بتقصد وإصرار ادرجت سلطة اقليم كردستان ضمن النظرة الإقليمية لكون القيادة السياسية لهذا الاقليم بعد احتلال العراق تتصرف على مستوى إقليمي ودولي وكأن الإقليم دولة منفصلة تتحكم بمشيئته ومسيرته وفقا لفرضية مشروعية الدولة الكردية كحق وهدف وهذا هو مصدر اللبس بمضمون الدولة الاتحادية التي نص عليها الدستور الذي كتب بعد احتلال العراق ولم يوضح بشكل نصي طبيعة ومضمون الدولة الفدرالية او يقرنها بنموذج او شبيه اداري قائم ، ولهذا لا تجد القيادة الكردية نفسها ملزمة بسقف منصوص عليه من الحقوق والمطالب وتتفرد باتخاذ مواقف وردود فعل لقرارات الحكومة المركزية ليكون لكل قرار أزمة ولكل ردة فعل أزمة مختلقة ، مما يزيد من هول النكبة وثقل نتائجها على العراقيين يوما بعد يوم ، مغالطة لحقيقة ان الكرد وموطنهم في العراق بحدوده الموثقة والموروثة هم عراقيون قبل ان يكونوا اكرادا او حاكمين ، والعراق هو صلب الموروث الذي تتحكم به ارادة الورثة التي هي الشعب وليس مكون او عنصر بحد ذاته ، الكرد لا يمكن بأي حال من الأحوال ان يعصموا انفسهم من هول أي نكبة أو أزمة تصيب العراق او تهدد مصيره ، عندما تكون المواطنة الحقة هي الحاكمة بالمواقف والمصير .
بدون الخوض في تفاصيل الاصول التاريخية لأصول الكرد وهي تفاصيل مختلف عليها حالها كحال الاختلاف الحاصل حول تاريخ توطين الكرد في العراق ، بين من يقول بانه تحصيل حاصل لتواجدهم في العراق قبل ظهورالاسلام , وبين من يقول انه توطين تدريجي حصل مؤخراً في زمان
السلطان سليم الاول في بدايات القرن السادس عشر الميلادي بعد ان تمت هيمنة العثمانيين على شمال العراق ، وسواء كان هذا او ذاك صحيح لا بدّ من الإشارة الى ان الكرد يشكلون مكونا عريقا سكنوا العراق وارتبطوا بتاريخه ارتباطا وثيقا وساهموا في مسيرة بناء الدولة العراقية تاريخيا خصوصا بعد ان ارتبط الكرد مع عرب العراق وسكانه الاصلاء (قبل الاسلام ) من الاشوريين والكلدان بعلاقات وثيقة وأصبحوا جزءا من تشكيلات المجتمع العربي الاسلامي بعد توسع فتوحات وهيمنة الدولة العثمانية على المنطقة التي تم تقاسم إرثها الى دول انتجتها معاهدة ( سايكس بيكو)بحدود ثابتة كالعراق وسوريا وإيران وتركيا وما صاحبها من تكوين للدول المدنية الحديثة بعد انقضاء عصر الامبراطوريات وسقوط الخلافة العثمانية .
لم يكن للكرد كثافة سكانية عالية في ما كان يسمى بالجزيرة في بلاد ما بين النهرين أو( بلاد آشور) ويتضح ذلك من خلال حقيقة انه في آواخر الدولة العباسية حين ضعفت الخلافة وتشكلت دويلات وانفصلت ولايات ،تشكلت دويلات سلجوقية وتركمانية في اربيل وكركوك ولم يكن للكرد او كردستان ذكر فيها اثناء نشوئها ولم يذكر ان نزاعاً عرقيا مسلحا ً او سياسيا ملموسا على السلطة في حينها قد حدث ، لكن الذي حدث إبان حكم الدولة العثمانية وفي زمن السلطان سليم الأول والأحتلال الصفوي ومن خلال تحالف تركي كردي ، استطاعت قيادات كردية قريبة من السلطان والولاة ان تستغل انتمائها السني واسهامها مع الترك في معركة جالديران ضد الصفويين وبسبب تنوعات إثنية ومتغيرات استيطانية وابعاد تاريخية بين الكرد والاشوريين ، مكنت الكرد من الزحف في هيمنتهم على مدن كثيرة شمال العراق على حساب سكانها الاصليين من السريان والاشوريين واليزيدية كما حدث إبان بروز امارة سوران وزعيمها محمد الراوندوزي الذي امتد من راوندوز الى اربيل وسنجار والقوش وهدد حتى بغداد من خلال إظهار عدوانيته والكيد للعثمانيين الذين انتبهوا الى مخاطر تمدده
وقضوا عليه عام 1837م . وما اعقب ذلك من ظهور إمارات قبلية وعشائرية كردية حكمت في هذه المدن والمناطق تباعا .
تعاملت دول الحلفاء المنتصرة في الحرب العالمية الاولى التي تقاسمت خارطة العثمانيين على تاسيس دولا كان نصيب الاكراد فيها تقسيم مكونهم بين الدول التي تقاسموها وفقا للخارطة الجديدة بضمنهم اكراد شمال العراق وسوريا وإيران . وكان الزعيم الكردي محمود الحفيد اول من نادى بولاية كردية قبل الحرب وقد حاول استغلال بقاء القوات التركية في السليمانية عند توقف الحرب العلمية الاولى التعاون مع الاتراك تارة ومن ثم مع الانكليز للحصول على ولاية السليمانية وقام بمهاجمة الانكليز بعد خروج الاتراك منها ولكن محاولاته باعلان الولاية لم تفلح واستطاعت حكومة ياسين الهاشمي ان تضم السليمانية الى العراق عام 1923 ومن ثم في حكومة نوري السعيد ضمت الموصل الى العراق عام 1925 بقرار من عصبة الامم وافلست القيادة الكردية من التزامات الانكليز لهم في تنفيذ معاهدة سيفر (عام 1919 والتي تم سحب توصية الحلفاء بعد اقرار حق الاكراد بقيام دولة لهم بعد فترة قصيرة بسبب احتجاج فرنسا ) ولم تفلح في ذكر نص في معاهدة سايكس بيكو يتعلق بمستقبلهم السياسي وبذلك ارتبط مصير أكراد العراق بالدولة العراقية المعاصرة وباءت كل محاولات محمود الحفيد في السليمانية ومن ثم حركات احمد البرزاني العسكرية وبعده اخيه مصطفى البرزاني في منطقة برزان ودعوات محدودة التاثير لساسة مثقفين قوميين من الكرد ، باءت بالفشل من تحقيق مطالبهم لغاية عام 1946، حين استطاع اكراد ايران بدعم من الروس تشكيل حكومة مهاباد للمرة الاولى وكان فيها الملا مصطفى البرزاني وزيرا للدفاع ولكن هذه الحكومة سقطت بمجرد انسحاب الروس من ايران بمواجهة مع الايرانيين بعد 11 شهر على تاسيسها . اندمجت طلائع سياسية وشبابية كردية بشكل مبكر بالرغم من استمرار حركات التمرد والعصيان في شمال العراق بالمشاركة بتاسيس الجيش والحكومات العراقية وانظموا مع بقية المكونات الى
المدارس والمعاهد ومن ثم الكليات العسكرية والمدنية وشغلوا بعد ذلك مناصب عسكرية عالية وظائف مدنية وإدارية وتربوية اسهمت ببناء العراق في مختلف الميادين . في حين بقيت العشائرية الإقطاعية الطامعة بالسيادة والامتيازات تقود اتباعها وتجمع مقاتليها استعدادا لتشكيل دولة كردية كالمعتاد في اصطفافات الكرد المتكررة مع قوى خارجية ( سواء كانت عثمانية او تركية او روسية أو فرنسية او إيرانية او اسرائيلية أو أمريكية ) ثبت انها اصطفافات مصالح وليست تقرير مصير واعتاد الاكراد تكرار نفس الخطأ، لكنَّ الأمل الكردي بالدولة الكردية والاستقلال كحل لحالة التشظي بمفهوم الامة التي تبنتها القيادة الكردية منذ أكثر من قرن ونصف من الزمن والذي كان يصطبغ بنزعات عشائرية وقبلية ، توارثته فيما بعد أجيال من المثقفين السياسيين والاكاديميين الذين شكلوا الحركات والاحزاب السياسية ، وعلى مر العقود الستة قبل احتلال العراق في 2003 ، قاتلت الاحزاب الكردية واصطدمت مع الجيش العراقي في صراعات عسكرية دامية مع كل الانظمة الحاكمة المتعاقبة ، ايتداء بالعهد الملكي ومن ثم الجمهوري في العهد القاسمي ثم الحكم العارفي والبعثي مطالبين بحقوق تتضمن منحهم المزيد من الصلاحيات لإدارة شئونهم مرورا بتوافقات واتفاقيات وصلت عام 1930 في زمن نوري السعيد لحد توقيع اتفاقية حكم محلي حال دون انجازها استقالة حكومة نوري السعيد في حينها ثم عام 1970-1974 في زمن البعث للتوصل الى صيغة حكم ذاتي لم يتم تفعيلها بسبب مواقف متعنتة ، جاءت اتفاقية الجزائر عام 1975التي تنصلت فيها ايران عن مساندتها للقيادة الكردية ، بمجرد موافقة العراق لإيران على خط العمق (التالوك ) في شط العرب.
لم تصل مطالب الكرد خلال الفترة المنصرمة قبل احتلال العراق الى حد المطالبة بالانفصال , على العكس من ذلك كانت القيادات الكردية (الطالباني والبرزاني )تطلب العون والتدخل خلال هذه الفترة من الحكومة المركزية لفض صراعاتها الداخلية من خلال اصطفافات هذه القيادات معها مجتمعة
أو متصارعة ، لكن تشبث القيادات الكردية لتحقيق هذه المطالب بقوى اقليمية ودولية عديدة حولهم من ثوار مطالب وحقوق الى زعامات إنفصال حاكمة أو ادوات تسخر وتستغل من قبل اطراف عديدة يهمها العبث بأمن العراق واستقراره تصطف معهم وتسندهم بالوقوف ضد السلطة لأغراض هذه الدول والحركات وليس حرصا على مصالح الكرد وحقوقهم .هكذا تم استغلال القيادات الكردية لتصبح طرفا في معادلة اي صراع اقليمي او دولي مع السلطة في العراق حتى اذا ما تمت تصفية الاجواء بين المتصارعين دفع الكرد ثمن اصطفافهم وهذا ما حدث بشكل متكرر كان آخرها ما ترتب من صراع داخلي بين حزب الطالباني وحزب البرزاني عام 1996 والذي استنجد فيه البرزاني بصدام حسين الذي لم يتردد بنجدته واسفر هذا الصراع عن سقوط الالاف القتلى وكذا الحال في محاولة الطالباني تصليح موقفه من الحكومة المركزية لغاية الفترة التي سبقت الغزو الامريكي عام 2003 بأشهر برسائل و وساطات معروفة .
بعد احتلال العراق للكويت استفاد ت القيادات االكردية من تحالفها مع الادارة الأمريكية ،فرض منطقة حظر طيران وتحقيق حماية جوية دولية محددة ،اعتبرت تحديدا لرقعة الإقليم الكردي واستطاعت ان تقيم علاقات متينة مع الغرب وبالذات فرنسا والمانيا ومع اسرائيل وأسست ركائز قوات عسكرية ومخابراتية وتقنية ونجحت في تامين حالة من السلم المجتمعي والاقليمي بجهود دولية بعد عام 1996 حين تم التوافق بين الاحزاب الكردية وتوجت هذه المسيرة بعد احتلال العراق عام 2003، حيث تبنت القيادات الكردية بالذات واطراف المعارضة الاخرى صيغة ألغزو الامريكي التي تمخضت بالمقابل عن انتاج عملية سياسية ارتكزت على المحاصصة الطائفية والعرقية ومنحت الاكراد امتيازات الثلث المعطل الذي تسبب في يكونوا فعلا كفة القبان المتحكمة في القرار العراقي وبدى لغاية اليوم ان هذه القيادة ماضية في غلو السياسة الامريكية والغربية وغيرها ! في تحصيل اكبر ما يمكن تحصيله من امتيازات على حساب شركائها في العملية
السياسية وهم عرب العراق ، فيما لم يحدث ولو مرة واحدة ان تعترض هذه القيادات على أي إجراء اتخذته الإدارة الامريكية خلال إدارتها للعراق مهما كان بالغ الخطورة والتاثير على مستقبله و وحدته.
وهنا تتضح اهمية الدور الكردي في النكبة العراقية والتي جعلت من القيادات الكردية حليفة تارة مع الاحزاب الطائفية المدعومة من ايران ضد العرب السنة ، وحليفة لمسارات التقسيم وغقامة الاقاليم ، كما ساهمت في تنصيب المالكي المعروف بسياسته الحمقاء الطائفية بمجرد انه منح الاكراد امتيازات وقتية في حينها استطاعت ان تجيير موقف القيادات الكردية لصالح المالكي وتبقيه حاكما متسلطا على العراق لعشر سنوات عجاف ولم تنفك هذه الرابطة الا حين شعر الاكراد ان سياسات المالكي اصبحت خطرا على اقليمهم .عندما قطعت عنهم سلطة المالكي الركزية استحقاقات الرواتب ومخصصات الميزانية ، والتي أساسا جاءت كردة فعل لتصدير القيادة الكردية النفط المستخرج من الاقليم دون موافقة المركز ، وهكذا اصبحت الخطوات الخاطئة الناتجة من الصراع على السلطة بين الشركاء تشكل أزمات لا على مصلحة وطنية بل لتمرير مصالح شخصية وفئوية تؤسس لأزمات متتابعة بسبب الفعل وردة الفعل ، تبتز بها المصالح والمنافع الفئوية ،فيما تنعكس على عموم الشعب بالمزيد من العنف والفساد والتشظي . وهكذا اصبحت شركات النفط الكبرى التي يتم التفاوض والتعاقد معها بشكل انفرادي مرة من قبل الحكومة الاتحادية ومرة من قبل حكومة الاقليم ، تتحكم برسم خارطة عراق المستقبل التي تؤسس الى الانفصال والتقسيم , ومن المؤكد ان حكومة الإقليم تسعى بشكل حثيث وسريع لتأمين مصادر نفطية مستقلة في الاقليم تؤمن وتسرع في تامين دولة نفطية مستقلة ، وبالتالي اصبحت حيثية التفاوض مع الشركات النفطية الكبرى مثل اركسون وشيل وبرتشبتروليوم والشركات الروسية وغيرها فيما يخص التنقيب والاستخراج والتصدير ، يرسم فعلا خريطة الانفصال للدولة الكردية والتي يتم التلويح بإعلانها في كل أزمة تثار ومشكلة تحاك .
لم يحدث في التاريخ ان مكون عرقي لا يشكل ثقله السكاني اكثر من 12.5 % من التعداد الكلي يفرض هيمنته وارادته على ارادة الآخرين ، وفي نفس الوقت يهدد قادته بالاستقلال والانفصال إذا لم تتحقق سقوفه العاليه من المطالب وهم يدركون حقا ان انفصالهم بهذه الطريقة سيجلب عليهم وعلى الاكثرية من ابناء جلدتهم من اكراد الدول المحيطة والذين يشكلون اكثر من 90% من تعداد الاكراد الكلي الويل والثبور ، ولا أدري كيف تقرر قيادات اقلية كردية في العراق لا يتجاوز ثقلها السكاني اكثر من 6.5 مليون وتتبنى خطوات واضحة للإنفصال في العراق لتشكيل دولة كردية يبلغ تعداد مكونها أكثر من 30 مليونا يقبع اكثريتهم في ظل حكومات لا تمنحهم ابسط الحقوق التي يتمتع بها اكراد العراق اليوم ؟. القيادات الكردية العراقية تتصرف مع العراق وكأنه بيت عدو يحترق ،وهي لا تلتزم بمواثيق او تعهدات مكتوبة ، ما يهما ان يحصل الإقليم على اكبر ما يمكن الحصول عليه من امتيازات ، صحيح إن مشكلة السلطة في العراق اليوم هي مشكلة قيادات وليست مشكلة شعوب تواقة الى العيش بسلم وامان بحقوق متساوية و واجبات متوازية ومتوازنة . بنفس الوقت تتمدد مطالب الاكراد بالهيمنة على مناطق مكونات قومية أو إثنية مجاورة كالتركمان والمسيحين والايزيديين وتطالب بحتمية ضمهم الى كردستان ، علما بأن تواجد هذه المكونات في الحقيقة في مناطقهم كان اقدم تاريخيا واثريا من تواجد الاكراد فيها . ماذا سيكون موقف الدولة الكردية اذا تشكلت كما تخطط لها القيادات الكردية ، وكان تشكيلها مصدر معارضة او صراع اقليمي مع تركيا أو إيران ، الم تهدد تركيا سابقا وفقا لنصوص إتفاقية الموصل إيران إذا احتلت البصرة إبان الحرب مع العراق ؟ فكيف ستتعامل مع إعلان انفصال عن العراق بدولة تصر على شمولها لكركوك ؟، تركيا اعلنت إنها لن تسكت مكتوفة اليدين إذا ما حدثت تغييرات إدارية وإقليمية في شمال العراق ، والحال من المؤكد سينطبق مع إيران.
عند مناقشة النكبة العراقية ودور الكرد فيها ، تثار العديد من الملاحضات وعلامات الاستفهام التي توجه للقيادات الكردية الحاكمة وليست للشعوب ، للتذكير بطبيعة مسيرة سنوات ما بعد الاحتلال و مواقف هذه القيادات فيما إذا كانت تحمل طابع وطني لصالح الشعب العراقي المنكوب ام انها كانت ولا زالت تتبنى مصالح مكون على حساب مكون آخر ودورها في تأجيج الأزمات وادخال الشعب في دوامة الصراع والتأزيم .
دور القيادات الكردية من حالة الصراع الطائفي بين الشيعة والسنة العرب قيادات ومكونات كان بالإمكان أن يكون دوراَ إصلاحيا وتوفيقيا ، وليس موقفا سلبيا أو انتقائيا من خلال الإصطفاف مع هذا المكون او ذاك اعتمادا على الموقف الذي ينعكس بالايجاب على تحقيق وتصعيد سقوف الحقوق والمطالب الكردية ، من ضمن هذه المواقف قضية قانون النفط والاختلاف على تصدير النفط المستخرج حديثا من مناطق الإقليم والمناطق المتنازع عليها وتعديل الدستور وانهاء ملف المناطق المتنازع عليها او غير محسومة العائدية . وماذا عن اتفاقية اربيل التي لم تفعل ؟ وموقف رئاسة الجمهورية من تصرفات المالكي في مسيرته الطائفية لدورتين ، ومن كان يتحكم بكفة القبان لبقاءه ثمان سنوات في سدة الحكم ؟. ثم لماذا هذا الاصطفاف للقيادات الكردية مع نظام بشار الأسد الذي يحسب تعامله مع شعبه وحتى مع الكرد منه تعاملاً خرج عن طور الانسانية وابسط معايير حقوق الإنسان ؟ ولماذا كل هذا النفوذ الصهيوني الواضح والمستتر مع إسرائيل ؟ ألا يحسب ذلك استفزازاً واضحا لشعور العرب والمسلمين شعوبا وحكومات؟.
في ظل أزمة الصراع مع تنظيم الدولة واجتياحاته ، والذي اصبح بعد اجتياح التنظيم لمناطق كردية يهدد العرب والاكراد والتركمان كشركاء سلطة وشعوب متعايشة مما استوجب ان تتم الاستعانة من قبل الحكومة الاتحادية ومن قبل قيادة الاكراد وطلب التدخل العسكري وتشكيل التحالف الدولي ، الذي بات بقصفه الجوي يهدد السكان أكثر من التنظيم ، ويشكل
سببا رئيسا لنزوح متفاقم ، أما كان الافضل بل والأشرف والأكثر وطنية ان تقف (الحكومتان ) بخطى ثابتة وموقف موّحد لمجابهة الخطر الذي يتوعد بهما ، قبل أن يجلبا للبلد هذا الخطر الاحتلالي الجديد ، يقول نيجرفان البرزاني رئيس وزراء الإقليم ؛( لايمكن ان يقاتل العرب من أجل الاكراد ، ولا يمكن أن يقاتل الكرد من أجل العرب كما لا يقاتل الشيعة العرب من أجل تحرير الموصل كما جاء في الوكالات الإخبارية) كأخر ما تمخض عنه الموقف تجاه الأزمة مما يوحي بأن العرب والأكراد لا يمكن ان تجمعهما حتى قضية وجود او لا وجود ، فالوطن والأرض والمواطنة لا تشكل عندهما شيء ، واالسلطة التي يتمسكان بها لا يمكن ان يرسخها لهما إلا إلاحتلال والاجنبي والتحالف الدولي !! . ولهذا يذهب الإثنان الى المحافل الدولية يطلبان حماية سلطتهما وليس حماية العراق حتى لو احترق من شماله الى جنوبه ، وهو فعلا يحترق اليوم ، ولكن السيد رئيس الوزراء الكردي لا يسأل نفسه ولا يكلفه ذلك حتى المبادرة بالسؤال قبل ان يصرح بتصريحه القاتل كمن يدس السم في جسده : لماذا يقاتل الامريكان وحلفهم من أجل العرب او الكرد أو كلاهما معا ؟ الجواب يعرفه نجيرفان البرزاني جيدا ، بالتأكيد ليس حبا مزدوجا لهما ، وليس إيثارا منه من اجلهما او من أجل واحد منهما ، إنه يفعل كل ذلك من أجل أن يؤسس دويلات التقسيم ، دولة كردية بدعوى رفض التسلط العربي تحميها البيشمركة ودولة عربية شيعية تحميها الميليشيات التابعة لإيران وقوات ايرانية ودولة عربية سنية يحكمها من يتبقى من السنّة !، نتيجة الصراع بين الصحوات والعشائر والحرس الخاص الجديد والسنة المشاركين في السلطة من جهة وبين دولة التنظيم من جهة اخرى ، فكلاهما في حسابات الإدارة الأمريكية سنّة ، وكلاهما يطمحان بالدولة السنية !. ولهذا تستغل القيادة الكردية الأزمة لتعقد مع حكومة بغداد (بما يبدو كأنه إبتزاز ) اتفاقية تؤسس لإنفصال لما تطمح به من نفط وأرض لدولتها القادمة ، واصبح واضحا كيف رسمت القيادة الكردية تحركاتها لتحقيق اهدافها حتى بان واضحا ان هذا الاتفاق يؤسس لمشروع ( النفط مقابل الأرض ) في ظل أزمة تنظيم
الدولة وهيمنته ، ألم تبادر قوات البيشمركة على الهيمنة على آبار النفط في كركوك بعد هزيمة الجيش العراقي في نينوى ، ولم تشارك هذه القوات بمواجهة قوات التنظيم الا بعد ان أقتربت من اربيل ؟، ولم تبادر الادارة الامريكية بالتدخل مع اعلان تحالفها الدولي ، إلا بعد ان اقترب التنظيم من مصادر النفط ( ما قيمة الدولة الكردية بلا نفط بالنسبة للإدارة الأمريكية وقيادة الاكراد ؟) ولماذا يتم فرض اتفاقا سياسيا يتضمن الهيمنة على حجم ضخ نفط ابار كركوك اضافة الى ابار الاقليم الى تركيا ، ويختصر في البداية عن حل ملف تصدير النفط المنتج بدفع مبلغ ثابت قدره نصف مليار دولار عت تصدير 150 الف برميل يوميا ، لو قسم المبلغ ، يتضح ان سعر البرميل الواحد 111 دولار ، في حين ان السعر الحالي للبرميل هو أقل من 70 دولار) ، وكأن الموضوع صفقة مؤجلة وليس حلا دائميا ، ثم يعقب ذلك اتفاقا اكثر وضوحا وابلغ معنىً حين يتحكم حجم ضخ نفط كردستان مع حجم آبار كركوك بكمية ثابتة بنصف مليون برميل يوميا ، ويتم التوافق على على حصة ميزانية الاقليم (بنسبة 17% والحقيقة هي بحدود 13% ) وحين يتم استثنائها عن نسبة الخصوم من مخصصات الرئاسات تصبح 25% من مجمل الميزانية العراقية وتخصص الحكومة المركزية 1.2 مليار دولار لحساب رواتب وتطوير قوات البيشمركة ، في نفس الوقت الذي تدعم فيه الادارة الامريكية بمبالغ مماثلة تشكيل الحرس الوطني المقترح في المناطق السنية ؟ كما تمتدح القيادات العسكرية الامريكية مشاركة قوات الحشد الشعبي التي ثبت نهجها العنفي والطائفي وترحب بمشاركة قصف الطائرات الايرانية لمواقع قوات تنظيم الدولة دون تنسيق معها ،بدعوى انه ينصب ضمن سياقات الهدف المطلوب ، وهل بيع السلاح لتنظيم الدولة لقاء النفط باشراف شبكات فساد ومسئولين أكراد يعود بالنفع لمصالح الشعب الكردي وينسجم مع نهج المواجهة مع تنظيم الدولة المعلن ؟ وهل إن ارسال قوات من البيشمركة العراقية الى كوباني دون موافقة البرلمان العراقي ،أمر مسموح به دستوريا ؟. أم أن ذلك يتم على ضوء ما تنهجه الحكومة في بغداد عندما تسهل وتمرر دخول الميليشيات الطائفية المسلحة
من ايران الى العراق ومن العراق وايران الى سوريا أرضا وجوا ؟. ألا يبرر ذلك أفعال تنظيم الدولة عندما يجند الجنسيات الاخرى ضمن قواته ؟. أليس كل ماجرى ويجري ابتداءً من تسهيل دخول تنظيم الدولة من سوريا الى العراق للهيمنة على نينوى ثم التوجه نحو كركوك واربيل بدلا عن استهدافه بغداد والحكومة المركزية ، مرورا الى إنشاء التحالف الدولي والحشد الشعبي وتشكيل الحرس الوطني واتفاقيات النفط مع الشركات الكبرى في شمال وجنوب العراق ، والسماح بزج قوات البيشمركة والحشد الشعبي وقوات وطائرات إيرانية في قتال المناطق المتنازع عليها لمجابهة تنظيم الدولة هو تنفيذ لمشروع أمريكي متكامل يهدف الى تقسيم العراق ، كأمر واقع لا بديل عنه ؟
ان ما حدث مؤخرا بعد 10حزيران المنصرم ، عندما اكتسحت قوات تنظيم الدولة الاسلامية وهو (تنظيم متطرف وعنيف ومنشق من تنظيمات القاعدة ) وهزمت قوات كبيرة من الجيش العراقي وقوات البيشمركة سواء كان (بأمر مدبر ومتفق عليه او بقتال غير متكافئ), يكفي لإعطاء الدرس البليغ لكل ذي حكمة ونباهة مفاده ان منظومة الدولة العراقية التي اسسها الاحتلال عام 2003على مبدأ المحاصصة العرقية والاثنية الطائفية ، لا يمن أن ينعت بالدولة ، لان نشوء الدول وتاسيسها يستوجب توافق إرادات ومصالح وطنية شعبية جامعة واعتبارات قومية وجغرافية وتاريخ مشترك ومواطنة صادقة ، لا بناء على مصالح عشائرية وحزبية وفئوية ضيقة تشهر وتتعالى صيحاتها بالاستنجاد والعون من دول اخرى لتاسيسها والحفاظ على وجودها ، ولعل القيادات الكردية هي اكثر من غيرها استفادة من هذا الدرس ، من المؤكد أن حجم الدول وثقلها السكاني يجب أن لا يحول دون تحقيق تطلعات الشعوب إذا توحدت في طموحاتها وقياداتها واهدفها ، عدم التوافق على رؤى موحدة لشعوب الامم واقعيا يشكل الاخفاق الأكبر في قوتها وخير دليل على ذلك ما تعرض له مشروع الوحدة العربية من انهيار بالرغم من توفر امكانيات تحقيقه ابان حكم الانظمة
القومية في مصر والعراق والجزائر وسوريا وليبيا واليمن قبل اربعة عقود مضت لولا الخلافات الشخصية والحزبية الضيقة والتي كان مجرد الشروع والاجهار بقرب تحقيقها موضع تحرك فئوي وحزبي ودولي يجهض تحقيق هذا المشروع ليخلق اجواء تحرك امعاكس فاعل باتجاه التشظي والخلاف ، كون أن مشروع الوحدة بالتأكيد يهدد امن اسرائيل ومصالح الدول الكبرى النفطية والجيوسياسية . اصطفافات القيادات الكردية مع قوى اجنبية سواء كانت محتلة او متنفذة اقليميا او دوليا لا يضمن حلولا ولا يحقق امال الكرد وبالتالي فان هذه الاصطفافات مهما تحقق من ضغوط مرحلية وقتية تكون نتائجها البعيدة كارثية ، ولا سبيل لأمن الكرد في المنطقة الا من خلال التوافق وتحقيق المصالحة الحقيقية فيما بينهم كاحزاب وتكتلات ومع شعوب دول المنطقة وطموحاتها .
في غياب المواطنة الحقة والاعتزاز بالوطن الأم ، تنفرط وحدة الامم وتتساقط الامبراطوريات وتنقسم الشعوب الى ملل وطوائف لا تحمل في بنيتها عناصر الصمود والبقاء امام التحديات والكوارث ، وهذا هو صلب نكبة العراق بعد الاحتلال ، لا بل والعالم العربي برمته ، وخير دليل على ذلك، ما تجنيه الشعوب اليوم بمجرد توقها لأنظمة عادلة غير متفردة بالسلطة من مصائب وأهوال في تجربة ما سميّ بالربيع العربي الذي ثبت اختراقه ليصبح مشروع هدم وتشظٍ تديمه إرادات ومخابرات قوى أجنبية ومصالح دول طامعة .