18 ديسمبر، 2024 8:11 م

النهضة الحسينية في مواجهة الاضطهاد الأموي للإنسان

النهضة الحسينية في مواجهة الاضطهاد الأموي للإنسان

كانت ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) ثورة ضد طغيان بني أمية الفرعوني الذي وصل إلى أقسى مدياته في حكومة معاوية وابنه يزيد ، فلقد سحق الحكم الأموي كل معالم الإنسانية والرحمة والعدالة الاجتماعية ، وتسلطوا باسم الخلافة ليمحو أسمى معالم الإسلام المحمدي ، إسلام الرحمة والعدالة والإنسانية والعفو والتسامح والسلام.

لذلك لم يخرج الإمام الحسين (عليه السلام) أشرا ولا بطرا كما صرح هو بذلك ، وإنما كان خروجه لينقذ الدين والإنسان من براثن ذئاب بني أمية التي عاثت في الأرض ظلما وفسادا ، ومحقت معالم الدين الحق واذلت الإنسان الذي كرمه الله تعالى ، لذلك كان الإمام الحسين(عليه السلام) أمام مهمة جسيمة لإيقاف هذا التدهور والتداعي على صعيد الدين وحقوق الإنسان ، فكانت كربلاء وقفة حسينية لتصحيح الموقف ، واسترجاع كرامة الإنسان المهدورة على يد حكومة بني أمية ، وان كان الثمن غاليا جدا ، فلا يوجد ما يقدمه الإمام الحسين (عليه السلام) للدين والإنسان أعظم من التضحية والجود بالنفس والبنون والأهل والاصحاب ..

لقد كانت النهضة الحسينية ملحمة إنسانية لمواجهة الظلم والاضطهاد الاموي للإنسان ، ومحاولة لاستنقاذ ما تبقى من ارادة لدى المجتمع الاسلامي في سبيل النهوض به من واقع الاستسلام والخنوع للحكومة المنحرفة الى فضاء الحرية والثورة ، وبالرغم من ان الكم الهائل من الثورات واعداد الثائرين في التاريخ الاسلامي بعد الثورة الحسينية ، والذين كانوا يحملون شعار يالثارات الحسين او شعار هيهات منا الذلة للانتفاض والثورة على حكومات بني امية وبني العباس وغيرها من حكومات الظلم والانحراف ، الا ان اي منها لم يكتب له أن يغير مسار التأريخ وميزان القوة كما فعل الامام الحسين (عليه السلام) في نهضته الخالدة .

 

ونستعرض بعض ملامح الطغيان والجبروت الاموي ضد الإنسان والجرائم التي ارتكبها معاوية وولده يزيد في السطور التالية لبيان حجم ذلك الانحراف والظلم والاضطهاد الذي كان يتعرض له المجتمع الإسلامي في عهد الطاغوتين .

 

 

معالم الاضطهاد والظلم الانساني في الحكم الاموي

شهدت فترة الحكم الاموي بداية من حكومة معاوية قفزة انتقالية عملاقة على نحو كارثي على صعيد حقوق الانسان ، بعد ان شهدت اوجه تعلقها في عهد الامام علي عليه السلام الذي كانت فترة خلافته الراشدة علامة فارقة في ذاكرة التاريخ ومسيرة الإنسانية عموماً والإسلام على وجه الخصوص منذ رحيل الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله) .

ولقد كان عليا عليه السلام بحق صوت العدالة الإنسانية ووجه الاسلام الناصع ، وهذا ما شهد به العدو والمخالف قبل الصديق .

انظر الى سماحة علي وعدالته في موقفين الاول هو سماحته مع رعيته الى درجة ان تمردت هذه الرعية على خليفتها وعارضته بكل صغيرة وكبيرة ، ومع ذلك لم يلجا الى قمعها او تصفيتها او التنكيل بها ، والثاني هو عدالته حتى مع قاتله ابن ملجم ، فهو يأمر أبنائه في لحظات النزاع الأخيرة أن يطعموه ويسقوه من طعامه وشرابه ، وان لا يتعرضوا له بالسوء واذا رحل شهيدا فيعاقب ضربة بضربة .

أما عصر حكم بني أمية ، فكان حكم الارهاب ، والطغيان ، والفساد ، والظلم والانحراف ، والتنكيل بالقومية، ، وقمع وتكميم اي صوت مطالب بالحقوق والحريات والعدالة ، فعلى صعيد تصفية المعارضين بالاغتيال ، كان معاوية أول من سن هذه السنة الإرهابية ، فكان يعمد الى اغتيال معارضيه تارة بالسم ، كما فعل مع مالك الاشتر ، وتاره بالإعدام دون محاكمة كما فعل مع حجر بن عدي ، وتارة اخرى يقوم بالتمثيل بجثث معارضيه بعد قتلهم كما فعل مع محمد بن ابي بكر ، أو استخدام الإبادة الجماعية ضد المعارضين حتى لو كانت مدينة بكاملها فتقتل الرجال وتذبح الاطفال وتسبى النساء والبنات ، كما فعل بسر بن ارطأة في اليمن ، وابن زياد في البصرة . وعلى صعيد العدالة بين الرعية فلقد انتشر التمييز العنصري على أساس العشيرة والقرابة وعلى أساس القومية ، وكان معاوية أول من أرسى مبدأ الطبقية في الإسلام ، من خلال تقديم الأموي ثم القرشي ثم العربي على سائر المسلمين .

وهكذا أصبح معيار حق الإنسان في العطاء والكرامة والعدالة في عهد معاوية على أساس حزبي وعشائري وقومي وليس على أساس الهوية الإسلامية والاستحقاق..

 

اكبر موبقات معاوية

ونقل أبي الحديد المعتزلي (في شرح نهج البلاغة ج 2 / ص 262) في رواية عن الحسن البصري أنه قال : أربع خصال كنَّ في معاوية لو لم يكن فيه إلاّ واحدة منهنّ لكانت موبقة : انتزاؤه على هذه الاُمّة بالسفهاء حتّى ابتزّها أمرها بغير مشورة منهم و فيهم بقايا الصحابة و ذوو الفضيلة ، و استخلافه بعده ابنه يزيد سكّيراً خميراً ، يلبس الحرير و يضرب بالطنابير ، و ادعاؤه زياداً وقد قال رسول الله (صلّى الله عليه و آله) : (( الولد للفراش وللعاهر الحجر )) ، و قتله حجر بن عدي و أصحابه ، فيا ويله من حجر و أصحاب حجر !

 

سنوات حكم يزيد السوداء

أما يزيد بن معاوية فقد حكم لثلاث سنين سوداء في تاريخ الإسلام ، وارتكب خلالها أكبر جرائم ضد الإنسانية في تاريخ الحكام الظالمين ، كانت بدايتها إرساله المجرم عبيد الله ابن زياد لارتكاب جريمة قتل سبط النبي محمد (صلى الله عليه وآله) الإمام الحسين (عليه السلام) وثلاثة وسبعين من ال بيت النبوة والصحابة والتابعين الأبرار في واقعة الطف بكربلاء ، ولم يكتفي بهذه الجريمة النكراء وانما أمر بسبي النساء والأطفال والسير بهم إلى الشام .

وفي السنة الثانية من حكمه أرسل المجرم مسلم بن عقبة ليقوم بعملية إبادة جماعية لمدينة الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله) ، قتل فيها ابن عقبة أكثر من عشرة آلاف رجل من الشيوخ والشباب والأطفال ، كان منهم سبعمائة من صحابة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) ، و أباح نساء المدينة لجيشه ثلاثة أيام حتى ذكر ابن كثير (البداية والنهاية ۸ /٢٤١ ) أن نتائج الاعتداءات الجنسية لجيش يزيد كان أن ولدت ألف امرأة من أهل المدينة من غير زوج ؟!

وفي سنة حكم يزيد الثالثة وقبل هلاكه ، أرسل مسلم بن عقبة مرة أخرى إلى مكة هذه المرة ، وفرض حصار على المدينة وأهلها لعدة أشهر ، ثم في نهاية حصاره ضرب الكعبة بواسطة المنجنيق بالنار فأحرق ستارها .

قال الجاحظ واصفا جرائم يزيد ومشدداً على لعنه ( رسائل الجاحظ ص 298 الرسالة الحادية عشر في بني أمية) :

(أن المنكرات التي أقترفها يزيد ، من قتل الحسين وحمله بنات رسول الله سبايا ، وقرعه ثنايا الحسين بالعود ، وإخافته أهل المدينة ، وهدم الكعبة ، تدل على القسوة والغلظة والنصب وسوء الرأي والحقد والبغضاء والنفاق ، والخروج من الإيمان ، فالفاسق ملعون ، ومن نهى عن شتم الملعون فملعون).

هذه الصور السوداء من حقبة حكم معاوية وابنه يزيد المظلمة توضح حجم معاناة المجتمع الإسلامي من الحكم الأموي وتبين بعض أسباب النكوص والاستسلام الذي كان يعيشه المجتمع والذي جعله يعيش روح الانكسار والهزيمة أمام جبروت وطغيان بني أمية وهو أحد أهم أسباب النهضة الحسينية المباركة ..

 

ان الإمام الحسين(عليه السلام) في ثورته الاصلاحية أعاد للإسلام هويته وأعاد للإنسان كرامته وعزته وحريته واباءه ، كل الأحرار والثوار اما تأثروا او تعلموا وتتلمذوا على يدي مدرسة الثائر الكبير (الحسين) (عليه السلام) وذلك حين آمنوا بأن أسمى أهداف الثورة ضد الطواغيت هي الإصلاح ، ومواجهة جبروت المستكبرين ، واحياء جذوة المقاومة والامل في نفوس المستضعفين ، وان الحياة مع الظالمين هي الذل والهوان .

 

احمد البديري

[email protected]