقع الأمة يشير إلى أن الفكر الفاعل فيها ظلامي مكرر , وإستعبادي إستفزازي عدواني إقصائي أصولي متطرف.
وعلة الأمة أن الفكر الديني هو الذي يسري في ضميرها ووجدانها ووعيها , ولا يمكنها أن تتحرر من قبضته.
ولهذا فهي تمتلك الإستعدادات المتوارثة عبر الأجيال للوقوع ضحية لأدعياء الدين والمتاجرين به , لأنهم يحفزون القابليات الكامنة فيها , ولهذا تطغى الحركات والتحزبات المؤدْيَنة ويضعف دور التوجهات المتحررة الأخرى.
ويبدو أن أبناء الأمة قد عجزوا عن تأسيس الفكر المتوافق مع ذاتها ومكوناتها الحضارية.
فالأحزاب الثورية بأنواعها فشلت في تأسيس الفكر الراجح والمناسب لتفعيل إرادة الأمة وإعادتها إلى مسارات الصعود والرقاء , بل جميعها أسهمت بإنهيارات حضارية وتفاعلات سلبية , أجهزت على أعز ما فيها من القدرات والطاقات.
وفشلت تماما في توحيد رؤيتها لواقعها في حاضرها ومستقبلها , بل أمعنت في تشكيل مناهج فهمها وتصورها وما تراه بآليات متنافية مع عصرها.
وشاركت في بناء حواجز الشكوك والظن بالسوء ما بين بلدانها , وأضافت سلوكيات ذات عدوانية فاضحة , فأرست دعائم التفاعل السلبي ما بين أبناء الأمة.
وما دام الفكر قاصرا ومركونا على الرفوف , ومحصورا في النخبة المنعزلة من أبنائها , فأن الحديث عن النهضة والتعافي من الوجيع القائم والقادم , أشبه بمطاردة سراب فوق رمال صحارى وجودنا الدهماء!!
فهل من نهر فكري يُحيِّ روح وجودنا ويُفاعل عقولنا؟!!