22 ديسمبر، 2024 11:43 م

شاهدنا لقطة من فيلم كلاسيك أو حديث رومانسي أو اكشن ، شخصاً في سيارة شرطة ذات شباك حديدي صغير، ينظر من خلاله المُعتقل أو المتهم البريء إلى العالم الخارجي الكبير “الدنيا” ، ويقولون لنا تكراراً الدنيا صغيرة ، وكثيرة كلمات الاغنيات التي صاغتها بطريقتها أو بطريقة الشاعر الذي كتب الأغنية لأننا بأختصار نقول ونكتب ما بخواطرنا وأذهاننا فربما نرى الدنيا كبيرة وغداً تكون صغيرة ولكن السّر ليس هنا.

السّر في نظرتنا للحياة ، فهو يتعلق بأفكارنا فقط وليس بحلاوة او مرارة الدنيا التي ندور فيها أو تدور بنا ولا في الأيام التي نعيشها أو تعيشنا .. فالواقع أحياناً يكون نتاجاً لأفكارنا وسلوكياتنا ومعتقداتنا ومبادئنا وخيالنا أيضاً ، بل حتى آمالنا ، فيمكن أن أسهر من أجل الحصول على العلم أو أصرف نهاري في اللاجدوى ويمكن أن أمنح أولادي حياة هانئة أو بائسة ، كما يمكن أن نمنح المشاعر لمن يستحقها أو لمن هو ليس أهلاً لها ، وتلك مجرد امثلة لكثير من الأمور الحياتية التي نعيشها يومياً .. فالكثير منّا يتصور مثلاً أنه شخص عصبي بسبب الناس ، والحقيقة العصبية تبدأ من الداخل، فأنا لن اكون في حالة عصبية إلا لو وضعت الشعور السيء في داخلي وأطلقت الحرية لأنفعالي دون سيطرة عقلية أو تحكّم ذهني ، ولذلك الحكمتان العربية والصينية تقولان أن العالم الداخلي لنا هو مايؤثر فينا أكثر من العالم الخارجي ، فما السبب الذي يجعل مليونيراً أو مليارديراً يشعر بالتعاسة إلا أنه كان يعيش برفاهية وسعادة بلا حدود وصار يشعر بالملل ويريد المزيد من السعادة ، أو أنه يمتلك المال لكن لا يمتلك السعادة ، رغم ان البعض يقول أن السعادة تأتي من المال وبعضهم يذكر أن الغنى هو غنى النفس والسعادة هي القناعة .. أما رواد التنمية البشرية فذهبوا إلى أن السعادة هي ليست الهدف الموصول بعد الطريق بل نجدها في الطريق ثم نصل للهدف أو لا نصل إليه ، ويمزح الممثل الأوروبي جيسون ستاثم، في قول ان المال لايشتري السعادة لكني افضّل البكاء في سيارة فيراري، وهذه كلها نظريات وأفكار تحكمنا في الحياة ، بل وتحدد طريقة ومستوى حياتنا المادي والاجتماعي وأيضاً الشعوري ، فهنالك ملياردير توفى .. ولم يترك لأبنته فلساً واحداً لأنه لايحبها ويشك أنها ليست ابنته ، ورجل أعمال ثري تحسر وهو على فراش الموت لإنشغاله في العلم والعمل، رغم أنه جمع ثروة طائلة من المال .. وتعلمون أن كثيراً من الفنانات والفنانين اصيبوا بالاكتئاب وتعاطوا المخدرات ومنهم من انتحروا دون سبب يستحق ، رغم حصولهم على مايحلم به أي إنسان ، وذلك مايثير الغرابة ، إلا أنه صدق ولكي لا أبالغ ربما بعض الإيمان والرضا والأمل والسلام الداخلي ، وربما عدم التعلق بالمال والقيل والقال ورحاب الخيال والسهر والقهر وكثرة الآثام والغرق في الأحلام ، يزرع فينا قليلاً من الطمأنينة والسكينة بإستثاء قضية السعادة التي حيّرت الفلاسفة والعلماء والناس ، وإحترنا كيف نشعر بها ونصل إليها مثلما يقول المثل الشعبي ، حرت وحيرني زماني ، ولكن أغلب الظن نحن نحيّر أنفسنا أكثر من الزمان .. نسيت أن أقول في البداية المتهم الذي داخل سيارة الشرطة كان ينظر للدنيا من الشباك ولكنه شاهد من النافذة أرضاً واسعة خضراء وسماء مليئة بالغيوم والطيور .. هكذا نحن قد ينظر أحدنا من ضيق السجن إلى فضاء واسع بالنجوم ، وقد ينظر من فضاء قصرة وحدائقه وسياراته إلى ضيق السجن.