النهج المركزي يهدد وحدة العراق: دعوة لتغيير جذري في السياسات الاتحادية

النهج المركزي يهدد وحدة العراق: دعوة لتغيير جذري في السياسات الاتحادية

منذ إقرار الدستور العراقي عام 2005، لا تزال العلاقة بين بغداد وإقليم كردستان تراوح مكانها بين الأزمات والتهدئة المؤقتة. والخلافات التي نشهدها اليوم، لم تأتِ من فراغ، بل هي نتيجة تراكمات ناتجة عن غياب رغبة حقيقية لدى السلطات الاتحادية في تغيير طريقة إدارتها لعلاقة يفترض أن تُبنى على الشراكة لا الهيمنة.

الدستور الذي صوّت عليه العراقيون بملء إرادتهم، نص بشكل واضح على أن العراق دولة اتحادية، وأن للإقليم صلاحيات دستورية يجب احترامها. لكن الواقع، وللأسف، يكشف عن استمرار نهج مركزي في بغداد لا يعترف بالإقليم إلا من زاوية محاسبية ومالية، وكأن أربيل دائرة تابعة لوزارة المالية، لا حكومة دستورية لها مؤسساتها وسلطاتها. هذا النوع من التفكير هو ما يجعل الأزمة تتكرر كل عام، بأشكال مختلفة، من قضية الرواتب، إلى النفط، إلى إدارة المناطق المتنازع عليها.

ما يُحسب لحكومة إقليم كردستان، وعلى رأسها رئيس الحكومة مسرور بارزاني، أنها رغم كل ما سبق، ما زالت متمسكة بخيار الدستور، وتطالب بتطبيقه لا أكثر. لم يكن موقف أربيل يوماً تصعيدياً أو خارجاً عن القانون، بل كان دائماً يدعو إلى الحوار، ويُصرّ على الحلول السلمية ضمن الإطار الدستوري. ولكن في المقابل، يُقابل هذا الخطاب إما بالتجاهل أو بشروط معقدة، توحي بأن النية ليست في حل المشكلات، بل في تأزيمها.

إحدى أبرز النقاط الشائكة، والتي طُويت من دون أن تُحل، هي قضية المناطق الكردية الواقعة خارج الإقليم، خصوصاً كركوك. المادة 140 من الدستور التي كان من المفترض أن تُطبّق منذ سنوات، جُمّدت عملياً، وترك مصير تلك المناطق معلّقاً، وسط صراع سياسي لا يراعي تطلعات أهلها ولا يعكس إرادتهم.

أما على الصعيد المالي، فإن ما يعانيه موظفو الإقليم من تأخر وصعوبة في تسلّم رواتبهم هو انعكاس مباشر لغياب العدالة المالية بين المركز والإقليم. الموظفون الكرد ليسوا أقل شأناً من نظرائهم في باقي المحافظات، لكنهم يُعاملون أحياناً وكأنهم خارج حسابات الدولة، وهذه سياسة لا تؤدي سوى إلى مزيد من الاحتقان والابتعاد عن مفهوم المواطنة الكاملة.

الحل لا يكمن في البيانات السياسية ولا في التهدئة الوقتية، بل في العودة الجادة إلى مبادئ الشراكة الحقيقية، التي تتطلب احترام التعددية، والعمل على تحقيق التوازن في اتخاذ القرار. العراق بلد متعدد المكونات، ولا يمكن أن تُبنى دولة عادلة على أساس التهميش والإقصاء. إن استمرار هذه السياسات لن يُضعف الإقليم فقط، بل سيقوّض الثقة بين الأطراف، ويهدد وحدة البلاد في جوهرها.

ما يحتاجه العراق اليوم ليس فقط مراجعة للسياسات، بل تغيير حقيقي في العقلية التي تُدير العلاقة بين المركز والإقليم. التمسك بالدستور، والاعتراف الكامل بإقليم كردستان كشريك، لا كطرف تابع، هو البداية الحقيقية لأي حل طويل الأمد.

أحدث المقالات

أحدث المقالات