19 نوفمبر، 2024 11:20 ص
Search
Close this search box.

النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين .. أصولها، أسبابها ونتائجها/12 ما قبل الأخيرة

النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين .. أصولها، أسبابها ونتائجها/12 ما قبل الأخيرة

حقيقة نبي الفرس زرادشت

كان العرب يسخرون من التقاليد والعادات المجوسية. سيما عندما يشيد الفرس بنبيهم زرادشت أكثر مما يشيدون بالنبي المصطفى (صلى الله عليه وسلم) الذي هداهم إلى نور الإسلام والطريق المستقيم. فقد روى الأزهري عن مخزوم بن هانئ المخزومي عن أبيه: لما كانت الليلة التي ولد فيها النبي(ص) إرتجس ديوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك مائة عام، وغاصت بحيرة ساوة، ورأى الموبذان إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة، وانتشرت في بلادها. فلما أصبح كسرى أفزعه ما رأى، فلبس تاجه وأخبر مرازبته بما رأى، فورد عليه كتاب بخمود النار، فقال الموبذان” وأنا رأيت في هذه الليلة، وقص عليه رؤياه في الإبل. فقال له وأي شيء هذا؟ قال حادث من ناحية العرب. فبعث كسرى الى النعمان بن المنذر ليرسل له برجل عالم ليسأله، فأرسل اليه عبد المسيح بن عمر الغساني.

كما قال التوحيدي عن الفرس” كذب القوم، لم يكن زرادشت نبيّا، ولو كان نبيّا لذكره الله تعالى في عرض الأنبياء الّذين نوّه بأسمائهم وردّد ذكرهم في كتابه، ولذلك قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب» لأنّه لا كتاب لهم من عند الله منزّل على مبلّغ عنه. وإنّما هو خرافة خدعهم بها زرادشت بقوّةالملك الّذي قبل ذلك منه وحمل الناس عليه طوعا وكرها، وترغيبا وترهيبا، وكيف يبعث الله نبيا يدعو إلى إلهين اثنين؟ وهذا مستحيل بالعقل، وما خلق الله العقل إلّا ليشهد بالحق للمحقّ والباطل للمبطل، ولو كان شرعا لكان ذلك شائعا عند أهل الكتابين، أعني اليهود والنصارى، وكذلك عند الصابئين، وهم كانوا أكثر الناس عناية بالأديان والبحث عنها، والتوصّل إلى معرفة حقائقها، ليكونوا من دينهم على ثقة، فكيف صارت النصارى تعرف عيسى، واليهود تعرف موسى، ومحمّد- صلّى الله عليه وسلّم- يذكرهما ويذكر غيرهما، كداود وسليمان ويحيى وزكريّا، وغير هؤلاء، ولا يذكر زرادشت بالنبوّة وأنّه جاء من عند الله تعالى بالصدق والحق كما جاء موسى وعيسى، لكنّي بعثت ناسخا لكلّ شريعة، ومجدّدا لشريعة خصّني الله بها من بين العرب. قال: وهذا بيان نافع في كذبهم، وإنما جاءوا إلى وهي فرقعوه، وإلى حرام بالعقل فأباحوه، وإلى خبيث بالطبع فارتكبوه وإلى قبيح في العادة فاستحسنوه.وقد وجدنا في البهائم ما إذا أنزي الفحل منها على أمّه لم يطاوع، وإذا أكره وخدع وعرف غضب على أهله وندّ عنهم، وشرر عليهم، فما تقول في خلق لا ترضاه البهيمة، ولا تطاوعه فيه الطبيعة، بل يأباه حسّه مع كللوه وتبرد شهوته مع اشتعالها، ويرضاه هؤلاء القوم مع عجبهم بعقولهم، وكبرهم في أنفسهم. ولو كان زرادشت أقام لهم على هذه الخصلة اللّئيمة والفعلة الذميمة كلّ آية وكلّبرهان، ونثر عليهم نجوم السماء، وأطلع لهم الشمس من المغرب، وفتّت لهم الجبال، وغيّض لهم البحار، وأراهم الثريّا تمشي على الأرض تخترق السّكك وتشهد له بالصدق، لكان من الواجب بالعقل وبالغيرة وبالحميّة وبالأنفة وبالتقزّز وبالتعزّز ألّا يجيبوه إلى ذلك، ويشكّوا في كل آية يرون منه، ويقتلوه، وينكّلوا به. ولكن بمثل هذا العقل قبلوا من مزدك ما قبلوه مرّة، ولو عاملوا زرادشت بما عاملوا به مزدك ما كان الأمر إلا واحدا، ولا كان الحقّ إلا منصورا، ولا كان الباطل إلا مقهورا، ولكن اتّفق على مزدك ملك عاقل فوضع باطله، واتفق لزرادشت ملك ركيك فرفع باطله، وما نزع الله عنهم الملك إلّا بالحق، كما قال تعالى(( فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ)). (الإمتاع والمؤانسة1/80). الآية الكريمة من سورة الزخرف/55

ماذا تعني كراهية العرب؟

قال ابن حجر” إن كثيرين من الفرق الأعجمية، والطوائف العنادية جبلوا على بغض العرب، فوقعوا في مهاوى العطب جهلا بما اختصهم الله به من المزايا التي لا يؤتوها غيرهم، والعطايا المحققة لعلوا قدرهم، وعظيم خيرهم، حتى بلغنا عن بعض أولياء الله أنه قال: جاهدت نفسي ستين سنة حتى خرج منها بغض العرب”. (مبلغ الأرب في فخر العرب/1). وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): من أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم”. (مبلغ الأرب في فخر العرب/1). وقال النبي (صلى الله عليه وسلم): إذا ذلت العرب ذل الإسلام”. (مبلغ الأرب في فخر العرب/2). وعن على بن أبي طالب قال: أسندت النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى صدري فقال: يا على أوصيك بالعرب خيرا”. (مبلغ الأرب في فخر العرب/2). كما روى عبدُ الله بنُ أحمد في مسند أبيه من طريقِ إسماعيل بنَ عَيَّاش عنيزيد بنُ جبير بإسناده، عن علي بن أبي طالب قال: قالَ رسوَلُ الله لا يبغض العَرَبَ إلا منافقٌ”. (مسبوك الذهب في فضل العرب/47). روى ابنُ عساكِرِ والسِّلَفِيُ عن جابرِ بنِ عبد الله: قَالَ رسوَلُ الله ” حُبُّ أبي بكر وعمرَ مِنَ الإِيمانَّ وبغَضهما كُفْرٌ، وحُبُ الأنصارِ مِنَ الإِيمانَّ وبُغْضُهُمْ كُفْر، وحبُ العَرَبِ منَ الإِيمانِ وبُغْضُهمْ كُفْرٌ”. وروى التِّرمذيُّ وغيرُهُ عن سلمانَّ – رض الله عنه – قالَ: قالَ رسولُ الله” يا سلمانُ لا تُبْغِضْني فَتُفَارِقَ دِينَكَ”! قلتُ يا رسوَل الله، كيف أبْغِضُكَ وبكَ هَدَاني الله؟ قالَ: تُبْغِضُ العَرَبَ فَتُبْغِضُنِي”. (أخرجه الترمذي)

روى السَلَفِيًّ بإسناده عن نافع عن ابن عِمر قال: قال رسوَل الله : مَنْ يحسن أنِ يتكلمَ بالعربيةِ فلا يتكلم بالعجمية فإنَّه يُورثُ النِّفاق. ورواه أيضا بإسناد آخر عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال رسوَل الله : مَنْ كان يحسن أن يتكلم بالعربية فلا يتكلم بالفارسية فإنَها تورث النِّفاق”. حديث صحيح على شرط الشيخين، ورجاله كلهم ثقات. هذان الحديثان يقتضيان ِتحريم الكلام بالعجمية لقادر على العربية إلا لحاجةٍ. والمختارُ أن ذلكَ مكروه”. (مسبوك الذهب في فضل العرب/65). وهنا لابد من استذكار ان الخميني منذ أن تسلم السلطة في ايران لم يتكلم العربية البته، حتى في لقائه مع محمد حسنين هيكل، رفض التكلم بالعربية، وحضر مترجم ينقل كلامه الى العربية. قال الكرمي المقدسي” في الحديث: إنَّ الله اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إبراهيمَ إسماعيل، واصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إسماعيل بني كِنَانَةَ.. إلى آخره. قال الترمذي: هذا حَدِيث صَحِيحٌ. وهذا الحديث يقتضي أنَ إسماعيل وَذريتَهُ صَفْوَةِ وَلَدِ إبراهيمَ، وأنًهُمْ أفْضَلُ من وَلَدِ إسْحَاقَ، ومعلوَمً أنَّ ولد إسحاق الذين هم بنو إسرائيل افضلُ مِنَ العَجَمِ لما فيهم مِنَ النُّبوة والكِتَاب حَيْثُ ثَبَتَ فَضْلُ وَلَدِ إسماعيلَ على بني إسرائيل، فعلى غيرهم بطريقِ الأولى”. (مسبوك الذهب في فضل العرب/39)

لكن اقرأ كيف يتعامل العرب مع العجم عموما، قال الكرمي المقدسي” يوَجد من العجم ما هوَ أفضلُ من ألوفٍ من العرب كصهيب الرومي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي وغيرهم فإنَ كل واحدٍ منهم أفضلُ من ألوَفٍ من العرب بل أفضلُ من ألوفٍ من قريشٍ وبني العبًاس والأشرافْ ويصحُ أن نقوَل: إنَ كل واحدٍ من مثل سلمان وبلال وصهيب لصحبة رسول الله أفضلُ من جعفرالصادق وموسى الكاظم، وأفضلُ من أبي حنيفة ومالك والشافعي واحمد”. (مسبوك الذهب في فضل العرب/35). ويوضحَ شيخُ الإِسلام الحافظ تقي الدين بن تيمية ” أنً اسم العرب والعجم قد صار فيه اشتباه، فإن اسم العجم يعّم – في اللغة – كل من ليس مِنَ العرب، لكن لما كان العلم والإيمان في أبناء فارس اكثر منه في غيرهم من العجم كانوَا هم أفضل الأعاجم فغَلب لفظ العجم في عرف العامة المتأخرين عليهم فصار حقيقة عُرفية عامية فيهم”. (مسبوك الذهب في فضل العرب/60)

موقف العرب من الفرس المجوس

ذكر الثعالبي” قال الصاحب بن عباد فِي رجل يتعصب للعجم على الْعَرَب ويعيب الْعَرَب بِأَكْل الْحَيَّات.
يَا عائب الْأَعْرَاب من جَهله   لأكلها الْحَيَّات فِي الطّعْم

فالعجم طول اللَّيْل حياتهم       تنساب فِي الْأُخْت وَفِي الْأُم   (يتيمة الدهر3/316).

الحقيقة أن العرب كانوا بدورهم يحتقرون الفرس المجوس، وهذا ما تجده عند كبار الرموز الإسلامية وبعضم من أصول فارسية. لما عرف عنهم من نكاح الأمهات والخوات، علاوة على الحقد واللؤم الفارسي، والغطرسة الفارغة. عندما نزل سعد بن ابي وقاص القادسية كان معه ما بين 7000ـ8000 مقاتل وكان الفرس عشرة أضعافهم، معهم الأفيال والسلاح واخذوا يسخرون من نبال المسلمين ويشبهونها بالمغازل. وطلبوا مفاوضا من المسلمين فأرسل لهم سعد المغيرة. وعندما جلس على سرير رستم، اغتاظ هو وحاشيته من جلوسه فقال لهم” والله ما زادني مجلسي هذا رفعة، ولا نقص صاحبكم”. (كتاب الخراج لأبي يوسف).

كما عد يحيى بن خالد رجلاً مراراً ولم يف، فرفع إليه رقعة فيها: البسيط

البرمكّيون لا يوفون ما وعدوا     والبرمكيّات لا يخلفن ميعاداً

فلما قرأها اغتمّ وقال: وددت أني افتديت هذا البيت ما أملك”.(البصائر والذخائر7/109). كما حضر أبو نواس مجلساً فيه قيان، فقلن له: أبا نواس، ليتنا بناتك، قال: نعم، ونحن على دين المجوسية؛ وذلك لأن المجوس ينكحون بناتهم”. (حدائق الأزهار/22).. وقال شاعر آخر:

إنّي نشأت بأرض لا تشبّ بـــها     نار المجوس ولا تبنى بها البيــــع
ولا يطا القرد والخنزير ساحتها     لكنها بها الهيق والسّيدان والصدع
ما كلّ قولي معروف لكم فخذوا   ما تعرفون وما لم تعرفوا فدعـــوا  

(الإمتاع والمؤانسة2/254).

ذكر التوحيدي” زعم صاحب المنطق أنّ الجمل لا ينزو على أمّه، وإن اضطرّ كرهه، قال: وقد كان رجل في الدّهر السّالف ستر الأمّ بثوب ثم أرسل بكرا عليها، فلما عرف ذلك لم يتمّ وقطع، وحقد على الجمّال فقتله”. (الإمتاع والمؤانسة2/179). ونقل عن علي بن أبي طالب قوله” كان لملك فرس أنثى، وكان لها أفلاء، فأراد أن تحمل من أكرمها، فصدّ عنها وكرها، فلمّا سترت وثب فركبها، فلمّا رفع الثّوب ورآها هرب ومرّ حضرا حتى ألقى نفسه في بعض الأودية فهلك، هذا كلام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرّم الله وجهه”. (الإمتاع والمؤانسة2/179).

قال ابن الحجّاج:
لا تغترر أنّك مـــن فارس   في معدن الملك وديوانه
لو حدّثت كسرى بذا نفسه     صفّعته في جوف إيوانه   (محاضرات الأدباء1/425).

بل من الطرائف أنه سمع أعرابي يقول لآخر أترى هذه العجم تنكح نساءنا في الجنة، فقال الآخر: نعم أرى ذلك بأعمالهم الصالحة، فقال: توطأ رقابنا والله قبل ذلك”. (محاضرات الأدباء1/425).

كما قال أحمد بن يحيى:

بني يثربي حصنوا أيقاتكــــــم   وأفراسكم من ضرب أحمر مسهم
ولا أعرفن ذا الشق يطلب شقه   يداويه منكم بالأديم المسلم

غلق المظفر الحاتمي” يعني نساءكم وبناتكم. يقول: لا تنكحوا نساءكم العجم من الفرس. ومسهم، ضربه مثلاً. يقول: إذا كان هجيناً من السهام دون سهام العتيق”. (حلية المحاضرة/131)

اليوم تعيد الحكومة الشيعية في العراق بتوجيه من الولي الفقيه في طهران إعادة ترميم إيوان كسرى لاستعادة أمجاد فارس المزعومة، وهم يعلمون ما آل اليه الإيوان بسبب قدمه واندثار معظمه!

قال الزمخشري” تذاكر حذيفة وسلمان رضي الله عنهما أمر الدنيا، فكان من أعجب ما ذكرا أن أعرابيا من غامد كان يرعى حوله شويهات له، فإذا كان الليل آواها إلى سرير رخام في الإيوان كان يجلس عليه أبرويز.

قال البحتري:
حضرت رحلي الهموم فوجّهت     إلى أبيض المدائن عنسي
وكأن الإيوان من عجب الصّنعة   جون في جنب أرعن مرسي

لما بنى المنصور بغداد أحب أن ينقضه، ويبني بنقضه؛ فاستشار خالد بن برمك فنهاه، وقال: هو آية الإسلام، من رآه علم أن من هذا بناؤه لا يزيل أمره إلا نبي، وهو مصلى علي بن أبي طالب، والمؤونة في نقضه أكثر من الارتفاق به. فقال: أبيت إلا ميلا إلى العجم؛ فهدمت ثلمة فبلغت النفقة عليها مالا كبيرا، فأمسك؛ فقال له خالد: أنا الآن أشير بهدمه لئلا يتحدث بعجزك عنه، فلم يفعل”.( ربيع الأبرار1/268).

ـ قال ابن حمدون” لما قال إسماعيل بن يسار قصيدته التي يفخر فيها بالفرس على العرب، ومنها:
إذ نربّي بناتنا وتدسّون    سفاها بناتكم في التراب
قال له العربي: لأن حاجتنا إلى البنات غير حاجتكم، يعني أنهم ينكحون بناتهم”. (التذكرة الحمدونية3/442).

العرب لا تصاهر الفرس

كان العرب لا يتصاهرون مع الفرس للحفاظ على أنسابهم وما عرف من الفرس من تقاليد لا تنسجم مع القيم العربية، مهما كانت مكانتهم، وهذا مثال مهم، ذكره الزمخشري وهو من فارس” جاء سلمان رضي الله يخطب قرشية ومعه أبو الدرداء، فدخل وذكر سابقة سلمان وفضله، فقالوا: لا نزوجه، ولكن إن أردت أنت زوجناك. فتزوجها ثم خرج، فقال: يا أخي قد صنعت شيئاً وأنا أستحي منك، وأخبره، فقال سلمان: أنا أحق أن أستحي منك، أخطب امرأة كتبها الله لك”. (ربيع الأبرار1/461).

قال الكرمي المقدسي” رُويَ عن سلمانَ الفَارِسيَ – رضي الله عنه – أنّهُ قَالَ: فضلتموَنا يا معشرَ العَرَبَ باثنتين: لا نؤمكم، ولا ننكح نساءَكم. ورواهُ سعيد في (سننه) وغيرُهُ. وهذا الحديث ممَا احتجً بهِ أكثرُ الفقهاء الذين جعلوَا العربيةَ منَ الكفَاءةِ بالنسبة إلى العجمي قائلين: ولا تزوج عربية بعجمي. قالَ الفقهاءُ في تعليلِ ذلكَ -: لأن الله – تعالى – اصطفى العربَ على غيرهم وَمَيَّزَهُم عنهم بفضائل جمة”. (مسبوك الذهب في فضل العرب/49) قال الكرمي المقدسي” لما وَضَعَ الإِمامُ عمرُ بنُ الخَطَّاب – رضي الله عنه – الديوَانَ للعطاء كَتَبَ النَاسَ على قدرِ أنْسَابهِمْ، فبدأ بأقربهم نَسَباً إلى رسوَل الله فَلَمَّا انقضَتْ العَرَبُ ذَكَرَ العَجَمَ، هكذَا كان الديوانُ على عهدِ الخُلَفَاءِ الراشدينَ، وسائرِ الخلفاءِ من بني أمَيةَ،والخلفاءِ من بني العَباسِ إلى أنْ تغير الأمرُ بعدَ ذلك”. (مسبوك الذهب في فضل العرب/49)

قال ابو الفرج” كانت لملوك العجم صفة من النساء مكتوبة عندهم فكانوا يبعثون في تلك الأرضين بتلك الصفة فإذا وجدت حملت إلى الملك غير أنهم لم يكونوا يطلبونها في أرض العرب ولا يظنونها عندهم ثم إنه بدا للملك في طلب الصفة وأمر فكتب بها إلى النواحي ودخل إليه زيد بن عدي وهو في ذلك القول فخاطبه فيما دخل إليه فيه ثم قال إني رأيت الملك قد كتب في نسوة يطلبن له وقرأت الصفة وقد كنت بآل المنذر عارفا وعند عبدك النعمان من بناته وأخواته وبنات عمه وأهله أكثر من عشرين امرأة على هذهالصفة قال فاكتب فيهن قال أيها الملك إن شر شيء في العرب وفي النعمان خاصة أنهم يتكرمون زعموا في أنفسهم عن العجم فأنا أكره أن يغيبهن عمن تبعث إليه أو يعرض عليه غيرهن وإن قدمت أنا عليه لم يقدر على ذلك فابعثني وابعث معي رجلا من ثقاتك يفهم العربية حتى أبلغ ما تحبه فبعث معه رجلا جلدا فهما فخرج به زيد فجعل يكرم الرجل ويلطفه حتى بلغ الحيرة فلما دخل عليه أعظم الملك وقال إنه قد احتاج إلى نساء لنفسه وولده وأهل بيته وأراد كرامتك بصهره فبعث إليك فقال ما هؤلاء النسوة فقال هذه صفتهن قد جئنا بها وكانت الصفة أن المنذر الأكبر أهدى إلى أنوشروان جارية كان أصابها إذ أغار على الحارث الأكبر بن أبي شمر الغساني فكتب إلى أنوشروان بصفتها وقال إني قد وجهت إلى الملك جارية معتدلة الخلق نقية اللون والثغر بيضاء قمراء وطفاء كحلاء دعجاء حوراء عيناء قنواء شماء برجاء زجاء أسيلة الخد شهية المقبل جثلة الشعر عظيمة الهامة بعيدة مهوى القرطعيطاء عريضة الصدر كاعب الثدي ضخمة مشاش المنكب والعضد حسنة المعصم لطيفة الكف سبطة البنان ضامرة البطن خميصة الخصر غرثى الوشاح رداح الأقبال رابية الكفل لفاء الفخذين ريا الروادف ضخمة المأكمتين مفعمة الساق مشبعة الخلخال لطيفة الكعب والقدم قطوف المشي مكسال الضحى بضة المتجرد سموعا للسيد ليست بخنساء ولا سفعاء رقيقة الأنف عزيزةالنفس لم تغذ في ؤس حيية رزينة حليمة ركينة كريمة الخال تقتصر على نسب أبيها دون فصيلتها وتستغني بفصيلتها دون جماع قبيلتها قد أحكمتها الأمور في الأدب فرأيها أهل الشرف وعملها عمل أهل الحاجة صناع الكفين قطيعة اللسان رهوة الصوت ساكنته تزين الولي وتشين العدو إن أردتها اشتهت وإن تركتها انتهت تحملق عيناها وتحمر وجنتاها وتذبذب شفتاها وتبادرك الوثبة إذا قمت ولا تجلس إلا بأمرك إذا جلست، قال فقبلها أنوشروان وأمر بإثبات هذه الصفة في دواوينه فلم يزالوا يتوارثونها حتى أفضى ذلك إلى كسرى ابن هرمز، فقرأ زيد هذه الصفة على النعمان فشقت عليه وقال لزيد والرسول يسمع أما فيمها السواد وعين فارس ما يبلغ به كسرى حاجته فقال الرسول لزيد بالفارسية ما المها والعين فقال له بالفارسية كاوان أي البقر فأمسك الرسول وقال زيد للنعمان إنما أراد الملك كرامتك ولو علم أن هذا يشق عليك لم يكتب إليك به، فأنزلهما يومين عنده ثم كتب إلى كسرى إن الذي طلب الملك ليس عندي وقال لزيد اعذرني عند الملك ، فلما رجعا إلى كسرى قال زيد للرسول الذي قدم معه أصدق الملك عما سمعت فإني سأحدثه بمثل حديثك ولا أخالفك فيه ،فلما دخلا على كسرى قال زيد هذا كتابه إليك فقرأه عليه، فقال له كسرى وأين الذي كنت خبرتني به قال قد كنت خبرتك بضنتهم بنسائهم على غيرهم وإن ذلك من شقائهم واختيارهم الجوع والعري على الشبع والرياش وإيثارهم السموم والرياح على طيب أرضك هذه حتى إنهم ليسلموها السجن فسل هذاالرسول الذي كان معي عما قال فإني أكرم الملك عن مشافهته بما قال وأجاب به قال للرسول وما قال فقال له الرسول أيها الملك إنه قال أما كان في بقر السواد وفارس ما يكفيه حتى يطلب ما عندنا فعرف الغضب في وجهه ووقع في قلبه منه ما وقع لكنه لم يزد على أن قال رب عبد قد أراد ما هو أشد من هذا ثم صار أمره إلى التباب وشاع هذا الكلام حتى بلغ النعمان وسكت كسرى أشهرا على ذلك”. (الاغاني2/113).

عدم قبول شهادة من يتجر مع الفرس

ذكر وكيع” عَن مُحَمَّد بْن عَبْد الرحمن القرشي؛ قال: قلت لإياس بْن معاوية؛ أخبرت أنك كنت لا تجيز شهادة الأشراف بالعراق، ولا التجار، ولا الذين يركبون البحر. فقال: أجل أما الذين يركبون البحر، فإنهم يركبون إِلَى الهند حتى يغرر بدينهم، ويمكنوا عدوهم منهم، من أجل طمع الدنيا، فعرفت أن هؤلاء إن أعطي أحدهم درهمين في شهادتهم لم يتحرج بعد تغريره بدينه، وأما الذينيتجرون في قرى فارس فإن المجوس يطعمونهم الربا، وهم يعلمون؛ فأبيت أجيز شهادتهم لأجل الربا؛ وأما الأشراف فإن الشريف بالعراق إِذَا نابت أحداً منهم نائبة أتى سيد قومه، شهد له وشفع، فقد كنت أرسلت عَبْد الأهلي بْن عَبْد اللهِ بْن عامر ألا يأتيني بشهادة”. (أخبار القضاة2/359).

كنية ابن الفارسية

ذكر المرزباني” هجى بشار سيبويه بقصيدة يقول فيها:
أسبويه يا بن الفارسيّة ما الذى     تحدثت من شيمتى وما كنت تنبذ
أظلـــت تغنى سادرا بمساءتى     وأمّك بالمصرين تعطى وتأخذ
فقيل لبشار: تنسبه إلى الفارسية؟ قال: نسبته إلى أن أعرف أبويه. قيل: فلم جعلتها فارسية؟

قال: إنّ بفارس الشريف والوضيع.
قال ابن مهدى: حدثني أبو هفّان، عن أبي محلّم، قال: كان بالبصرة امرأة زانية يقال لها الفارسية مشهورة بالزنا؛ فكان أهل البصرة إذا أرادوا أن يزنّوا إنسانا قالوا له: يا بن الفارسية، فإلى هذا ذهب بشار؛ وكان أشدّ عصبية للفرس من أن يقول هذا”. (الموشح في مآخذ العلماء/314).

العرب يستنكفون من الفرس

ـ ذكر النهشلي القيرواني” حدث يموت بن المزرع أن امرأة من العرب كانت أمها فارسية، وكان بنو عمها كثيراً ما يعيرونها بأمها، فلما كثر ذلك عليها أنشأت تقول:
من آل فارس أخوالي أساورة     هم الملوك وقومي سادة العرب
وجدتي تلبس الديباج ملحفة       من الفرير ولم تقعد على قتب
ولم تكب على الأبراد تنسجها   معاذ ربي، ولم تشرب من العلب
فقلن لها أوصيت قومك؟ فقالت: هم والله أشد إيجاعا وما قصدت إلا دفع شرهم”.  (الممتع في صنعة الشعر/334).

وأنشد أحمد بن يحيى:

بني يثربي حصنوا أيقاتكم            وأفراسكم من ضرب أحمر مسهم
ولا أعرفن ذا الشق يطلب شقه       يداويه منكم بالأديم المسلم
قال اين المظفر الحاتمي” يعني نساءكم وبناتكم. يقول: لا تنكحوا نساءكم العجم من الفرس. ومسهم، ضربه مثلاً. يقول: إذا كان هجيناً من السهام دون سهام العتيق”. (حلية المحاضرة1/131).

تنويه

الحلقة القادمة هي الأخيرة في هذا المبحث، ومن يرغب بالحصول على طبعات المصادر والمراجع يمكن الرجوع الى موقع فيصل نور للحصول عليها.

أحدث المقالات